الصومال اليوم

هل يؤثر انسحاب القوات الأفريقية “أتميس” على الأوضاع الأمنية في الصومال؟

يتطلع الصومال إلى تسلم المهام الأمنية والعسكرية جزئيا بنهاية الشهر الجاري من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية “أتميس”، حيث أشاد قادة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” في ختام دورتهم الـ14 للقمة في جيبوتي، بإنجازات مقديشو فيما يتعلق بالجهود العسكرية ضد حركة الشباب، كما دعوا في الوقت ذاته إلى رفع حظر السلاح المفروض على البلاد.
ويرى مراقبون أن هناك العديد من البنود يجب العمل عليها محليا ودوليا قبل ترك القوات الصومالية الوليدة فريسة للميليشيات والصراعات القبلية، بأن يتم رفع الحظر عن تسليح القوات النظامية ومحاولة اختيار القادة بعيدا عن المناطقية وأن يكون هناك دعم مادي ولوجستي دولي للقوات المحلية، في الوقت الذي يرى فريق آخر أن القوات الصومالية أصبح لديها اليوم استعدادات كبيرة ويمكنها القيام بأي دور.

وأعلنت بعثة الاتحاد الأفريقي (أتميس) في وقت سابق الأربعاء أنها بدأت خفض عدد جنودها في الصومال بما يتوافق مع قرارات الأمم المتحدة التي تنص على انسحاب “ألفي جندي (من قوات البعثة) بحلول نهاية يونيو/حزيران الجاري.
وقالت إنها سلّمت الجيش الوطني قاعدة تستخدمها قوات بوروندية في ولاية هيرشابيل في جنوب وسط الصومال.
ومن المقرر أن تتولى القوات المسلّحة الصومالية من جيش وشرطة المسؤوليات الأمنية كاملة بنهاية العام 2024، أي بعد 17 عاما على إنشاء مجلس الأمن، قوة الاتحاد الأفريقي لتقديم الدعم في مكافحة حركة الشباب.

وكان أعلن وزير الدفاع في الحكومة الفيدرالية الصومالية عبد القادر محمد نور أن الجزء الأول من قوات الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس) وقوامه نحو 2000 جندي، سيغادر البلاد في نهاية يونيو/حزيران الجاري، لتنتقل مسؤولية أمن البلاد إلى الجيش الصومالي.. جاء ذلك خلال ترؤسه اجتماعا لمناقشة بدء المرحلة الأولى من انسحاب قوات بعثة الاتحاد الأفريقي من الصومال، بحضور وفد عسكري من الاتحاد الأفريقي لمراقبة عملية الانسحاب لتلك القوات بحسب وكالة “صونا”، الرسمية.
فهل يؤثر سحب قوات الاتحاد الأفريقي “أتميس” على قدرات القوات العسكرية في الصومال؟.


يقول عبد الرحمن إبراهيم عبدي، مدير مركز مقديشو للدراسات في الصومال، إن القوات الأمنية خلال الفترة الماضية حققت طفرة كبيرة من حيث التدريبات والأعداد، الأمر الذي قد يؤهلها لتحمل مسؤوليات أكبر في مواجهة التهديدات التي تتعرض لها وملء أي فراغ قد يحدث مستقبلا.
وأضاف عبدي”: “أعتقد أن القوات المسلحة الصومالية حققت خلال السنوات الأخيرة تطورات كبيرة ولافتة، سواء من ناحية العدد أو العتاد وانضمت إليها كتائب متعددة تم تدريبها في داخل البلاد وخارجها، وتتمتع بتأييد كبير من القيادة السياسية”.
وتابع عبدي: “أعتقد أن الجيش الصومالي قادر على تحمل مسؤولية الأمن في البلاد في حال انسحاب القوات الأفريقية من البلاد، والدليل على ذلك أن الجيش الصومالي يقوم في الوقت الحالي بعمليات أمنية ويشن هجمات على المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب بدون دعم وإسناد من القوات الأفريقية وحققت انتصارات كبيرة”.
وأشار إلى أن كل ما يحتاج إليه الجيش الصومالي هو الحصول على الدعم المالي والأسلحة اللازمة ليحقق التفوق العسكري، بالإضافة إلى الخبرات القتالية وخاصة فيما يتعلق بحرب العصابات.
ويختلف عمر محمد، المحلل السياسي الصومالي، مع الرأي السابق، ويرى أنه من الصعوبة الجزم ما إذا كانت القوات الصومالية قادرة على سد الفجوة بعد انسحاب القوات الأفريقية، وربما الأمر سابق لأوانه.
وأضاف، أن هناك عدة عوامل داخلية وخارجية لها تأثير مباشر في نجاح القوات الصومالية على أداء مسؤولياتها الأمنية الوطنية.
وتابع محمد: “من العوامل الداخلية المؤثرة في قدرات القوات الصومالية، أن يتم بناء القيادات الوطنية للجيش الصومالي، المتنزهة عن القبلية والمناطقية والحزبية وعن الفساد والمحسوبية، حتى يطمئن الجميع لأداء الجيش والتعاون معه، علاوة على زرع الثقة في نفوس المجتمع الصومالي ومد جسور التواصل بينه وبين القوى الأمنية والعسكرية”.
وأوضح المحلل السياسي أن التوافق والانسجام بين النخب والقوى السياسية في البلاد، وإبعاد الجيش عن الحكم أو التدخل فيه مخافة أن يكون الجيش أداة في يد السلطة الحاكمة، يمثل أحد العوامل الداخلية المؤثرة في بناء قدرات القوات العسكرية والأمنية، حيث اكتوت الصومال بنار هذا النوع من الحكم في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وأشار إلى أنه بالإضافة للعوامل الداخلية السابق ذكرها، هناك عوامل خارجية مؤثرة، فينبغي على الأطراف الإقليمية والدولية مواصلة دعمها المختلف المقدم لفرق الجيش الصومالي، والعمل على رفع حظر السلاح المفروض على البلاد، حتى تستطيع الدولة استيراد الأسلحة التي تساعد الجيش على أداء واجباته.
ولفت محمد إلى أنه في حال توافر العوامل الإيجابية والضمانات السابق ذكرها، من الممكن أن يسد الجيش الصومالي فجوة انسحاب القوات الأفريقية بعد رحيلها، وقد أثبتت الحملة العسكرية الأخيرة على حركة الشباب، مدى قدرة الجيش الصومالي على تحقيق الإنجازات الميدانية في حال وجود قيادة مركزية وأخرى ميدانية توجيهية، أما إذا تعذر توفير تلك الضمانات فستكون هناك علامات استفهام عريضة حول إمكانية نجاح القوات الصومالية في سد الفجوة.
ونهاية مايو/أيار الماضي، أعلن الرئيس الأوغندي يويري موسيفيني مقتل 54 جنديا على الأقل من قوة حفظ السلام التابعة الاتحاد الأفريقي في هجوم شنه مسلحون على قاعدتهم في الصومال.

