يقف الصومال اليوم بين براثن الإرهاب الذي تمارسه جماعة الشباب، والجفاف الذي يهدد بمجاعة غير مسبوقة في تاريخ البلاد. وإنْ كان العامل الثاني هو نتاج عوامل الطبيعة المناخية، إلّا أنّ الإرهاب عامل بشري فكري متطرف، يقف حجر عثرة في وجه النهوض في الصومال.
عدّاد الضحايا لا يتوقف، وقد أسفر هجوم التاسع والعشرين من أكتوبر فقط، عن مقتل نحو مئة شخص، وجرح ثلاث مئة آخرين، لكنّ المفارقة اللافتة اليوم، والتطوّر الأكثر حرجاً بالنسبة لجماعة الشباب، أنّ الصوماليين أنفسهم باتوا يشكّلون جزءاً مهمّاً من عملية الردع، نزعوا عنهم ثوب الخوف، رفضوا دفع الخوة أو الجزية، وراحوا يبلّغون عن أعضاء تلك الجماعة، قائلين كفى في مسعى لبناء الدولة.
مسار نضال الصوماليين بالطبع طويل، لكن ماذا عن جماعة الشباب من الداخل؟ هنا لا بد من القول إنّه في حين أنّ بعض هجمات الجماعة تنجح، إلّا أنّ البعض الآخر منها يفشل، ويكلف ذلك الفشل جماعة الشباب خسائر جسيمة، لكنه في العمق، يشير إلى أنّ ثمّة من يفشي السر، ويسرّب المعلومات بشكل إتقائي، وإحدى أكبر حالات التسريب والإفشاء، كانت حول فشل توغّل جماعة الشباب إثيوبيا هذا الصيف. فماذا في خفايا ذلك التسريب، وكيف يمكن أن يساهم في إضعاف بنية جماعة الشباب خدمةً للصومال وأهله؟
هجوم جديد يوقع ضحايا مدنيين:
وفي تطور جديد، أعلن التلفزيون الصومالي عن سقوط عدد من الضحايا المدنيين جرّاء تفجيرٍ انتحاري عند بوابة معسكرٍ للجيش في العاصمة مقديشو. وتحدثت وسائل إعلام أنّ الهجوم شنَّه إنتحاريٌ كان يرتدي سترةً ناسفة على معسكرٍ للجيش. وقالت المعلومات إنّ المهاجم استهدف مجموعةً من الشبان عند مدخل المعسكر حيث يتمُّ فيه تدريبُ المجندين، وكان الشبان يريدون الانضمام إلى الجيش الصومالي.
ويأتي ذلك بعد يوم واحد من إعلان المتحدث باسم وزارة الدفاع الصومالية عبد الله عانود، أنّ الجيش قتل أكثر من مئةٍ من عناصر جماعة الشباب، في محافظة هيران وسط الصومال. وأضاف أن العملية جرت بالتعاون مع “المقاومة الشعبية”.
وفي حديثه لبرنامج “ستديو أخبار الآن”، قال مدير برنامج مكافحة التطرّف العنيف لدى مكتب رئيس الوزراء في الصومال ليبان علي عبدي (Liban Abdi Ali)، إنّ “تفجيرات جماعة الشباب تهدف إلى بثّ الرعب في نفوس الصوماليين، لكن الجميع يلاحظ أنّ الجماعة تتراجع وهي في حالة احتضار، تفقد الدعم وهي على طريق الانتهاء”. وأشار إلى أنّ “الحملة العسكرية ضدّ الجماعات الارهابية مستمرة، والإرهابيون يتكبدون خسائر كبيرة، لكنّ العنصر الرئيسي هذه المرة هو الإنتفاضة الشعبية، فالمواطنون اليوم يحملون السلاح ضد الجماعة دعماً للحكومة”.
وشدد على أنّ “الشعب الصومالي قال كلمته لانه لا يستطيع تحمل كل تلك العذابات، فتلك الجماعة تخطف وتنهب الممتلكات بقوّة السلاح، وتخطف الاطفال اليافعين لأخذهم إلى الأماكن المجهولة ليسمع الأهل بعد سنوات أنّ ابنهم فجَّر نفسه”. وأوضح أنّ “ما تقوم به الحكومة هو أنّها ترفع الوعي لدى الناس الذين توصّلوا إلى قناعة أنّه يجب التحرك، ولذلك منذ 6 أشهر تتراجع جماعة الشباب وتفقد السيطرة، فيما الناس في المنازل يساهمون في الحرب ضدّها فكرياً وعسكرياً”.
