ماذا يعني عودة القوات الأمريكية إلى الصومال؟
كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، عن عودة القوات الأمريكية إلى قاعدة “بيدوجلي” الجوية في الصومال، لمساعدة السلطات المحلية فى محاربة تنظيم “القاعدة” الإرهابي.
وذكرت الصحيفة، أنّ هذه القرار يأتي بعد قرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بسحب الوحدة العسكرية الأمريكية بأكملها تقريبا من الصومال في عام 2020.
وأضافت، أنّ قرار ترامب، أدى إلى تنامي حركة “الشباب المجاهدين” الإرهابية، المرتبطة بتنظيم القاعدة الإرهابي وأعاق قدرة الولايات المتحدة على توفير بيانات استخبارية ودعم جوي للقوات الصومالية، كما أدى إلى تأخير بناء منشآت عسكرية، مثل العيادات ومراكز تدريبية.
يشار إلى أنّ الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، وافق عام 2021، على اقتراح البنتاجون بإعادة الجيش الأمريكي إلى الصومال، حيث سيتم نشر أقل من 500 جندي من القوات الخاصة الأمريكية هناك، وسيتم إعادة توجيههم من نقاط أخرى في المنطقة
هذا ويسارع الجيش الأمريكي للتعويض عن الوقت الضائع في الصومال بعدما ألغى الرئيس جو بايدن أوامر سلفه دونالد ترامب بسحب الجنود من البلد.
ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية عن مسؤولين أمريكيين وصوماليين أن القرار الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب خلال الأسابيع الأخيرة من إدارته بسحب القوات، ساعد حركة الشباب المتطرفة في أن تزداد قوة وحجما.
كما أعاق قدرة الولايات المتحدة على تقديم معلومات استخباراتية عملياتية والدعم الجوي للقوات الصومالية، كما تسبب في تأخير بناء المنشآت العسكرية مثل مواقع التدريب.
وتحدث المسؤولون عن الجهود المكلفة والخطيرة التي بذلتها القوات الأمريكية بعد أوامر الانسحاب، لمواصلة دعم شركائها العسكريين في الصومال: ووحدة القوات الخاصة الصومالية “دنب”.
وعلى سبيل المثال، كانت القوات الأمريكية تتناوب عبر البلد لثلاثة أو أربعة أسابيع في كل مرة، ثم تغادر قبل العودة مجددا، حيث تعرض مثل هذه التحركات المتكررة القوات الأمريكية لمخاطر أكبر.
وقال قادة من كلا البلدين إنه بالرغم من الانسحاب الأمريكي رسميا، واصلت قوات “دنب” تنفيذ العمليات، مشيرين إلى تقدمها بساحة المعركة بعد حوالي عقد من التدريب الممول أمريكيا.
وأضاف مسؤولون أمريكيون وصوماليون أن “دنب” تساعد ببطء في تغيير صورة الجيش الذي غالبا ما ينظر إليه المدنيون باعتباره “قطاع طرق يرتدون الزي العسكري”.
وقال أحد أفراد الخدمة الأمريكيين: “شعرت كما لو أنه كان تكريما حقيقيا لدنب.. أنهم كانوا قادرين على استكمال القتال بالرغم من الانسحاب شبه المفاجئ للدعم العسكري الأمريكي”.
وتحدث الجندي الأمريكي وخمسة آخرون مع الصحيفة شريطة عدم كشف هويتهم لأنه غير مخول لهم الحديث مع الإعلام.
وأظهرت عملية أجريت في وسط الصومال عام 2021 قدرة “دنب” على النجاح بدون وجود جنود أمريكيين بأرض المعركة.
فيما قال الجنود في فرقة “دنب” إنهم، بناء على معلومات من أحد السكان، اعتقلوا رجلا متهما باختطاف عميل استخبارات فرنسي قبل عشرة أعوام وقتلوا عشرات المتمردين.
وكان نجاح هذه القوة المدربة على نحو خاص في استعادة الأراضي من حركة الشباب والقبض على بعض قادتها نتيجة تغييرات تحققت بشق الأنفس في الجيش الصومالي والتي بدأت قبل الانسحاب الأمريكي، بحسب مقابلات مع جنود من “دنب” بمختف الرتب في منشأة التدريب الخاصة بهم، ومقرهم الرئيسي في العاصمة مقديشو، ومسؤولي دفاع صوماليين، ومدربين عسكريين، ومدنيين.
وتكشف المقابلات أيضًا عن الضرر الذي تسبب فيه الانسحاب الأمريكي للحملة العسكرية على “الشباب” الإرهابية.
