الصومال اليوم

هل يستطيع الصومال الخروج من دوامة الجفاف وتجنب مخاطرها وتداعياتها على الاقتصاد والأمن؟

يعيش الصومال في دوامة من الجفاف صار غير قادر على الخروج منها وتجنب مخاطرها وتداعياتها على الاقتصاد والأمن، وهي أزمة لا تخلف أضرارا محلية فقط وإنما قد تمتد إلى دول الجوار، لذلك برزت مؤخرا جهود محلية ودولية لإعادة قراءة الواقع والبحث عن حلول ولو جزئية انطلاقا من أزمات دول الجوار.

وتتدفق الأموال المخصصة للتنمية والمساعدات الإنسانية على الصومال الغارق في أزمة امتدّت لسنوات. لكن حسن مولد ياسين لم ير سوى القليل من الأموال. ولا يراها كافية لتحقيق مرونة دائمة في مواجهة الجفاف المتفاقم.
وقال ياسين وهو رئيس منظمة غير ربحية لتغير المناخ، لمؤسسة تومسون رويترز، إن إمدادات الغذاء الطارئة وصلت، لكن لا يوجد ما يكفي من المخصصات لتمويل التغييرات، ويقول الرعاة إنهم يريدون رؤيتها لمكافحة الجفاف، مثل تحسين أنظمة تجميع مياه الأمطار والآبار العميقة المزودة بألواح شمسية للمساعدة في سحب المياه الشحيحة.
واعتبر ياسين وهو المدير التنفيذي لجمعية السلام الأخضر الصومالية غير الربحية التي تدعم لتحقيق فهم المجتمعات للتهديدات المناخية بشكل أفضل وإيجاد حلول لقضاياهم في هذا الإطار، الوقاية أفضل من الاضطرار إلى الإصلاح في حالة الطوارئ.
وصرّح الرجل البالغ من العمر 30 عاما في مقابلة أنه “غالبا ما يعرف السكان المحليون كيفية التكيف بشكل أفضل بكثير. عندما نسأل مزارعا عما يريد رؤيته، يقول إنه يجب حفر بئر له حتى لا يضطر إلى المغادرة”.
وتظهر البيانات الرسمية التي توفرها الأمم المتحدة أن الصومال تلقى على مدى نصف العقد الماضي ما يقرب من ملياري دولار سنويا على شكل مساعدات إنمائية ومساعدات إنسانية من الخارج.


لكن بعد أربعة مواسم متتالية غير ممطرة، يواجه أكثر من 7 ملايين شخص أو ما يعادل 44 في المئة من السكان انعدام أمن غذائي حادا. كما وجد أكثر من 200 ألف شخص أنفسهم على شفا المجاعة، وفقا لتقارير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة.
وكافحت البلاد الجافة الواقعة في القرن الأفريقي والتي يسكنها أساسا الرعاة الرحل وتمزقها عقود من الحرب الأهلية وتعاني من تفاقم الجفاف والمشاكل الاقتصادية طويلا لتخليص نفسها من أزمة دائمة على ما يبدو.
لكن ياسين قال إن لديه فكرة واضحة تماما عن سبب عدم تغير الأشياء، بعد العمل مع حوالي ألفي شاب في البلاد في إطار الجهود المبذولة لبناء القدرة على الصمود مع تغير المناخ. وأكّد أن “الأمر يتعلق بالمال. فعندما تطلب المساعدة من المتبرعين، تجد الكثير من المطالب والشروط: هل عملت لمدة 10 سنوات على هذا؟”.
وأوضح ياسين أن القيود المصممة لضمان استخدام الأموال بشكل جيد تمنع المنظمات المحلية من الوصول إلى النفقات التي تحتاجها لجعل الأولويات المحلية حقيقة واقعة. وقال إنه من أجل بناء صومال أكثر مرونة “يتعين علينا تغيير الرواية القائلة بأن السكان المحليين يفتقرون إلى القدرة على إدارة التمويل”.

أموال في اليد:

تتمثل إحدى طرق توجيه المزيد من الأموال نحو الأولويات المحلية في تقديم تحويلات نقدية مباشرة لأولئك المعرضين للخطر أثناء فترات الجفاف لمساعدتهم على تجنب خسارة أصولهم الرئيسية مثل حيواناتهم، ومنع وقوعهم في دوامة لا رجعة منها.
ويمكن أن يساعد مثل هذا “الإجراء الاستباقي” (أو تقديم المساعدة بينما لا تزال الأزمة في الأفق) في تجنب الإنفاق الكبير في وقت لاحق على المساعدات الغذائية وغيرها من أشكال الدعم لأولئك الذين دمّرتهم الكوارث بما في ذلك الجفاف، وفقا لخبراء الصمود.
وقد قدّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن كل دولار أنفقته على الإجراءات الاستباقية قد أنتج 7 دولارات من الفوائد، وساهم في تجنب الأسر للخسائر.
وتعتبر مثل هذه المدخرات ضرورية لأن الكوارث المناخية تصبح أكثر تواترا وشدة، حيث لا تستطيع المساعدات الإنسانية تلبية الطلب بشكل متزايد، ولا يزال إنشاء صندوق جديد تدعمه الأمم المتحدة لتغطية “الخسائر والأضرار” الناجمة عن تغير المناخ قيد التطوير.
وقالت مديرة أبحاث تغير المناخ في المعهد الدولي للتنمية البيئية في لندن كلير شاكيا إن الممولين غالبا ما يحجمون عن تسليم الأموال في أماكن مثل الصومال خوفا من إساءة استخدامها.
وتابعت شاكيا التي يركز عملها على تمويل مناخ أكثر شمولا وإنصافا أنه “بمجرد أن تصل إلى ظروف تعتبر هشة بأي شكل من الأشكال، يوجد شعور بضرورة السيطرة عليها حتى لا يضيع التمويل أو يُساء استخدامه في أمور مثل النشاط الإرهابي”.