ولفت عبدي إلى أنّ “برنامج مكافحة التطرف يستهدف مجال التوعية وإعادة غسل أدمغة المتأثرين بالفكر المتطرّف، وهو في غالبيته يهدف للتوعية وإيجاد الحلول”. وقال إنّ “جماعة الشباب تعاني من انقسام رهيب داخلها، فهناك قيادات كبيرة التزمت الصمت وهي تتحفظ على الأعمال الوحشية، ومنذ فترة تلك القيادات تميل لعدم التدخل والانخراط في التفجيرات الكبيرة”. وكشف أنّ “هناك عشرات المقاتلين الميدانيين قضوا في المعارك، والبعض الآخر تمّ أسرهم، وهناك آخرون أجروا اتصالات مع الجهات المعنية في الحكومة، وثمّة توقّع بأنّهم سينشقون بالعشرات، فيما أعدّت مراكز تأهيل لاستقبال هؤلاء المنشقين”.
وتابع: “في الجماعة انشقاقات كبيرة وهناك عدم ثقة، فثمّة قيادات تختفي، وهناك معلومات تشير لنا إلى أنّهم يبحثون عن أماكن جديدة للإختباء فيها، وهم ينزحون برّاً وعن طريق البحر لأنّهم مطوقون. يتوجهون إلى الغابات في إقليم جوبا الوسطى حيث الجماعة تسيطر على كلّ المنطقة، فيما الجيش الصومالي يستعد لمواصلة عملياته في كلّ المناطق أيضاً”.
وأكّد عبدي أنّ “لدى الأجهزة الأمنية اليوم وأكثر من أيّ وقت مضى، القدرة على اختراق جماعة الشباب، قد لا تكون دقيقة جدّاً في بعض الأحيان، لكن هناك اختراق كبير داخل جماعة الشباب مع رصد الأجهزة الأمنية”.
هجمات متتالية:
تعرّضت مقديشو إلى هجومين منذ شهر مايو، الأوّل حصار أوتيل الحياة وقد أسفر عن مقتل عشرات الأشخاص وجرح المئات، فيما الهجوم الثاني مزدوج وقد حصل قرب وزارة التربية. كما حصل بعض الحوادث الأخرى كاستهداف قافلة تابعة للأمم المتحدة كانت توصل الطعام إلى المناطق الواقعة وسط الصومال، وقد قُتل نحو الـ 20 شخصاً، وفق ما قالت هودان علي (Hodan Ali)، مستشارة محافظ مقديشو لـ”أخبار الآن”، مضيفةً أنّ “جماعة الشباب قتلت أعداداً كبيرة من الناس، لكن تلك الأعداد وبالرغم من أنّها تبدو مرتفعة، إلّا أنّها أقل بكثير من الأعداد التي كانت تُسجل عندما كانت جماعة الشباب الإرهابية لا تزال في الصومال”. وأملت أنّه مع الهجمات العسكرية المتتالية على تلك الجماعة أن تضعف قدرتهم على التنسيق والتحضير للعمليات التي ينفذونها.
أبرز محطات الحركة الإرهابية:
في لمحة سريعة تاريخية على نشاط جماعة الشباب، فقد انطلقت الجماعة العام 2004 كجناح متشدّد منبثق عن ائتلاف لإحدى عشرة محكمة شرعية صومالية. في يونيو العام 2006 سقطت العاصمة الصومالية مقديشو بيد ذلك الائتلاف بسبب جماعة الشباب، قبل أن تجبرها القوات الإثيوبية على الانسحاب أواخر ذلك العام. لكن الجماعة عادت أقوى إلى الصومال العام 2007 بعدما حشدت لنفسها تمويلاً كبيراً عزّز من قدراتها القتالية والهجومية.
أوّلُ هجوم إرهابي خارج الأراضي الصومالية للجماعة كان العام 2010 في أوغندا، وكان عبارة عن سلسلة من العمليات الانتحارية التي أودت بحياة 74 مدنياً. وفي شهر أكتوبر العام 2012 أعلن زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ارتباط جماعة الشباب بالقاعدة رسمياً، لكن ذلك لم يعطِ الشباب زخماً أو نجاحاً أكبر، لا بل على العكس أصبحت هدفاً للعديد من الهجمات، لتصعب بذلك عملية الحصول على التمويل، لكنّها نجحت في خرق بلدان عدة في القرن الأفريقي مثل كينيا، التي نفّذت فيها جماعة الشباب في سبتمبر العام 2013 أكبر هجوم دموي جرى في البلاد على مدى عقد ونصف، وقتلت 67 مدنياً في هجوم على مجمع تجاري في نيروبي.
مطلع سبتمبر العام 2014، استهدف الطيران الأمريكي زعيم الجماعة أحمد عبدي غوداني عبر طائرة من دون طيار، وتمّ تعيين أحمد عمر المعروف بأبي عبيدة زعيماً جديداً للجماعة.
في فبراير العام 2017، فاز رئيس الوزراء السابق محمد عبدالله محمد برئاسة الجمهورية الصومالية، وكانت لافتة خطوة تأسيس حكم مركزي فعال في الصومال إبّأن تلك الفترة. من العام 2017 وإلى اليوم، نفّذت جماعة الشباب عدداً كبيراً من العمليات الارهابية في الصومال وفي كينيا، وقد دخلت في معارك مع جيشي البلدين.
