الصومال “الفقير” غني بآثار تنتظر الاهتمام
الصومال اليوم – محمود عبدي
تحتوي الأراضي الصومالية على مئات من المواقع الأثرية المهملة، على رغم أهميتها للتاريخ الإنساني وتوثيقها لحياة البشر الموغلة في القدم، تلك الآثار التي إذا ما وجدت في بلد آخر للقيت ما تستحقه من احتفاء انتظاراً لما يمكن أن تجلبه من مكاسب مادية ومعنوية. وعلى عكس ما تجده الآثار في كل العالم من اهتمام، فإن نظيرتها في الصومال ما زالت طي النسيان والتجاهل.
دلائل على تاريخ قديم:
الباحث في مركز هرجيسا للدراسات والبحوث، عبدالله راغة، يقول إن “وجود الإنسان في هذه الأرض يمتد منذ ما قبل التاريخ، وفي الصومال كهوف منتشرة بالمرتفعات والتشكيلات الصخرية شمال البلاد وجنوبها، تحتوي على رسوم من العصر الحجري، كما تتناثر في مناطق واسعة من البلاد تلال وركام جنائزي، إضافة إلى دلائل على وجود أبجدية قديمة تعود للقرن التاسع قبل الميلاد، ولم تخل البلاد من النشاط البشري وما يدل عليه، فهنالك لقى تعود لمصر القديمة، وأخرى تعود لبلاد الرافدين ودلمون، ورموز ومفاتيح للكنوز تحمل نقوشاً يهودية، وعملات وخزفيات تعود إلى حضارات وممالك تمتد في التاريخ والجغرافيا شرقاً وغرباً”.
ويضيف راغة “كهوف لاسغيل وطمبلن وغيرها في الشمال تعود إلى العصر الحجري، والكنوز، واللقى منها ما يعود إلى العهد الفرعوني وما تلاه، وحائط ورغادي في الشرق يعود إلى العصر البرونزي، ثم تلا ذلك فترات دخول الديانات السماوية، فشهدت البلاد مرحلة بناء القلاع والتحصينات على السواحل وفي المرتفعات، وتحولت طرق القوافل إلى مكتبات تحوي مخطوطات باللغة العربية، كل ذلك يدل على المحتوى التاريخي الثري للصومال”.
تجاهل وإهمال وتدمير:
يرى كثير من المهتمين أن المواقع التاريخية والأثرية في الصومال تعاني الإهمال والتعديات، وفي هذا السياق يقول الناشط في المجال الثقافي والمقيم في غروي عبدالرحمن علي إنه من خلال زياراته للمناطق التاريخية، يلاحظ الحالة السيئة التي تعيشها تلك الآثار والمنشآت، مشيراً إلى أن “هناك قلاعاً وحصوناً ومساجد تعرضت لانهيار، وتوشك على الاندثار، ومنها ما تعرض للتخريب المتعمد”، موضحاً “على سبيل المثال، حين ننظر إلى مسجد القبلتين في مدينة زيلع التاريخية والعائد للعهد المكي قبيل الهجرة النبوية إلى المدينة، نجد أنه لم يبق منه إلا المحرابان المتجهان إلى كلتا القبلتين في مكة والقدس”.
ويضيف “هدمت بعض القصور التاريخية لاستغلال حجارتها في بناء مساجد، وشهدت كاتدرائية مقديشو عام 2008 تدميراً على يد متطرفين، إضافة إلى تحول كثير من تلك المواقع التاريخية إلى أماكن لإلقاء القمامة، وملاذ للمتشردين أو مستخدمي المواد المسكرة وممارسي السلوكيات اللاأخلاقية”.
ويوضح مدير قسم السياحة في وزارة الإعلام والاتصالات والسياحة بولاية بونتلاند الفيدرالية كيسي ديني آدن العوامل المؤدية إلى تدهور أوضاع المواقع الأثرية بقوله إن “البلاد مرت بظروف استثنائية، حالت لأكثر من عقدين دون القيام باللازم تجاه المواقع الأثرية والتاريخية، وعلى رغم إدراك الحكومة المركزية والإدارات الولائية بالأهمية المعنوية الثقافية والمادية للمواقع الأثرية والتاريخية، فإن الجهات الرسمية تلك تقع تحت ضغوط كبيرة في سعيها لتوفير الأساسات للمجتمعات التي تدير أمورها، فهنالك الأوضاع الأمنية التي استلزمت عملاً دؤوباً وتدريجياً، حتى بلغت المستوى الحالي المتقدم، وهناك البنى التحتية الأساسية التي تخضع للصيانة والتوسعات، وعلى رغم كل ذلك فإننا يجب أن نعترف بأن هناك إهمالاً بالغاً ومؤسفاً للمواقع الأثرية والتاريخية”.
