ما يثير التساؤل لماذا تغرق الصومال في سلسلة من المجاعات؟ برغم امتلاكها لساحل بحري إفريقي طويل على المحيط الهندي، ولكونها تطل على خليج عدن، وتنعم فوق موقعها الإستراتيجي بثرواتها الطبيعية من اليورانيوم والحديد والفوسفات، وأخيرًا ظهور الغاز الطبيعي في أراضيها.
وإذا عرفنا السبب “بُطِل التساؤل”، ويكمن السبب في تحول أطماع القوى الاستعمارية الأوروبية إلى نهش ثروات الصومال، وإلى تقسيمها إلى دويلات متصارعة، ومنذ منتصف القرن الـ19 صارت مسرحًا للصراع بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، واستقلت في عام 1960.
ولأول مرة في تاريخ الصومال يحدث فيها انتخابات ديمقراطية، وتشهد وقتها تقدمًا غير مسبوق، ويلقبها الباحثون بـ “سويسرا إفريقيا”، وما لبثت وأن خاضت حروبًا مع إثيوبيا، أدت إلى ضعفها، وتعود القوى الأجنبية مرة ثانية لتدخل أراضي الصومال، وفرضت عليها الولايات المتحدة العقوبات، وكانت بداية لعصر المجاعات.
ويا حسرتًا على “سويسرا إفريقيا”، التي كانت ملء السمع والبصر، ولاقت اهتمامًا واسعًا على مر العصور، ونشأت على أراضيها حضارات متقدمة، وأشهرها حضارة “بونت”، وذكرت المخطوطات المصرية الفرعونية والآشورية عظمة حضارتها.
ارحموا الصومال بلد عاش عزيزًا عبر الأزمان الغابرة، وذل وتضور أهلها جوعًا في الأزمان الحاضرة، وتضربها من وقت لآخر موجات الجفاف، ويعقبها يومًا بعد يوم تساقط مئات الأطفال وكبار السن موتًا، هذا بالإضافة إلى نفوق الحيوانات.
وكانت أول مجاعة تجرعها الصومال في عام 2011، والفرق بينها وبين المجاعة الحالية، أن الأولى استجاب لها العالم سريعًا لإنقاذ أهلها، بينما في المجاعة الأخيرة يشتغل بلاد العالم بحرب أوكرانيا وبمواجهة أزماتها المتلاحقة.
وبرغم تكرار المجاعات على الصومال خاصة، وعلى عدد من الدول الإفريقية عامة نرى عدم تحرك حكوماتها لوضع آليات للحد من خطورتها، فقد بح صوت منظمات الإغاثة الدولية والخبراء على مدار الشهور السابقة من تفشي موجة جفاف تهدد بلدان إفريقية وأهمها الصومال.
وفي الوقت الحالي تتراجع المساعدات المالية من أمريكا وأوروبا في دعم المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، مما أثر سلبًا على كم المساعدات، ويتوقع المراقبون ارتفاع حجم المخاطر والضحايا في الصومال وأقرانها.
والنداء إلى ضمير أغنياء العالم أنقذوا نحو 7 ملايين صومالي، تعز عليهم شربة الماء ولقمة العيش، وغير أن أكثر من 5 ملايين شخص في الشمال الشرقي في نيجيريا يلقون نفس المصير، وتبلغ ثروة هؤلاء الأغنياء 12.7 تريليون دولار، حسب ما نشرته مجلة فوربس في عام 2022.
وأخيرًا أوقفوا التدخل الإثيوبي وجيرانها في الشأن الداخلي بالصومال، ولا تصبوا الزيت على النار لإشعال الحروب الأهلية في أرجاء البلاد، وليتدخل عقلاء إفريقيا لإجراء مصالحات بين القبائل ونزع السلاح من المتطرفين، وحين يحدث ذلك يمكن الحلم بعودة الصومال للقبها القديم “سويسرا إفريقيا”.
*عن الأهرام