في مفاجأة غير متوقعة تضمنت تشكيلة الحكومة الصومالية الجديدة وافدا جديدا طالما ارتبط اسمه في السنوات الماضية بحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة.
واختار رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري القيادي السابق في حركة الشباب الشيخ مختار روبو أبومنصور وزيرا للأوقاف والشؤون الدينية في حكومته التي أعلن عن تشكيلها الثلاثاء الماضي.
وكان أبومنصور اعتلى أرفع المناصب في حركة الشباب ومنها الرجل الثاني في الحركة والناطق الرسمي باسمها، وقضى 4 سنوات في السجن بعد اعتقاله من قبل وزارة الأمن في الحكومة السابقة.
والتعيين المفاجئ لأبومنصور في تشكيلة الحكومة الجديدة أثار العديد من التساؤلات عن التوقيت ودلالات تعيينه وأهداف الحكومة من وراء تلك الخطوة غير التقليدية؟
وعلى عكس الحكومات السابقة في النظام الذي كان يترأسه الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو، والتي انتهجت إقصاء المعارضة وكل من يعترض أجنداتها السياسية والأمنية، يحاول بري خلق جو سياسي أكثر انفتاحا ويستقطب كل أقطاب المعارضة والأيديولوجيات المختلفة.
ويقول الصحافي والمحلل السياسي عبدي علي إن “تشكيلة الحكومة الجديدة يمكن اعتبارها حكومة تكنوقراط تضم الكفاءات بعيدا عن كل الاعتبارات، وذلك استعدادا لمواجهة الملفات الصعبة التي تنتظرها على أرض الواقع وفي مقدمتها الملف الأمني”.
ويضيف أن التشكيلة الوزارية الجديدة “تعكس أيضا الشعار الذي رفعه الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (صومالي متصالح مع نفسه ومع العالم) كنوع من تنفيذ وعوده التي قطعها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي أدت إلى ظهور وجه جديد (أبومنصور) لم يعتد الكثيرون رؤيته في الساحة السياسية الصومالية”.
ويرى علي أن ضم أبومنصور في التشكيلة الجديدة “يأتي في إطار رد الاعتبار نظرا لما تعرض له من تهميش وسجن وسلب حقوقه الشخصية من قبل النظام السابق رغم التزامه بشروط رفع القيود عنه والتي كان من بينها التخلي عن أفكاره المتشددة”.
ومن جهته يقول رئيس المخابرات الصومالي الأسبق الجنرال عبدالرحمن توريري إن تعيين أبومنصور ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة “أثار حساسية لدى الوسطين الديني والسياسي في البلاد نظرا لأفكاره السابقة”.
ويضيف توريري “لكن جميع الأنظار موجهة الآن إلى وزارته بشأن ما يمكن أن يضيفه الرجل إلى حرب الحكومة المعلنة ضد حركة الشباب”، مشيرا إلى أن “أداءه في هذه الوزارة ومدى عزمه على محاربة حركة الشباب فكريا وعسكريا سيحددان ما إذا كانت الحكومة على حق في تعيينه أم أنها أخطأت”.
وتخوض الحكومة الصومالية الجديدة تجربة جديدة في حربها ضد الإرهاب ستختلف عن الحرب التي شنتها الحكومات السابقة على حركة الشباب، والتي كانت تقتصر على الجانب العسكري بحسب الصحافي والمحلل في مركز الصومال للدراسات والبحوث محمد ابتدون.
ويقول ابتدون إن “الحكومة الحالية تريد محاربة حركة الشباب فكريا من خلال أحد أبرز قادة هذه الحركة السابقين الشيخ مختار روبو أبومنصور”. ويضيف أن “تعيين أبومنصور، وهو الرجل الثاني السابق في حركة الشباب، وزيرا للأوقاف التي تعد إحدى أهم وزارات البلاد المعنية بمحاربة الأفكار المتطرفة يعني أن الحرب ضد هذه الحركة اتخذت منحى آخر”.