أهمية معنوية واقتصادية:
وحول الأهمية المعنوية والثقافية والمعرفية للمواقع الأثرية والتاريخية يقول الباحث راغة إن “المواقع الأثرية والتاريخية تمكننا من رصد التغيرات التي شهدتها حياة الإنسان عبر التاريخ، إضافة إلى رصد التغيرات البيئية على هذه الأرض، وهي منبع ثري للبحث العلمي على مستويات عدة، وتمكننا من إيجاد الحلول للمشكلات التي نواجهها اليوم، في حال درسنا أساليب مواجهة الأقدمين لها، وكذلك تجنب آثارها المدمرة من خلال معرفة تأثيرها فيهم، كما تعزز شعور المواطنين بانتمائهم لوطنهم وإخلاصهم في العمل على تقدمه”.
ولدى سؤاله عن العوائد الاقتصادية الممكنة التحقق من العناية بالمواقع الأثرية والتاريخية يقول مدير شركة “ستار” للسياحة في هرجيسا، علي جاحي محمد “نحن في بلد غني بالتاريخ والطبيعة، وكانت السياحة في الماضي قبل الاستقلال وبعده، وحتى الثمانينيات، واحداً من روافد الاقتصاد المهمة، يعززها اتساع رقعة البلاد، وتنوع المواقع الأثرية فيها، وتوفر أكثر من 50 مطاراً و20 ميناءً ومرسى”.
يضيف محمد “النشاط السياحي الذي توفره هذه المواقع قابل لأن يكون محركاً للاقتصاد وقادراً على استيعاب جانب مهم من القوى العاملة وتوفير الاستثمارات الأجنبية، فدول مجاورة لنا تحقق مداخيل مليارية من هذا المجال، إذ إن كينيا تحقق سنوياً قريباً من ثمانية مليارات دولار أميركي في حين تحقق إثيوبيا مليارين ونصف المليار، بينما الصومال ما زال غائباً عن تلك الساحة أو يكاد”.
حلول وحملات:
ويجيب آدن لدى سؤاله عن الدور الذي تقوم به الجهات الرسمية في رعاية المواقع الأثرية والتاريخية بقوله “هناك خطط لتسوير وتنظيف 37 موقعاً في ولاية بونتلاند، ونقيم الأضرار التي تعرض لها عديد من المواقع، بهدف تقديم الميزانيات اللازمة لأعمال الصيانة، بخاصة في المواقع التي أصبحت تشكل خطراً على سلامة من يرتادها، ومن ثم المواقع الأقل احتياجاً للصيانة، وهكذا، وكذلك افتتاح المتاحف في تلك المواقع، وحماية اللقى الأثرية من التهريب والتجارة غير الشرعية، لكننا ومع إدراكنا لكل ذلك، نواجه ضعف الموارد، وقلة تجاوب من الجهات الدولية الراعية للمواقع التاريخية، ونبذل الجهود على أية حال ونكتسب الخبرات للوصول إلى مرحلة أفضل، لتجاوز هذه الظروف”.
أما الناشط “علي” فيركز على العمل المجتمعي الجماعي، عبر حملات التوعية وتسليط الضوء على الأوضاع بقوله “هناك غياب كبير لدور الناشطين، فعملية التوعية وحشد الاهتمام وإشعار المسؤولين الحكوميين وكذلك الجهات المانحة بأهمية هذا الملف أمر لا يمكن تجاهله، ومن جهة أخرى تنفيذ حملات لحث سكان المناطق التي توجد بها تلك المواقع، على العناية بها وجمع التبرعات لصيانتها، وإقناعهم بأن سلامتها وجودة حالتها من مصلحتهم، إذ يجعلها محل فخر لهم من جهة، وتكون مصدر دخل مستقبلياً لأبنائهم مع استمرار تحسن الأوضاع السياسية والأمنية”.