الصومال اليوم

هل باتت قطر سبباً رئيسياً في أزمات الصومال؟

حمّلت دراسة جديدة لوحدة الشؤون الأفريقية والتنمية المستدامة في مؤسسة ماعت قطر مسؤولية رئيسية في تدهور الأوضاع داخل الصومال، عبر فرض شبكة من النفوذ عمقت أزمات مقديشيو، وتسببت في عزلتها جزئياً عن بعض الدول الفاعلة، مثل الإمارات، حيث توجهت الحكومة إلى تعطيل مشاريع وإغلاق أخرى إرضاءً لقطر، فيما يذهب الصوماليون ضحية.

لم تكتفِ الحكومة الصومالية بالأزمات المتجذرة في البلاد، ما بين تدهور الملفات العديدة، والكوارث الطبيعية، بل فتحت أبوابها على مصراعيها أمام النظام القطري

وكشفت الدراسة حجم المعاناة التي وصل إليها الصوماليون، في ظل سطوة المسلحين المتمثلين في حركة الشباب المدعومة، بحسب الدراسة، من مسؤولين تم تعيينهم بنفوذ قطري، في وقت تتفاقم فيه الأزمات المعيشية والصحية والتعليمية في الدولة الأفريقية الفقيرة.

وقال مدير الفريق البحثي بوحدة الشؤون الأفريقية بالمؤسسة عبد الرحمن باشا: إنّ الفساد المستشري في الأجهزة الحكومية والإدارية في الدولة، هو ما يسمح للإرهاب بالتغلغل داخل تلك المؤسسات وتجنيد عدد من مسؤوليها، كما يمنع القوى الدولية من تقديم المساعدات المالية خوفاً من شبهات الفساد، مثلما فعلت الولايات المتحدة في أواخر عام 2017 بتعليق مساعداتها للبلاد.

وأوصى باشا، وفق الدراسة، بضرورة مكافحة الفساد في المؤسسات الحكومية كطريق لتمتع كافة المواطنين بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية. كما أشار إلى ضرورة تعيين الكفاءات الصومالية الجديرة بقيادة مؤسسات الدولة، والحريصة على محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد والسير على طريق التنمية، على أن تتمتع هذه الشخصيات بثقة وشرعية البرلمان الوطني.

لم تكتفِ الحكومة الصومالية بالأزمات المتجذرة في الصومال، ما بين تدهور الملفات العديدة، والكوارث الطبيعية، كالجفاف، ثم موجات من الجراد، يتبعها تفشي الأوبئة، بل “فتحت الحكومة التي تعاني من الضعف أبوابها على مصراعيها أمام النظام القطري، ومنحته الفرص للتوغل واعتلاء المناصب الإدارية والسياسية والعسكرية العليا في الدولة”، بحسب الدراسة.

وأضافت: يتشكل التدخل القطري في المنح والمساعدات والوساطة القطرية الهادفة ظاهرياً إلى مساندة الشعب الصومالي، والتي أثبتت بعد ذلك دعمها المباشر لحركة الشباب المسلحة في الصومال، وتمويلها لها منذ بداية هذا العقد.

وركزت الدراسة على الأعوام الـ3 الأخيرة التي زاد خلالها التدخل القطري على نحو بارز، مع تقديم صورة بانورامية للصومال خلال العقد الأخير، والتي تتوالى عليها الأزمات واحدة تلو الأخرى.

واعتبرت الدراسة أزمة الجفاف في الصومال في العام 2011 أسوأ أزمة تمرّ بها الدولة خلال العقد الأخير، حيث أبادت ما يقرب من ربع مليون شخص، وتسببت في تشريد ونزوح أكثر من 3.5 مليون نسمة، وموت ما يقرب من 90% من الماشية في بعض المناطق الصومالية لندرة المياه، وتوقف الزراعة التي تُعد مصدر غذائها الرئيسي، ومن ثم اعتمد الاقتصاد على المانحين والتحولات المالية من الصوماليين بالخارج.

وعلى الرغم من أنّ الأوضاع سارت إلى تحسّن نسبي، لا سيّما منذ العام 2013، في ظل بعض الإجراءات والتطورات الإيجابية، لكنه ظل تحسناً طفيفاً بسبب حالة عدم الاستقرار الأمني في ظلّ وجود حركة الشباب.

وبلغت نسبة الفقراء في الصومال خلال العام 2019 نحو 80% من عدد السكان، ويعيش نحو 10% من السكان فوق خط الفقر بقليل، وهم على حافة الانزلاق إلى دائرة الفقر، وتعاني 9 من كل 10 أسر صومالية من الفقر، في بُعد واحد على الأقل من النقد أو الكهرباء أو التعليم أو المياه أو الصرف الصحي.