خطورة تلك الجماعة التي قسَّمت الصومال وصعبت التواصل المباشر بين أبناء القبائل والاقاليم المختلفة، أنَّها تقف حجرَ عثرة بوجه أي خطة نهوض تحمي الصومال من براثن الإرهاب والفقر والجوع.
وقالت هودان علي لـ”أخبار الآن” إنّ “هزيمة جماعة الشباب في أرض المعركة جعلتهم يكثفون هجماتهم ضدّ السكان في المدن كمقديشو، ومن الواضح أنّ ذلك مخططهم كي يُحافظوا على مكانتهم. لكن من المهم جدّاً أن نفهم أنّ التيار تحول ضدّ جماعة الشباب، فالمواطنون الآن يبلّغون الدولة عنهم، ولذلك نجحت الدولة في إحباط العديد من مخططات الجماعة”.
وأضافت: “كما نرى المواطنين في العديد من المناطق في البلاد يحملون السلاح في وجه جماعة الشباب ليدافعوا عن أرضهم، ونحن لم نرَ هكذا تحرّكات من قبل، فالشعب الصومالي تعرّض لمعاملة نفسية وحشية من قبل جماعة الشباب، والآن لدينا حكومة وقفت بوجه تلك الجماعة وقالت لقد طفح الكيل، وكان الرئيس واضحاً عندما تحدّث عن أجندته في ما يتعلق بالأمن والقضاء على جماعة الشباب التي أصبحت خلال العامين المنصرمين أكثر ذكاءاً في تنفيذ عملياتها، ذلك من جهة، ومن جهة ثانية زادت قدرتها المالية بشكل كبير بسبب عمليات الإبتزاز، لكنّ الناس الآن يرفضون دفع الضرائب ويبلّغون عن ذلك، حتى في الأسواق المواطنون يواجهون جماعة الشباب ويعتقلون مَنْ يشكّون بأنّه ينتمي إلى تلك الجماعة. تلك تطوّرات مذهلة تحدث في الصومال ونحن لم نشهد مثلها من قبل، وهو أنّ الأمن هو من مسؤولية الناس الآن، وعلى المواطنين أن يشعروا أنّ من واجبهم محاربة جماعة الشباب، وأنّ ذلك ليس مسؤولية الحكومة فقط”.
وتابعت علي أنّ “الحكومة تحارب جماعة الشباب على الخطوط الأمامية في جنوب وسط الصومال، فالمواطنون قرروا حمل السلاح بوجه تلك الجماعة، وبالتالي فإنّ الحكومة الآن تدعمها المجتمعات، وهي تحاول إخراج جماعة الشباب من المناطق التي تتواجد فيها”، مشيرةً في حديثها لـ”أخبار الآن” إلى أنّ “الحكومة تمكنت من أحباط عمليات عديدة خصوصاً بعد تفعيل جهاز المخابرات، و العمل مستمر”. وما نراه الآن وما نجحت الحكومة في تحقيقه، هو أنّها تمكّنت من جعل المواطنين الصوماليين يقولون إنّ ذلك يكفي، ولم نعد خائفين ونحن سنحاربكم، وذلك تطوّر جديد لم نشهده في السابق في الصومال، فجماعة الشباب كانت تُرعب الناس الذي كانوا خائفين من الوقوف بوجهها ورفض ما تقوم به في البلاد، حيث كانت تستخدم الدين كآداة لتضليل الناس. لكن اليوم، المواطنون يرون أنّ ما تقوم به جماعة الشباب هو مناهض للإسلام وللصومال وللإنسانية”.
اتفاق استخباراتي مع إثيوبيا:
وفي وقت تواصل فيه قوات الجيش الصومالي حربها على جماعة الشباب، أبرم الصومال وإثيوبيا مذكرة تفاهم في مجال التعاون الاستخباراتي، وذلك في العاصمة الصومالية مقديشو، تستهدف تعزيز التعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والجهود المشتركة لمواجهة ظاهرة الإرهاب.
وقالت وكالة الأنباء الصومالية الرسمية إنّ المذكرة التي تم توقيعها الخميس الفائت، بين مهد صلاد المدير العام في جهاز الأمن الوطني والاستخبارات، وسيساي تولا نائب مدير وكالة المخابرات الإثيوبية.
وكانت وزارة الدفاع الصومالية أعلنت أن قوات الجيش وميليشيات عشائرية متحالفة معها قتلت 100 على الأقل من مقاتلي جماعة الشباب في اشتباكات عنيفة في منطقة هيران وسط البلاد، بعد أيّام من تفجيرين أسفرا عن مقتل ما لا يقل عن أكثر من 100 شخص في العاصمة.