واستهدف الهجوم قاعدة بولو مارير الواقعة على بعد 120 كيلومترا جنوب غربي العاصمة مقديشو، وقاد المسلحون سيارة مليئة بالمتفجرات إلى القاعدة مما أدى إلى اشتباك بالرصاص، بحسب قائد عسكري صومالي وسكان محليين.
وتبنت الهجوم حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”، والتي تقاتل منذ 2007 الحكومة الفيدرالية المدعومة من الأسرة الدولية.
وهذه واحدة من أكبر الخسائر التي تعرضت لها القوة (أتميس) منذ إطلاقها عملية في أغسطس (آب) الماضي ضد حركة “الشباب”.
وأرسلت قوات الاتحاد الأفريقي طائرات مروحية كتعزيزات بعد الهجوم من دون أن تعلن عدد القتلى.
وشنت القوة الأفريقية الداعمة للحكومة الصومالية هجوماً في أغسطس الماضي على حركة “الشباب” التي تنفذ هجمات في هذه الدولة الهشة في القرن الأفريقي منذ أكثر من 15 عاما.
وحلت قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال “أتميس” التي تضم نحو 20 ألف جندي وشرطي ومدني من أوغندا وبوروندي وجيبوتي وإثيوبيا وكينيا، في أبريل/نيسان 2022 مكان قوة الأمم المتحدة التي نشرت منذ عام 2007 لمكافحة حركة “الشباب”، وهدفت القوة الأفريقية تسليم المسؤوليات الأمنية للجيش والشرطة الصوماليين بحلول عام 2024.
وأعلن الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمود، الذي عاد للسلطة في مايو/أيار 2022 “حرباً شاملة” ضد حركة “الشباب” في سبتمبر/أيلول من العام ذاته، وشن هجوما عسكريا بمساندة قوة الاتحاد الأفريقي وضربات جوية أميركية.
وشنت الولايات المتحدة غارة جوية بعد يوم من الهجوم على القاعدة العسكرية، وقالت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا في بيان إنها “دمرت أسلحة ومعدات استولى عليها مقاتلو حركة الشباب بصورة غير مشروعة”.
وفي تقرير لمجلس الأمن الدولي في فبراير/شباط الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن 2022 كان العام الذي شهد سقوط أكبر عدد من المدنيين في الصومال منذ 2017، لا سيما في هجمات شنتها حركة “الشباب”
يذكر أن حركة الشباب الإرهابية كانت قد أعلنت الولاء للقاعدة في عام 2009 وأصبحت تابعة لها في عام 2012، وتدر الآن نحو 100 مليون دولار سنويا للشبكة الإرهابية، وفقا لوزارة الخزانة الأمريكية.
وشنت الجماعة مواجهات مسلحة ضد الحكومة الفيدرالية التي تتخذ من مقديشو مقرا لها، وانخرطت في هجمات إرهابية وعرقلت وصول المساعدات الإنسانية الأممية في البلاد، ولا تزال حركة الشباب تسيطر على مناطق واسعة في وسط وجنوب الصومال.

Exit mobile version