ليس من مهام البعثات الدبلوماسية في الخارج أن تخدم لرعايا بلادها المقيمين في الدولة المضيفة ، وأن ترعى مصالحهم أو تنقل الرسائل الرسمية من وإلى قيادات الدولة التي تمثلها، والقيام بمراسيم المجاملات التي تقتضيها الأعراف الدبلوماسية فحسب وانما يتعدى في هذا العصر إلى مهمة أوسع من ذلك بكثير، بحيث يجب على البعثات الدبلوماسية وعلى رأسها السفارات أن تمثل بلادها تمثيلا دبلوماسيا كاملا، عبر توثيق علاقاتها مع صناع القرار في البلد الموفد إليها، والتنسيق معهم في كافة القضايا ذات الاهتمام المشترك، والاتصال مع جميع التيارات السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية، ومع مختلف الأطياف الأخرى في المجتمع ، لإعطائهم صورة واضحة عن البلد الذي تمثلها ، وتصحيح ما لديهم من المعلومات المغلوطة عن بلادها واقناعهم بضرورة التفاعل مع قضاياها وأزماتها بشكل ايجابي. وإذا غابت البعثات الدبلوماسية أو فشلت في تحقيق هذا الهدف الأسمى فإن ذلك لا شك يضر بمكانة ودور بلادها ويعرض مصالح مواطنيها للخطر. وأن هذا الخطر هو ما يعاني منه اليوم الشعب الصومالي ونظامه السياسي.
عندما سقطت الحكومة المركزية في الصومال عام 1991 تعرضت المنظومة الدبلوماسية في البلاد لمشكلتين كبيرتين ساهمتا في تأجيج الأزمة واستمرارها لأكثر من 30 عاما.
فالمشكلة الأولى هي سقوط جميع السجلات ومحاضر الاجتماعات السياسية والأمنية التي كانت لدى المقرات الدبلوماسية الصومالية في الداخل والخارج في أيدي العابثين، وتعرضت للنهب على أيادي خارجية قررت مع سبق الإصرار والترصد العبث بأرشف الخارجية الصومالية والنيل من أسرارها. والمشكلة الثانية تتمثل في أزمات متعددة اقتصادية، وسياسية ونزاعات قبلية واجهتها السفارات بعد سقوط الحكومة المركزية أدت إلى اغلاق عدد كبير من تلك السفارات بينما بدأت الأخرى الإرتماء إلى أحضان الدول المضيفة ومساعدتها في تنفيذ أجنداتها في الصومال مقابل الحصول على حفنة من المال.
لقد قصرت الحكومات التي مرت على الصومال خلال الأعوام القليلة الماضية بحق السلك الدبلوماسي فهي لم تقم بما فيه الكفاية لإعادة بناء المنظومة الدبلوماسية في الخارج بصورة مهنية ووطنية، وكان شغلها الشاغل منصبا في الداخل لكن الحقيقة أن اهمال هذا القطاع وتركه يواجه مصيره بنفسه أفحل المشكلة وأدى إلى خسارة الصومال أصدقاء كثيرين كان ينبغي اكتسابهم ليؤدوا دورا ايجابيا في حل الأزمة الصومالية وتحقيق الأمن والإستقرار وعلى العكس من ذلك ساهمت تلك الحكومات في عملية استشراء الفساد في المنظومة الدبلوماسية عبر تعيين سفراء وقناصل وملاحق بلا سفارات وأخرى تم تعيينهم وفق نظام غير شفاف يقدم الولاء القبلي على الكفاءات، والمصلحة الخاصة على المصلحة العامة الأمر الذي حول بعض سفاراتنا إلى منتديات عشائرية تحاك فيها الدسائس والمؤامرات ومساعدة الجهات الأجنبية إلى تفكيك البلاد وابقاء الشعب الصومالي في دوامة العنف والاقتتال الداخلي وتدفع الحكومة الصومالية ملايين الدولارات سنويا لسفاراتنا في الخارج لكن المردود محدود وهناك أنباء تتحدث أن تلك الأموال تقع في الغالب في جيوب بعض الأشخاص وذويهم الذين لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
نحث سفراؤنا في الخارج على أداء واجباتهم ومسؤولياتهم في هذا المنعطف البالغ الأهمية الذي يمر بها الصومال بأكمل وجهة، ورعاية مصالح المواطنين في الخارج رعاية كاملة والحرص على الإبقاء قنوات التواصل مع صناع القرار في الدول المضيفة ومع كافة الأطراف المجتمعية الأخرى مفتوحا في جميع الحالات، بهدف تحسين صورة الصومال واقناعهم بتبني سياسات أكثير أيجابية تجاه البلاد ليس هذا بحسب، بل يجب التواصل مع الشركات التجارية ورجال الاعمال وحثهم على الاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في بلادنا.