كتب – د. أحمد سيد أحمد *
يئن الصومال بين مطرقة الإرهاب الذي تشنه «حركة شباب» الإرهابية، وبين سندان تدهور الأوضاع الإنسانية وتصاعد خطر المجاعة، وهو ما يفاقم من معاناة هذا البلد الممزق منذ ثلاثة عقود، واجهت الحكومة الاتحادية الهشة خلالها تحديات كبيرة سياسية واقتصادية وأمنية وإنسانية.
تصاعدت وتيرة العمليات الإرهابية والانتحارية التي تقوم بها حركة شباب خلال الأشهر الأخيرة، خاصة منذ انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود في مايو(أيار) الماضي وإعلانه الحرب الشاملة ضد الحركة بعد أن تسببت في قتل الشعب الصومالي وإعاقة التنمية. ففي الخامس من الشهر الحالي وقع هجوم مسلح على قاعدة عسكرية غرب العاصمة مقديشو وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وقبلها بأيام الحادث الدموي عبر عملية تفجيرية مزدوجة أمام وزارة التعليم وأدى لمقتل 120 شخصاً وجرح المئات، وهو ثاني حادث يقع في ذات المنطقة بعد الحادث الأول في عام 2017 وأدى لمقتل أكثر من خمسمئة شخص وجرح الآلاف. وخلال شهر أكتوبر الماضي شهدت البلاد العديد من العمليات الانتحارية والتفجيرية الإرهابية التي قامت بها عناصر الحركة منها الهجوم على فندق بمدينة كيسمايو الساحلية وأدت لمقتل وجرح العشرات وقبلها عمليات انتحارية ضد أهداف حكومة عسكرية ومدنية.
نجاح القوات الحكومية:
هذه الحوادث الدموية الإرهابية التي زادت وتيرتها مؤخراً تكشف هشاشة الوضع الأمني في الصومال خاصة في العاصمة مقديشو، كما أنها كشفت عن توجهات الحركة في قتل أكبر عدد من المدنيين لإظهار أنها قادرة على توجيه ضربات للحكومة والعناصر المحلية والقبلية المتحالفة معها، ومحاولة إظهار عجز القوات الأمنية الحكومية في فرض النظام والأمن.
كما أن هذه الهجمات الإرهابية من جانب الحركة ومحاولة قتل عدد كبير من المدنيين والعسكريين يعكس حالة الإحباط واليأس الذي تعيشه الحركة بعد الهزائم الكبيرة التي تعرضت لها في الفترة الأخيرة، حيث استطاعت القوات الحكومية ومعها القوات المحلية المتحالفة معها تحرير العديد من المناطق والقرى التي كانت تسيطر عليها الحركة، خاصة في إقليم هيران، حيث أعلن العميد أذوا راغي، قائد الجيش الصومالي، مقتل 20 من عناصر الحركة في عملية عسكرية بالإقليم وسط البلاد، كما أعلنت وزارة الإعلام الصومالية مقتل أكثر من 100 من مقاتلي الحركة من بينهم زعماء، بالإضافة إلى تدمير ترسانة ضخمة وكثير من السيارات المحملة بالمتفجرات في عمليات منفصلة نفذتها قوات الجيش ومن وصفتهم بالأصدقاء الدوليين في منطقة شبيلي الوسطى في شهر أكتوبر(تشرين الثاني) الماضي، وحرر الجيش الصومالي بالتعاون مع السكان المحليين، مناطق بايلي، عليو، دويو، حوا طايسيلي، بورمي، كرنوي، داودو، من سيطرة حركة الشباب الإرهابية.
من الدفاع إلى الهجوم:
وأصبحت القوات الحكومية تعتمد على استراتيجية التحول من الموقع الدفاعي إلى الهجوم. ولذلك تسعى الحركة التي يتراوح عدد أعضائها ما بين 7 آلاف و12 ألف عنصر، إلى الظهور بمنطق القوى لجذب أعداد من الشباب للانضمام إليها.
