الصومال وكينيا دولتان جارتان في القرن الأفريقي يربطهما علاقات سياسية وأمنية واستراتيجية، ويتشاركان حدودا برية وبحرية ونسيجا اجتماعيا.
كما أن هناك تحديات مشتركة بين البلدين مثل التنافس على القرن الأفريقي بين القوى الكبرى، والإرهاب، والمجاعة، إضافة إلى أزمات طبيعية مثل الجفاف والتغير المناخي والموقع الجغرافي.
يأتي هذا في ظل إجراء البلدين استحقاقات انتخابية رئاسية وتشريعية في مايو/أيار (الصومال) وأغسطس/آب (كينيا)، وتشكل إدارتين جديدتين يقودان القرار السياسي بين نيروبي ومقديشو خلال السنوات الخمس المقبلة.
وفي هذا التقرير، نستعرض، مستقبل العلاقات والتعاون بين البلدين في ضوء المعطيات والعوامل المؤثرة فيها واستقراء آراء الخبراء والمحللين السياسيين.
5 سنوات من التأزم :
مرت على الصومال وكينيا، 5 سنوات عاصفة في ظل قيادة كل من أهورو كينياتا، ومحمد عبدالله فرماجو.
وخلال تلك الفترة، صدر قرار محكمة العدل الدولية بفصل النزاع البحري وترسيم حدود بحرية بين البلدين لصالح الصومال في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وأعلنت مقديشو احترامها وقبولها القرار بينما رفضت نيروبي القرار بشكل قاطع.
وفي سلسلة التوتر بين البلدين، نشبت اشتباكات مسلحة على الحدود البرية التي تمتد نحو 1000 كم بين الجيشين الصومالي والكيني في عام 2021.
وفي أوج التوتر، تطورت أزمة العلاقات بين البلدين إلى قطع العلاقات الدبلوماسية ووقف عمل الخطوط الجوية الكينية في الصومال بالإضافة إلى حظر الصومال تجارة القات، وهو حظر استمر نحو عامين قبل رفعه في يوليو/تموز الماضي.
انفراجة :
منذ وصول الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى الحكم في مايو/أيار الماضي، قام بزيارة نيروبي مرتين لفتح آفاق التعاون بين البلدين وتجاوز الأزمة السياسية التي عصفت بالعلاقات بين البلدين.
ويعتبر الرئيس شيخ محمود تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين وكل الدول المجاورة للصومال خطوة ضرورية لحشد الدعم الدولي والإقليمي في دعم الجهود الحكومية في الصومال.
وأجرى رئيسا الصومال وكينيا مباحثات رسمية مرتين، هاتفية ومباشرة، كما قامت نيروبي بإرسال سفير جديد إلى الصومال، وتم استلام أوراق اعتماده من قبل الرئيس الصومالي في 10 من الشهر الجاري.
وفي منتصف يوليو/تموز الماضي، توصل البلدان إلى اتفاق سياسي وتجاري يقضي برفع الحظر عن القات الكيني، وعودة الخطوط الجوية إلى العمل مجددا في الصومال، وفتح الحدود البرية لتعزيز التجارة العابرة وتسهيل إجراءات دخول الصوماليين إلى كينيا، وتعزيز جهود محاربة الإرهاب بالإضافة إلى تصدير الأسماك من وإلى كينيا.
عوامل مؤثرة :
ويعكس هذا التوافق السريع عوامل مشتركة عدة بين الصومال وكينيا (أمنية، وسياسية، واقتصادية) تؤثر على العلاقات بين البلدين.
ومن أبرز العوامل المشتركة الحرب على الإرهاب، إذ أن هناك تحديا أمنيا مشتركا يتمثل بتهديد حركة الشباب الإرهابية المرتبطة بتنظيم القاعدة.
وينفذ التنظيم الإرهابي هجمات مميتة على الحدود البرية المشتركة بين البلدين والمدن الرئيسية أيضا.
وفي ظل المصير المشترك لهزيمة الإرهاب، أرسلت كينيا قواتها لكسر شوكة الإرهاب في عام 2011، ويساهم الجيش الكيني في عمليات حفظ السلام الأفريقية في الصومال.
وبشأن معالجة تبعات قضية النزاع البحري، فإن هناك تحديا سياسيا وشعبيا ينتظر قيادة البلدين وهو تبعات معالجة قرار العدل الدولية بفصل النزاع البحري وترسيم حدود بحرية ورفض كينيا السابق القاطع لتهيئة ظروف مواتية لتجاوز تبعات تلك الأزمة التي تعتبر أمرا حاسما بالنسبة للشارعين الصومالي والكيني.
فرص كبيرة:
وفي إطار هذه الصورة المتشعبة بين البلدين، يرى المحللون السياسيون أن هناك فرصا كبيرة لتعاون أوثق بين الإدارتين الجديدتين.
ويقول المحلل السياسي الصومالي محمد نور إن “هناك حاجة ماسة لحماية دفء العلاقات بين البلدين وتجاوب كينيا مع مبادرات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشكل إيجابي لبناء تعاون وثيق”.
ويرى نور أن “خبرة رئيسي الصومال وكينيا، تخدم بناء أجندة فعالة لتعزيز التعاون في الدفاع والأمن والتجارة والنأي عن التدخل في الشأن الصومالي”.
ويعتبر نور خطوات مقديشو حتى الآن تظهر حسن النية لتطوير العلاقات وتجاوز الأزمة السياسية التي عصفت العلاقات بين خلال السنوات الخمس الماضية.
بدوره، يقول المحلل السياسي الصومالي عمر يوسف إن “كينيا دولة حليفة للصومال في الحرب على الإرهاب الذي يعد على رأس جدول أعمال إدارة الرئيس الصومالي، إذ تمتلك ثاني أكبر عدد في قوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال”.
ويطالب عمر، بحوار استراتيجي للحديث بعمق عن الفرص المشتركة والتحديات الماثلة في بناء علاقات متينة عقب طي صفحة النزاع البحري واستكمال الانتقال السياسي بشكل سلمي بين البلدين.