رغم أننا نتناول عادةً حاضر ومستقبل ظاهرة الإرهاب، سنتطرق اليوم إلى الماضي بهدف معرفة المزيد حولها.
إن معظم أعمال العنف التي تشهدها أفريقيا حاليًّا هي إلى حد كبير نتيجة التغاضي ودفن الرؤوس في الرمال في مواقف معينة، وإخفاقات العلاقات الدولية في نهاية القرن العشرين.
منذ عام 1950، شهدنا صراعات في أنجولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والسودان، وإثيوبيا، والصومال، وليبيا، وجيبوتي، من بين العديد من النزاعات الأخرى بالقارة، وانتهى كثير منها بشكل سيئ، وهذا هو السبب في إنشاء مناطق بعيدة عن سلطة القانون، ما جعلها مغرية للغاية للمجرمين والإرهابيين وكل مَن يدور في فلكهم.
ولم يتردد إرهابيو تنظيم “القاعدة”، ومن ثم “داعش”، في الاستفادة من هذه الظاهرة، إذ يتوارون خلف الدين، بينما في الحقيقة لهم مآرب وأهداف أخرى.
أحد الأدلة على بعد هؤلاء الإرهابيين التام عن الدين هو أنهم لم يترددوا في تمويل أنفسهم عبر الاتجار غير القانوني بالمخدرات أو الماس أو الذهب. مع كل هذا، نتساءل حول ما إذا كان عدم الاستقرار في غرب أفريقيا يتقاطع مع مصلحة الجريمة المنظمة الدولية لاستهداف الدول التي تسعى لبسط سلطتها وشرعيتها.
لقد حذرت وكالات الاستخبارات منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي من أن طائرات ذات محركين تحمل ما يصل إلى 800 كيلوجرام من الكوكايين كانت تهبط باستمرار في غرب أفريقيا بعد عبورها المحيط الأطلسي.
في وقت لاحق من عام 2010، بدأت العديد من الحكومات تعض أصابع الندم لأن تجارة المخدرات أصبحت منتشرة على مدى أكثر من 4300 كيلومتر من ساحل غرب أفريقيا الأطلسي.
وعلى سبيل المثال، كانت العصابات في الثمانينيات تُرسل 1 كجم من الكوكايين مع كل مسافر يغادر مدينة تمبكتو المالية، وأبلغت وكالات المخابرات بما كان يحدث، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراء.
لم يُكتب سوى القليل عن المتمرد السنغالي السابق الذي فرّ من حرب كازامانس عام 1970 للدراسة في ليبيا، ثم التحق بأفغانستان في أوائل الثمانينيات للقتال ضد الاتحاد السوفييتي.
شارك هذا الشخص في تأسيس تنظيم “القاعدة” الإرهابي خلال هجرته.
عاد بعد ذلك إلى غرب أفريقيا وامتهن بيع وتوزيع الماس السيراليوني لصالح الجبهة الثورية المتحدة.
يبدو أن المتمردين السنغاليين لا يهتمون كثيرا بأن هذه الماسات جاءت من يد العدو الأكبر لـ”القاعدة”، أي “حزب الله”، ما دام ذلك يُدر مداخيل على الجماعة الإرهابية.
في غضون ذلك، تم منح المتمرد اللجوء بدولة أفريقية، حيث يتم تزويد متمردي كوت ديفوار والجبهة المتحدة الثورية وليبيريا بالسلاح، فيما تم تمهيد الأرض لدخول الإرهابيين بالسلم أو بالقوة إلى منطقة الساحل منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
في السنوات بين 2002 و2010، حذرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية “السي آي إيه” من أنه يتم استخراج نحو 300000 قيراط ماس سنويا، ما يدرّ مداخيل تصل إلى نحو 25 مليون دولار، يذهب جزء كبير منها إلى تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب”.
في ذلك الوقت، كان أعضاء من تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب” يُهرّبون هذه الأحجار من عاصمة بوركينا فاسو، دون أن يتم اعتراضهم.
المشكلات الأمنية التي نلاحظها في منطقة الساحل عام 2022 ليست حالة نشأت من العدم.. إنها نتيجة طبيعية لما كان يختمر منذ الثمانينيات من القرن الماضي.. وعلى الرغم من حقيقة أن المجرمين يتنكرون اليوم في زيّ إرهابيين، فإن السؤال الذي يطرح نفسه: لو لم يكن هناك إرهابيون في منطقة الساحل، فهل كان سيحل مجرمون آخرون محلهم؟.. الإجابة: بكل تأكيد نعم.