قدّم رئيس الحكومة الجديدة في الصومال محمد حسين روبلي حزمة من الوعود السياسية والبرامج الحكومية أمام البرلمان يوم السبت الماضي، لتنفيذها في مدة وجيزة لا تتجاوز التسعين يوماً، وهو الزمن المتبقي من عمر الحكومة قبل إجراء الانتخابات.
غير أن حكومة روبلي، التي نالت ثقة البرلمان لتصبح ثاني حكومة تُشكل في البلاد بعد ثلاثة أشهر من الفراغ الحكومي، تواجه تحديات كبيرة لتنفيذ الوعود التي قدّمها رئيسها، في ظل تصاعد التجاذبات السياسية، مع اقتراب الانتخابات التي تُثار أيضاً تساؤلات حول إمكان إجرائها في موعدها، إضافة إلى تحدي مواجهة الجماعات الإرهابية ولا سيما حركة “الشباب”.
وأعلن روبلي أن حكومته ستعمل على تنظيم الانتخابات النيابية والرئاسية، وتأمين الدوائر الانتخابية التي سيتوجه إليها الناخبون، إلى جانب القضاء على الفساد داخل مؤسسات الدولة.
وأشار إلى أن حكومته ستعطي أولوية قصوى لقضايا حقوق الإنسان، وخصوصاً الحدّ من الانتهاكات الجنسية والجسدية ضد الصوماليات، بالإضافة إلى توفير الخدمات الأساسية للمجتمع الصومالي من خلال دعم المؤسسات الصحية في البلاد.
ومن المرتقب أن تُشكل الحكومة في الأيام المقبلة اللجان الانتخابية المشتركة في البلاد، لبدء التحضير للانتخابات النيابية، وإعداد المقار والدوائر الانتخابية في عموم البلاد، لانتخاب 275 عضواً في مجلس النواب الصومالي، تمهيداً لانتخابات رئاسية في فبراير/شباط المقبل.
لكن محللين سياسيين ومتابعين، يرجحون صعوبة تجاوز بعض التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة.
ويشير الأكاديمي في جامعة مقديشو أويس حسين، إلى أن تشكيل الحكومة يتزامن مع تصاعد التجاذبات السياسية وارتفاع سخونة الحملات الدعائية الانتخابية في البلاد، لافتاً إلى أن مهمة الحكومة الوحيدة والمنتظر منها تنظيم الانتخابات الرئاسية والنيابية في موعدها.
ويضيف حسين أن الشعب الصومالي لا يعول عليها كثيراً، نظراً للوقت الباقي من عمرها، ناهيك عن التحديات الأمنية والاقتصادية التي تواجهها هذه الحكومة.
وتواجه الحكومة تحدياً كبيراً في تأمين مقرات اللجان والدوائر الانتخابية التي تصل إلى 11 منطقة في عموم البلاد، وهو ما يعرقل إمكانية تنظيم انتخابات يشارك فيها الآلاف من المقترعين في مناطق ليست بعيدة عن مناطق سيطرة حركة “الشباب” في جنوب البلاد.
لكن روبلي جدد التزام حكومته بالتركيز على أمن مناطق الانتخابات في البلاد، سعياً لتأمينها من غارات وهجمات حركة “الشباب”، وذلك بالتعاون مع بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، والدول التي تدعم مقديشو عسكرياً ولوجستياً، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي يتواجد منها نحو 700 جندي في جنوب البلاد.
ويرى الباحث في مركز الصومال للدراسات محمد عبدي الشيخ، أن سيطرة حركة “الشباب” على مناطق في جنوب البلاد تعرقل سير عملية تنظيم الانتخابات في البلاد.
ويشير إلى أن مواجهة الفساد المستشري في جسد مؤسسات الدولة من الصعب مواجهته في الوضع الراهن، نظراً للزمن المتبقي من عمر الحكومة الصومالية.
ويؤكد أن وجود خلافات بين الحكومة الفيدرالية ورؤساء الولايات الفيدرالية معضلة أخرى ربما قد تتسبب في تأجيل الانتخابات، وعدم تمكن الصومال من دخول انتخابات رئاسية مطلع العام المقبل، فضلاً عن التحديات الاقتصادية والأمنية.
كذلك يسود فتور في العلاقات بين الحكومة الصومالية والمنظمات الدولية، خصوصاً الأممية منها، إثر تصريحات متبادلة بين الجانبين عبر وسائل الإعلام، فضلاً عن رفع الصومال شكاوى للأمم المتحدة ضد بعثتها في مقديشو بسبب تدخلاتها في الشأن الصومالي الداخلي.
ويقول الصحافي الصومالي عبد القاسم أحمد، إن ضيق الوقت أمام حكومة روبلي يمثل تحدياً صعباً في تنفيذ وعودها السياسية والأمنية، كما أن إدارة المرحلة الانتقالية وتنظيم الانتخابات في موعدها يشكلان تحدياً آخر لا يقل خطورة عن تجاوز الخلافات السياسية التي عصفت بالهرم السياسي في البلاد.
ويشير إلى ضرورة ترميم جدار العلاقات مع المنظمات الدولية والأممية من قبل الحكومة الصومالية الجديدة، لكسب مصداقيتها ووعود الدول المانحة، والتي تعد الداعم الرئيس للصومال، لا سيما في توفير خدمات البنية التحتية والمشاريع الإنمائية للصومال.
كما يلفت أحمد إلى أن تحدي مكافحة المنظمات الإرهابية في البلاد (“داعش” وحركة “الشباب”) صعب جداً في الوضع الراهن، لا سيما في الوقت الذي تدرس فيه الولايات المتحدة سحب جنودها من الصومال، بعد أن طالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزارة الدفاع الأميركية بدراسة جدوى سحب الجنود الأميركيين من الصومال، لتنفيذ وعوده للشعب بإعادة الأبناء إلى البلاد، كحملة دعائية انتخابية لانتخابات الـ3 من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويضيف أحمد أن سحب الجنود الأميركيين من الصومال يمثل بالنسبة للحكومة الصومالية خياراً مراً، ويفرض تحديات أمنية كبيرة في البلاد، ويمهد الطريق لعودة التنظيمات والمليشيات المسلحة إلى الواجهة من جديد.