تصدّرت الصومال وسوريا والعراق وجنوب السودان، من جديد، المؤشر العالمي السنوي للإفلات من العقاب، حيث تؤدي الحروب وعدم الاستقرار السياسي إلى إدامة حلقة العنف والخروج عن القانون إضافة إلى رغبة السلطات ببقاء الصحافيين خارج إطار الحماية يواجهون التهديد من عدة الجهات مما يجبرهم على ممارسة الرقابة الذاتية مفضلين النجاة بحياتهم.
وقالت لجنة حماية الصحافيين إن الفساد، وضعف المؤسسات، ونقص الإرادة السياسية لإجراء تحقيقات جدية، تشكّل جميعاً عوامل تقف خلف الإفلات من العقاب في تلك البلدان.
وشهد العراق، في السنوات الأخيرة، انتكاسة للحريات، لاسيما بعد “ثورة أكتوبر” عام 2019، إذ سجّل حينها 373 حالة اعتداء طالت صحافيين، شملت جرائم اغتيال وتهديد بالقتل، فضلاً عن الاختطاف، والهجمات المسلحة على بعض المؤسسات الإعلامية، لاسيما في جنوب البلاد، حيث تسيّطر الميليشيات بشكل كامل.
واشتدت حملات تصفية الصحافيين عام 2020، لاسيما بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني في ضربة صاروخية أميركية في بغداد، تبع ذلك حملة قمع وخطف عدد كبير من النشطاء، عجزت الحكومة العراقية عن معرفة مصيرهم ووضع حدّ للانتهاكات التي تطال من يخالف أجندة طهران.
ويتضمن المؤشر أيضاً بلداناً تتمتع بالاستقرار حيث تلجأ الجماعات الإجرامية والسياسية وقادة قطاع الأعمال وجهات فاعلة أخرى متنفّذة إلى العنف لإسكات الصحافيين الاستقصائيين.
بدورها، احتلت سوريا طيلة السنوات الماضية المراتب الأولى على قائمة الدول التي يفلت فيها قتلة الصحافيين من العقاب، كما أن اختطاف الصحافيين أصبح ظاهرة، وأخفقت المحاولات الدولية في معرفة مصير مراسلين أجانب اختطفوا منذ سنوات ولم يتم العثور عليهم مثل الصحافي الموريتاني اسحاق ولد المختار والأميركي أوستن تايس والمصور اللبناني سمير كساب.
وبقاء الاعتداءات المرتكبة ضد الصحافيين من دون عقاب يُوجّه رسالة سلبية للغاية مفادها أنّ نقل “الحقيقة” أو “الآراء غير المرغوب فيها” من شأنه أن يهدد حياة الصحافيين. وإضافة إلى ذلك، يفقد المجتمع الثقة بنظامه القضائي الذي يتعيّن أن يحمي الجميع من الاعتداءات التي تطال حقوقهم. ومرتكبو الجرائم ضد الصحافيين يتشجّعون بالتالي عندما يدركون أنّهم قادرون على مهاجمة أهدافهم من دون أن يضطروا إلى المثول أمام العدالة أبدا.
وكشف مؤشر لجنة حماية الصحافيين العالمي للإفلات من العقاب عن تغيير ضئيل عن العام الماضي، مؤكدا أن التقدم التدريجي في تقليص عدد جرائم قتل الصحافيين في العالم “يظل هشاً”، و”من الممكن أن يُحبَط جراء الاستئنافات القضائية ونقص القيادة السياسية”.
ولفت التقرير إلى أنه “من الصعب تحديد سبب ذلك، ومن الممكن أن أسباباً من قبيل انتشار الرقابة الذاتية، واستخدام أساليب أخرى لترهيب الصحافيين، والتغطية الإعلامية الواسعة لبعض الجرائم التي حدثت في السنوات الأخيرة، أدت دوراً في انخفاض عدد جرائم قتل الصحافيين في العالم”.
ووجدت اللجنة أن المكاسب الهشة التي تحقّقت في الحد من قتل الصحافيين في العالم قد تُحبَط من جراء الاستئنافات القانونية ونقص القيادة السياسية. ويسلّط المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2020 الضوء على البلدان التي يُقتل فيها صحافيون بصورة منتظمة ويظل القتلة أحراراً طلقاء.
ولا يتضمن المؤشر سوى البلدان التي شهدت خمس جرائم قتل لم يكشف عن مرتكبيها أو أكثر، كما لا يتضمن حالات قتل الصحافيين في أثناء الأعمال الحربية، أو حالات الوفاة في أثناء أداء مهمات خطرة كتغطية الاحتجاجات في الشوارع التي تتحول إلى العنف.
وعرفت لجنة حماية الصحافيين جريمة القتل بأنها القتل المتعمد ضد صحافي معيّن على خلفية عمله في الصحافة. ويشار إلى الحالات بأنها “لم تُحل” عند عدم الوصول إلى حكم إدانة ضد مرتكبي الجريمة، حتى إن حدد المشتبه بهم واعتقلوا.
وقالت مديرة قسم المناصرة والدعوة في لجنة حماية الصحافيين، كورتني رادستش، “رغم تناقص عدد الصحافيين القتلى، يستمر الإفلات من العقاب في جرائم قتلهم، بما في ذلك في بلدان أكثر تمتعاً بالديمقراطية والاستقرار. إن قادة العالم مدينون لأسر الضحايا وزملائهم بالسعي لتحقيق العدالة بسرعة، واتخاذ إجراءات بخصوص القضايا القائمة منذ مدة طويلة، وضمان عدم الإفراج عن القتلى عبر ثغرات قانونية”.
وقد حدَثتْ الانتكاسات البارزة في عام 2020 في قضايا لم تُشمَل مباشرة في حساب المؤشر لهذا العام. ففي باكستان، أصدرتْ المحكمة العليا في إقليم السند في أبريل حكماً بإسقاط حكم الإدانة بتهمة القتل ضد أربعة رجال اتُهموا في عام 2002 بقتل الصحافي دانيل بيرل الذي كان يعمل في صحيفة “وول ستريت جورنال”.
كما أعلنت محكمة الاستئناف في بلغراد بصربيا في سبتمبر أنها أسقطت أحكام الإدانة ضد 4 عناصر سابقين في جهاز أمن الدولة شاركوا في عام 1999 في جريمة قتل الصحافي سلافكو تشوروفيا. وفي المكسيك، لم يَتخذ المدعي العام الاتحادي الخاص أي إجراءات جديدة في جرائم قتل الصحافيين في حقبة الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور.
ودشنت اللجنة حملة لإنهاء الإفلات من العقاب من خلال المطالبة بتأسيس “اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين” الذي يصادف يوم 2 نوفمبر من كل عام، وقيادة حملة عالمية لمناهضة الإفلات من العقاب من أجل تحقيق العدالة في جرائم قتل الصحافيين.