كما تبلغ نسبة البطالة نحو 75% من إجمالي عدد السكان، ويبلغ متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي نحو دولارين يومياً، وعلى الرغم من أنّ مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الصومال تبلغ 8 ملايين هكتار، إلا أنّ المزروع منها يمثل أقل من 1%، فلا تغطي سوى 20% فقط من السوق المحلية.

كما انتقلت الدراسة إلى الفيضانات الأخيرة في الصومال، والتي تسببت في نزوح أكثر من 650 ألف شخص، في جميع أنحاء الصومال، منذ بداية العام 2020، بحسب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، كما تزيد احتمالية زيادة نسبة الجوع بسبب تهدم البيوت.

وبناء على ما سبق، فقد رصدت الدراسة تأثراً في “الحق في التعليم”، حيث لا يلتحق بالمدارس سوى 40% فقط من أطفال الصومال، فيما يقبع أكثر من 3 ملايين طفل صومالي خارج المدرسة.

كما تأثر “الحق في الغذاء”، فوفقاً لمنظمة الفاو، فإنّ نحو 5 ملايين صومالي يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وذلك منذ عام 2015، بينما يرفع صندوق النقد الدولي ذلك العدد إلى 6 ملايين نتيجة الجفاف الذي يؤثر سلباً على القطاع الزراعي المنهار بشكل كبير، وفي كانون الثاني (يناير) 2020 كانت عواقب ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض كبيرة، فقد أجبر الجفاف أكثر من 2.5 مليون شخص على ترك منازلهم حيث أصبحت أراضيهم الزراعية قاحلة.

وبالتبعية، تأثر حق الصوماليين في “الصحة”؛ إذ تسبب الجفاف في تضوّر أكثر من 3.3 مليون شخص كل يوم جوعاً، وقد أدى الجفاف أيضاً إلى نقص المياه النظيفة ووقوع أكبر جائحة للكوليرا تشهدها الصومال في الأعوام الـ5 الماضية، بإصابات تجاوزت 36 ألف حالة، ونحو 690 حالة وفاة في عام 2017 فقط، كما تم الإبلاغ عن نحو 6500 حالة حصبة، 71% منها للأطفال دون الخامسة.

احتلت الصومال المرتبة 194 من بين 195 دولة في مؤشر جونز هوبكنز للأمن  الصحي العالمي لعام 2019، وسجلت صفراً في الاستعداد للطوارئ والاستجابة للطوارئ وممارسات مكافحة العدوى والحصول على الرعاية الصحية.

أثر التدخل القطري

نبهت الدراسة إلى أول آثار التدخل القطري في الصومال، وهو حرمان الصوماليين، الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدة، من تلقي الدعم في مقابل الدعم القطري للتطرف، وفي ذلك السياق استشهدت الدراسة ببعض الأدلة على دعم النظام القطري للتطرف في الصومال.

وبحسب الدراسة، فإنّ “التحرك القطري يحمل في طياته بذور انهيار الصومال، من خلال انتهاج الدوحة سياسات تضر بالأساس بسيادة الدولة الوطنية الصومالية، تجسدت في دعم الحركات والجماعات المسلحة، وبعض الدول العربية قاطعت الدوحة، وهي (مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين) نتيجة رعايتها التطرف وانتهاجها سياسات عدائية أضرّت بالأمن القومي العربي، وفي هذا السياق ترى واشنطن أنّ الدوحة تدعم عدداً من الجماعات المسلحة، مثل “حركة شباب المجاهدين” عبر تلقيها دعماً مالياً بوساطة البعض، وعلى رأسهم القطري عبد الرحمن بن عمير النعيمي، الذي تربطه حسب تقرير لوزارة الخزانة الأمريكية علاقة وثيقة بزعيم حركة الشباب، حسن عويس، وقد حوّل النعيمي نحو 250 ألف دولار في العام 2012 إلى قياديين في الحركة، مصنفين على قوائم الإرهاب الدولية، بحسب الدراسة.

كما برهنت بعض الوثائق على موقع “ويكيليكس” تورّط قطر في مساعدة هذا التنظيم، عندما طلبت واشنطن من تركيا الضغط على الدوحة لوقف الإمدادات المالية لهذه الحركة في 2009، هذا بجانب رغبتها في السيطرة على الأجهزة الأمنية، من خلال تعيين بعض التابعين لها في مراكز قيادية داخل المؤسسات الصومالية المسؤولة عن إدارة الدولة داخل الجيش والشرطة.