وقالت في مقابلة “يسأل المانحون عما سيشتريه هذا التمويل. فهم لا يريدون توفير تحويل نقدي وأن يعولوا على أن تعرف المجتمعات ما تحتاجه”. والنتيجة هي عدم توفر الأموال النقدية المبكرة لمساعدة العائلات على مواجهة الجفاف المتفاقم، ثم إنفاق مزيد من المساعدات الإنسانية على أولئك الذين قوضتهم الكوارث مع اختفاء الميزانيات المخصصة لبناء القدرة على الصمود.
وحذر غيرنوت لاغاندا رئيس برنامج الحد من مخاطر المناخ والكوارث في برنامج الأغذية العالمي، في مقابلة من “إهمال أجندة الوقاية وأجندة الصمود. لا توجد مساحة ميزانية للتجربة”.
وقال أحمد أمدهون الذي ينسق جهود إدارة مخاطر الكوارث لمركز التنبؤ بالمناخ التابع للهيئة الحكومية الدولية للتنمية في شرق أفريقيا، إنه رأى أيضا تعثر جهود التنمية والقدرة على الصمود وسط الجفاف المستمر. وأضاف خلال حدث على الإنترنت “نحن نتعامل مع الأزمات، والاستجابة للطوارئ وليس التوقع. لهذا دائما عواقب”.
وقالت شاكيا إن بعض الجهود لبناء قدر أكبر من المرونة في مواجهة التهديدات المناخية في المنطقة قد توفر نموذجا للعمل في الصومال. فمنذ 2005 اعتمدت إثيوبيا برنامج شبكة الأمان الإنتاجية الذي يدفع للمجتمعات الريفية التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي لزراعة الأشجار واستعادة الأراضي المتضررة وقنوات المياه والمساعدة في البنية التحتية العامة.
وساعدت المبادرة المصممة لتعويض المساعدات الغذائية على الحد من الجوع، واستعادة إمدادات المياه، وبناء قدر أكبر من المرونة في مواجهة الجفاف ودعم الزراعة والاقتصادات المحلية.

اقتراحات للتغيير:

كما اتخذت حكومة كينيا قرارا بدفع المزيد من الأموال المتعلقة بالمناخ والتنمية للسلطات المحلية، تاركة لها تقرير أفضل السبل لاستخدامها. وقد أدى ذلك إلى خلق بعض الجهود المبتكرة، من بين أمور أخرى، للحد من الصراع بين المجتمعات التي تعاني من نقص المياه في شمال كينيا القاحل، وفقا لشاكيا. وقالت إن مجموعة من الدول المانحة للمساعدات (من الولايات المتحدة وهولندا إلى النرويج وفنلندا) تفكر بالمثل في كيفية تقديم المزيد من الأموال مباشرة إلى المجتمعات المحلية.
وأضافت شاكيا أن إيجاد طرق في الصومال لتوجيه التبرعات النقدية والتحويلات التي يرسلها عدد كبير من أبناء البلاد في الخارج إلى نظام حماية اجتماعية أكثر فاعلية يمكن أن يكون أيضا أحد الأساليب لتعزيز القدرة على الصمود. وأشارت إلى أنه “حتى في السياقات الكارثية، لا يزال بإمكانك القيام بالأمور بطريقة مختلفة”.
وقال ياسين إنه مع تزايد الخسائر في الصومال، لا يمكن أن يأتي التغيير بالسرعة الكافية. وأضاف أنه مع زيادة نفوق الماشية والنزوح والجوع، مع ظهور علامات قليلة على توقف الجفاف، فإن الاقتصاد الأساسي القائم على الثروة الحيوانية في البلاد معرض للخطر. وحذر من أنه “إذا لم نحم الماشية، فسيصبح معظم الناس عاطلين عن العمل، وسيموت الكثيرون من الجوع”.
وتابع “يقول رئيسنا إنه إذا لم نوقف أزمة المناخ في الصومال، فلن تؤثر فقط على بلادنا، بل ستعبر الحدود”، بما في ذلك هجرة المزيد من العائلات وتزايد الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية الممولة دوليا.
وأكد ياسين أن بناء قدر أكبر من المرونة الآن، من خلال التركيز على ما يعتقد السكان المحليون المتضررون من الجفاف أنه سيساعدهم على التكيف بشكل أفضل، يبقى أمرا بالغ الأهمية. وتابع “إذا لم نضع خططا، فسينتهي بنا الحال دائما في نفس النقطة، وهي الحاجة إلى دعم دولي”.

Exit mobile version