كما أنها تسعى لإرسال رسائل للقوى الخارجية خاصة الولايات المتحدة بأنها قادرة على توجيه ضربات وممارسة أنشطتها رغم أنها فقدت كل المدن والمناطق التي كانت تسيطر عليها منذ عام 2011 وأصبحت منعزلة في مناطق ريفية مهمشة.
سندان الفقر والمجاعة:
وفي المقابل ومع اشتداد العمليات الإرهابية وغياب الاستقرار الأمني، يقع الصومال تحت سندان تدهور الأوضاع الاقتصادية وخطر المجاعة التي فاقمتها الأوضاع البيئية الصعبة مع انتشار واستمرار الجفاف وندرة الأمطار ومن ثم تعرض 7,8 مليون نسمة، أي ما يزيد على نصف الشعب الصومالي، لخطر المجاعة مع في ظل محدودية المساعدات الخارجية. ولا شك أن كلا الأمرين مترابطين، فغياب الأمن واستمرار الإرهاب والصراعات السياسية أدى إلى إعاقة التنمية والاستقرار الاقتصادي وتوظيف الموارد، مما أدى لزيادة معدلات الفقر والبطالة وغياب الخدمات الأساسية وهو سعت حركة الشباب الإرهابية لتوظيفه وتجنيد أكبر عدد من الشباب واستغلال الثغرات الأمنية لتوسيع سيطرتها على مناطق جديدة في البلاد، وبالتالي يظل الصومال يدور في حلقة مفرغة.
تظل حركة الشباب الإرهابية شوكة في جسد الصومال تجعله ينزف باستمرار، وعاجزاً عن تحقيق التنمية والازدهار، فالحركة تستخدم الدين كمظلة لتبرير عملياتها الإرهابية وقتل المدنيين الأبرياء من أجل السيطرة مرة أخرى على البلاد، وفى ذات الوقت لم تنجح القوات الحكومية والإفريقية والجهود الدولية حتى الآن في القضاء تماماً على الحركة وتحجيم خطرها.
استراتيجية شاملة:
يحتاج الصومال للخروج من أزمته ومحنته الأمنية والاقتصادية والإنسانية إلى تبنّي رؤية استراتيجية مغايرة شاملة ترتكز على عدة محاور: أمنياً: إعادة مراجعة الخطط الأمنية السابقة والاعتماد على الجانب المعلوماتي والاستخباراتي حول عناصر الحركة وتوجيه ضربات استباقية لها قبل وقوع عملياتها الإرهابية، كذلك الاعتماد على الأسلحة الذكية والطائرات بدون طيار لاستهداف عناصر الحركة، وتقوية الأجهزة الأمنية الصومالية وتدريبها عسكرياً وتسليحها بأحدث الأسلحة ورفع الحظر عن تصدير الأسلحة إلى الصومال. وسياسياً: تعزيز قوة الدولة الصومالية وتدعيم صلاحيات وقدرات الحكومة الاتحادية وهنا يبرز أهمية الدعم الدولي والعربي للرئيس حسن شيخ محمود. واقتصادياً: تجفيف بيئة الفقر من خلال تحقيق التنمية الشاملة، وهنا أيضاً يبرز أهمية الدعم الاقتصادي الدولي والعربي لمساعدة الشعب الصومال في استثمار موارده وتحقيق التنمية وتحسين مستوى حياة الشعب الصومالي. تحول الصومال لدولة فاشلة لن يصب في مصلحة الشعب الصومالي ولن يصب في مصلحة المجتمع الدولي مع تصاعد خطر الإرهاب، وهو ما يتطلب تحركاً جدياً دولياً لمساعدة الصومال على تجاوز أزمته الأمنية والاقتصادية واستعادة بناء دولته.
- خبير العلاقات الدولية في الأهرام