وأضافت الدراسة أنه بناء على اقتراح قطر، قام الرئيس الصومالي بتعيين فهد ياسين في رئاسة وكالة المخابرات والأمن الوطنية الصومالية، وهو صحفي سابق بشبكة الجزيرة، بالرغم من رفض معظم الدول الأفريقية التعامل معه نتيجة دعمه للمنظمات المتطرفة باستخدام المال القطري، علاوة على سجله المتطرف، وتطويق العميد عبد الله عبد الله لإقصائه من جهاز المخابرات الصومالية؛ تمهيداً للسيطرة على الأجهزة الأمنية.

وفيما يتعلق بأثر التدخل القطري على الحياة السياسية والاقتصادية للصوماليين، قالت الدراسة: بعد تحالف فارماجو مع قطر، يمكن ملاحظة الدور الذي تمارسه الدوحة على كل جوانب الحياة الصومالية، حيث تأثرت على سبيل المثال السياسة الخارجية للصومال بما يتناسب مع التوجه القطري، وإلى جانب الدعم الحكومي تشهد مقديشو حالة إغلاق بسبب التهديدات الإرهابية المتزايدة المدعومة من الدوحة، أكثر منها بسبب دواعي الحفاظ على الصحة العامة (…)، في وقت تحولت القوات المسلحة الصومالية إلى قوة شبه عسكرية تابعة للمخابرات تحت سيطرة من فهد ياسين، اقتصر دورها على مضايقة وترهيب المنافسين السياسيين والمعارضة، والتضييق على المجتمع المدني وممارساته، دون التركيز على حقوق الشعب الاقتصادية والاجتماعية.

وتحت بند “عرقلة أدوار المانحين في الصومال وتأثيره على الحقوق الاقتصادية”، تطرقت الدراسة إلى تعطيل مشاريع بين الصومال والإمارات، إرضاء لقطر، حيث أقدمت الحكومة الصومالية على تعطيل اتفاق موقع بين موانئ دبي العالمية مع حكومة أرض الصومال لتطوير مشروع منطقة اقتصادية حرّة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء بربرة، بحيث يصبح الميناء إقليمياً محورياً ومعبراً رئيسياً لمختلف البضائع المستوردة من الأسواق الإقليمية والعالمية، ويجذب المستثمرين، ويسهم في تنويع الاقتصاد وخلق المئات من فرص العمل.

ولم يتوقف تصعيد الحكومة في مقديشو عند هذا الحد، بل اخترقت القوانين والمواثيق الدولية، باحتجاز السلطات الأمنية الصومالية للطائرة المدنية الخاصة المسجلة في دولة الإمارات في مطار مقديشو الدولي، وعلى متنها عناصر قوات الواجب الإماراتية، ومصادرة المبالغ المالية المخصصة لدعم الجيش الصومالي ودفع رواتب المتدربين الصوماليين، وعدد من الأسر الفقيرة، ممّا أدى بدوره إلى تقليص الدعم الإماراتي للصومال.

وفي غضون ذلك، أوصت الدراسة بمحاولة الوصول لحلول سلمية للنزاعات الداخلية من قبل الحكومة الصومالية، بينها وبين الأقاليم المختلفة من خلال الحوار السياسي، وليس من خلال سياسات الاستبعاد والتضييق التي أثبتت على مر التاريخ فشلها في التوصل إلى حل مناسب، وذلك لمنع تغلغل قوى إقليمية أو دولية بشكل مبالغ وترسيخ دورها وانتشار أذرعها في جميع مفاصل الدولة.

وأضافت: على دولة الصومال الحدّ من التدخلات القطرية في مؤسسات الدولة، ولاسيّما المؤسسة العسكرية والاستخباراتية، والتوقف عن تسييس دورها بما يتناسب مع اتجاه سياسة الدولة، ليتسنى لها مواجهة هجمات حركة الشباب الإرهابية بدلاً من التضييق على المعارضين من المجتمع المدني.

كما دعت الصومال إلى الحرص على تعيين الكفاءات الجديرة بقيادة مؤسسات الدولة، والحريصة على محاولة تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد والسير على طريق التنمية، على أن تتمتع هذه الشخصيات بثقة وشرعية البرلمان الوطني.

وأخيراً، رأت دراسة مؤسسة ماعت أنه “على الحكومة تركيز كافة جهودها على التحالف والتعاون مع حكام الأقاليم الصومالية، والسعي لتعميم نموذج أرض الصومال في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وحتى الأمنية.

Exit mobile version