على الصعيد العالمي، بدأ عام 2022 بحالة من عدم اليقين الشديد. وفاقم استمرار النزاعات هنا وهناك، والأحداث المناخية، وأزمة أوكرانيا، فضلاً عن انتكاسة «كوفيد-19» التي تهدد بإطالة أمد الوباء، تلك الحالة، مع تعرض الفئات الأكثر ضعفاً للخطر بشكل أكبر.
ووسط كل هذا، لا يزال ناقوس خطر «أزمة الغذاء العالمية» يدق بصوت عالٍ، ومن الواضح أن الأمور ستزداد سوءاً في عام 2023.
تقع الصومال التي تواجه تأثير تغيّر المناخ، على خط المواجهة في هذه الأزمة. إذ شهدت البلاد أسوأ موجة جفاف لها منذ 40 عاماً. فالمحاصيل تتدهور، والماشية تموت، وملايين الأشخاص يواجهون المجاعة. هذا في بقعة واحدة فقط من كوكبنا.
ووجد أحدث تحليل لبرنامج الأغذية العالمي أن 349 مليون شخص في 79 دولة يواجهون حالياً مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، ارتفاعاً من 282 مليوناً في بداية عام 2022، وهذا رقم قياسي يزيد على 2.5 ضعف عدد الأشخاص الذين عانوا الجوع المدقع قبل انتشار الوباء. ومن الصعب تصديق أن الرقم ذاته كان قبل بضع سنوات 80 مليون شخص فقط.
ومن بين 349 مليوناً يواجهون انعدام الأمن الغذائي، هناك نحو 49 مليون شخص يعيشون في 49 دولة على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة. والأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن ما يقرب من مليون شخص يعيشون الآن في ظروف شبيهة حقاً بالمجاعة، منهم أكثر من 300 ألف شخص في الصومال وحدها، والباقي في أفغانستان وإثيوبيا وجنوبي السودان واليمن.
وتسببت العوامل المعقدة مثل الصراعات، والآثار الاقتصادية المترتبة على الجائحة، والمناخ المتطرف، والتضخم، والصدمات الاقتصادية، إضافة إلى نقص الوقود والأسمدة جراء حرب مستمرة بين روسيا وأوكرانيا، في خلق أزمة غذاء عالمية لا مثيل لها. ببساطة، يواجه العالم أزمة غذاء ذات أبعاد غير مسبوقة، مع تزايد خطر المجاعة الجماعية طوال الوقت. حيث أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض مستويات المعيشة إلى دفع الملايين نحو المجاعة غير قادرين على شراء وجبة أساسية.
لذلك، يجب أن نسابق الزمن لإنقاذ تلك الأرواح. وبهذا الصدد، يقوم برنامج الأغذية العالمي بتعبئة جميع الموارد المتاحة للحصول على المساعدة الغذائية اللازمة التي تشتد الحاجة إليها، وتوسيع نطاقها للحد من تفاقم آفة المجاعة. ويهدف البرنامج لمساعدة 160 مليون شخص في عام 2022، وهو أعلى رقم في تاريخه.
وبالنظر إلى المستقبل، من الصعب أن نكون متفائلين. فبحلول عام 2050، سيكون هناك 10 مليارات شخص في العالم يتعين إطعامهم، وسيكون هذا تحدياً غير مسبوق إذا لم تُبذل محاولات أكبر لعكس الاتجاهات الحالية.
ومع ذلك، يجب علينا مواجهة هذه التحديات ومضاعفة جهودنا من أجل القضاء على الجوع، وإعادة الأمور إلى مسارها الصحيح، وتحقيق وعد خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
ويُعد بناء أنظمة غذائية مرنة جزءاً مهماً من هذه الجهود. وقد تعهدت قمة الأمم المتحدة للأنظمة الغذائية التي انعقدت في سبتمبر/ أيلول 2021 بالتزامها الطموح باتخاذ تدابير ملموسة لبناء القدرة على الصمود وضمان أنظمة غذائية مستدامة، لا سيما لأولئك الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
أما على المدى القصير، فهناك حاجة إلى جهد عاجل متعدد الأطراف ومنسق عبر الحكومات والمؤسسات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتجنب أزمة جوع عالمية أكثر حدة في عام 2023، بما في ذلك دعم أنظمة الحماية الاجتماعية وتعزيز النظم الغذائية الوطنية. وعلى سبيل المثال، يمكننا الوصول إلى المزيد من الأشخاص وإنشاء أنظمة غذائية أكثر مرونة وإنصافاً وفعالية من خلال تقديم برامج وجبات مدرسية محلية.
وفي هذا السياق، تعتبر الصين شريكاً مهماً لبرنامج الأغذية العالمي في معالجة الجوع وتعزيز سبل العيش والقدرة على الصمود والتغذية. وسنواصل استكشاف أحدث الأفكار والتقنيات وبناء شراكات دائمة مع شركائنا في بكين للحاق بالأشخاص الذين تخلفوا عن الركب. في الوقت نفسه، نعمل في برنامج الأغذية العالمي كجسر للاستفادة من الخبرات والتجارب والموارد ذات الصلة من شركائنا، واستجابة لحالات الطوارئ واحتياجات التنمية، ومساعدة البلدان النامية على التقدم نحو القضاء على الجوع.
ويمكن لمنصات تبادل المعرفة والتعاون بين الصين وبرنامج الأغذية العالمي، مثل ( wfpchinacoe.net) أن تعمل على تعزيز الأمن الغذائي وتحسين ظروف التغذية والتخفيف من حدة الفقر، من خلال توفير بيئة مواتية للشركاء لنشر الطلبات وتبادل الحلول والتواصل مع كل منهم.
وعلى المدى الطويل، يعني ذلك الاستثمار في بناء القدرة على الصمود، بحيث تكون المجتمعات الضعيفة أكثر اعتماداً على الذات، وقادرة على تعزيز الحماية من الصدمات عاماً بعد عام مع تحسين الأمن الغذائي وسبل العيش. وهذا يشمل مساعدة المزارعين على التكيف مع تحديات تغير المناخ، وتعزيز القدرات لسبل العيش الأفضل، مع تسهيل الممارسات الزراعية الذكية والمستدامة مناخياً ومهاراتها اللازمة.
نعلم جميعاً أن القضاء على الجوع هو التحدي الأكبر في عصرنا، ولكن معاً، يمكننا إحداث فارق، وتحويل الجوع إلى أمل.
*ممثل برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة والمدير القطري للبرنامج في الصين(تشاينا ديلي)