وقال ضابط دفاع أمريكي كبير خلال مقابلة إنه لا شك لديه في أن سحب القوات – مقترنا بالاضطراب السياسي داخل الصومال بسبب الانتخابات المؤجلة – عزز التمرد على مدار السنوات القليلة الماضية.
وأضاف: “ازدادت حركة الشباب في الحجم، وبالتالي العدد الفعلي لعناصرها وارتفع حجم سيولتها النقدية ومواردها. كما زادت الشباب من وجودها المادي، لذلك احتلت مزيدا من الأراضي.
وأشارت “واشنطن بوست” إلى أن الولايات المتحدة كانت بحاجة إلى شريك موثوق، لذا شكلت “دنب”، عبر تجنيد مجموعة من 100 جندي كنواة لها عام 2013.
وقال المقدم عبدالله نور، القائد المسؤول حاليا عن فرقة “دنب”: “لم يكن أحد يريد الانضمام إلى الجيش حينها. كان فقط لقطاع الطرق”.
وبسبب شعوره بالغضب حيال إغلاق حركة الشباب لمسجده ومدرسته وسجن معلمه، تطوع ليكون بين أوائل المتدربين في دنب.
وبحسب “واشنطن بوست”، فإنه أول قائد يرتقي في صفوف دنب، وهو أمر نادر في بلد غالبًا ما ذهبت المناصب فيه إلى أولئك الذين لديهم صلات سياسية.
وفي البداية، عاش المجندون في خيام قديمة ولم يكن لديهم سوى 30 طلقة من الذخيرة للتدريب على الرماية، بحسب جيم ماغواير، جندي بريطاني سابق يعمل لدى شركة “بانكروفت”، متعاقد لوزارة الخارجية الأمريكية، وترأس برنامج التدريب الممول أمريكيا منذ البداية.
وبالرغم من أن الانضباط كان مشكلة، كانت الأوضاع أفضل في قوة دنب مقارنة بباقي الجيش الصومالي، حيث قد لا يتلقى الجنود أجورهم طوال عام.
وتلقى جنود دنب رواتب شهرية منتظمة، وفي 2020، توقفت الوحدة عن التجنيد من بين صفوف الجيش وفتحت المجال أمام المدنيين. ويوجد في الفرقة نحو 1500 مقاتل مدرب.
لكن في ديسمبر/كانون الأول عام 2020، أمر ترامب بسحب جميع القوات الأمريكية من الصومال – حوالي 800 جندي – كجزء من وعده بإنهاء المشاركة الأمريكية في “حروب لا تنتهي”.
وقال ضباط في دنب وجنود صوماليون وأمريكيون إن أوامر ترامب بسحب القوات جعلت بعض القوات الخاصة الصومالية تشعر بأنه تم التخلي عنهم، كما أنها أعاقت قدرة الولايات المتحدة على تقديم المعلومات الاستخباراتية والاستطلاعية والدعم الجوي لغارات دنب، وأضر بقدرة الأمريكيين على استغلال المعلومات الاستخباراتية التي جمعها الصوماليون.
وربما أدى الانسحاب أيضًا إلى عرقلة تدريب وحدة الكوماندوز في دنب، التي تستهدف كبار القادة في حركة الشباب وتتلقى توجيها مباشرة من قوات العمليات الخاصة الأمريكية. ولم يناقش المسؤولون الأمريكيون ولا الصوماليون تأثير الانسحاب، لأن البرنامج سري.
واضطرت الفرق الأمريكية، بما في ذلك تلك الموجودة بمدينة كيسمايو وقاعدة باليدوغلي العسكرية الجوية، حيث تتدرب دنب، للمغادرة. لكن خشية خسارة العلاقات، شرعت القوات الأمريكية في تناوب محفوف بالمخاطر للدخول والخروج من البلد.
وقال أحد الجنود: “كان ذلك معرقلا للغاية. كانت بالتأكيد أسوأ طريقة لمحاولة تقديم المشورة لجيش أجنبي.”
وكان الجنود الذين يغادرون القاعدة يضطرون لسحب خطوط الكهرباء والصرف الصحي، وإخراج الحواسيب والمكتب وغيرهم من قطع الأثاث، فضلًا عن الطائرات المسيرة وأنظمة الرادار، وغيرهم من المعدات الحساسة.
ومقابل كل شهر كانوا يمضونه في الصومال، كانوا يقضون أسبوعا ونصف في تجهيز المعدات وأسبوع آخر لتفكيكها وحزمها، بحسب ما قاله أربعة جنود أمريكيين.
وبحسب أحد الجنود، كانت تتم معاملة كل رحلة عودة كعملية تكتيكية؛ حيث تتكلف رحلات الطيران بين الصومال وكينيا وحدها 930 ألف دولار لكل مرة.