ويردف ابتدون “يمكن القول بأن البلاد ستدخل في مرحلة حرب أيديولوجية جديدة بقيادة أبومنصور، وهو من مؤسسي حركة الشباب ومدبر العقيدة القتالية فيها”.
ويتابع “احتضان الحكومة زعيما سابقا في حركة الشباب، بغض النظر عن خلفياته السابقة، سيشكل إضافة نوعية في حربها ضد الحركة سواء عسكريا أو أيديولوجيا”.
ويرى ابتدون أن ذلك يعود إلى “اعتبار أبومنصور قياديا سابقا في عمليات حركة الشباب والرجل الثاني في هذه الحركة، إلى جانب سعة معرفته بتكتيكاتها الأمنية واستخدام عناصرها التي تشكل تهديدا أمنيا في العاصمة مقديشو”.
ويضيف أن أبومنصور “قضى 10 سنوات من التدريب مع القاعدة ويعرف القواعد والعقيدة الأمنية التي غالبا ما تنتهجها عناصر الحركة، ما سيشكل ضربة قاضية لحركة الشباب في المرحلة المقبلة سواء عسكريا أو أيديولوجيا”.
وفي أكثر من مناسبة أكد الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عزمه على استخدام كل الوسائل المتاحة لدحر الإرهابيين، في إشارة إلى حركة الشباب التي تنشط ضمن مناطق شاسعة في قرى وبلدات أقاليم جنوب البلاد ووسطها.
ومن جهته أكد الناطق باسم الحكومة الصومالية فرحان محمد جمعالي خلال مشاركته في برنامج إعلامي لإحدى القنوات المحلية، أن الحرب ضد حركة الشباب هي “أهم أولويات الحكومة الجديدة”.
واستعادت حركة الشباب الصومالية نفوذها العسكري والمالي نتيجة تراجع العمليات العسكرية المشتركة (الحكومية والأفريقية) ضدها في السنوات الخمس الماضية، ما دفع إلى تنفيذ علميات نوعية داخل وخارج البلاد، الأمر الذي يشكل تحديا صعبا أمام الحكومة الحالية.
وبحكم موقعه السابق داخل حركة الشباب وعلاقاته المتينة مع قيادات وعناصر في الحركة تسعى الحكومة الصومالية إلى إحداث “بلبلة” داخل الحركة، مستغلة الخلافات الأيديولوجية بين بعض القيادات في جسد الحركة المرتبطة بتنظيم القاعدة.
ويقول توريري إن الهدف من تعيين أبومنصور في هذا المنصب “ليس فقط استغلاله في الحرب ضد حركة الشباب وإنما أيضا توظيفه في الدعاية الحربية”، مشيرا إلى أن الحكومة الصومالية “على عهدها بترحيب المنشقين عن جسد الحركة وتحسين التعامل معهم وبكل حرياتهم”. ويضيف أن “ظهور أبومنصور في واجهة التشكيلة الوزارية سيعد مكسبا للحكومة وضربة قاصمة لحركة الشباب”.
وحول قدرة أبومنصور على ضرب مصالح الحركة قال توريري “بالتأكيد يمكنه ذلك من خلال انتقاد أفكارهم المتطرفة وتوجيه خطابات دينية إلى عناصر الحركة والشعب يؤكد فيها انحراف هذه الحركة عن المسار الديني الصحيح، لأن الدين هو أكبر صلاح تستعطف به الحركة عناصرها وتروج من خلاله أفكارها المتشددة”.
ويشير توريري إلى أن أبومنصور “يعتبر شخصية تحظى بشعبية داخل الحركة لأن هناك قيادات مؤيدة لأفكاره وبإمكانه لعب دور كبير في ضرب جدار الحركة وفتح جبهة من الانشقاقات عن الحركة التي ستعيد حساباتها أيضا لمواجهة أحد أركانها السابقين في المرحلة القادمة”.
ومنذ سنوات يخوض الصومال حرباً ضد حركة الشباب المسلحة التي تأسست مطلع 2004 وتتبع فكرياً تنظيم القاعدة، حيث تبنّت العديد من العمليات الإرهابية التي أودت بحياة المئات من الأشخاص.