الصومال اليوم

أبناء النازحين في مقديشو… أطفال مجبرون على العمل وظروف قاسية ترهق أهاليهم

الصومال اليوم _ الشافعي أبتدون

يعيش أطفال النازحين في مخيّمات العاصمة الصومالية مقديشو ظروفاً قاسية في ظلّ الإهمال والحرمان من أبسط حقوقهم الأساسية، كالتعليم والرعاية الصحية والدمج في المجتمع.

 ويقصد ثلث أطفال المخيمات، بحسب إحصائيات مستقلة، شوارع مقديشو، بحثاً عن عمل لتوفير مصدر رزق إضافي لعائلاتهم الفقيرة، ويعملون في تلميع الأحذية وتنظيف السيارات وأكشاك بيع القات، ويتقاضون أجوراً تتراوح ما بين دولارين وخمسة دولارات. 

ويقدّر أعداد سكان المجمعات العشوائية بنحو مليون نازح، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في مقديشو. 

في مخيّم آل فوتو للنازحين (على بعد 8 كيلومترات جنوب العاصمة مقديشو)، يستيقظ الطفل شعيب أبوكر باكراً كل يوم للعمل في مسح الأحذية بدلاً من الذهاب إلى المدرسة.

 يجمع أغراضه في حقيبة مواد التنظيف والتلميع والأقمشة الممزقة والإسفنج. يودع والدته التي تنتظره بقلق يومياً وخصوصاً في حال تأخر في العودة إلى المخيم في الوقت المعتاد. كما يحرص على شحن هاتفه كونه الوسيلة الوحيدة التي يمكن لأهله التواصل معه من خلالها والاطمئنان عليه. 

ويقول شعيب: “لم أعرف المدرسة يوماً. بدأت العمل في هذه المهنة قبل ست سنوات عندما كنت في الثامنة من عمري. أعطي أمي كل ما أجنيه لتعد لنا الطعام”. 

يضيف أنه يقطع بضعة كيلومترات يومياً للوصول إلى العاصمة مقديشو، وقد يعمد أحياناً إلى استخدام وسيلة مواصلات، مشيراً إلى أنه قد يعود إلى البيت خالي الوفاض. أما إذا ابتسم له الحظ، على حد قوله، فقد يحصل على دولارين أميركيين في اليوم.  

من جهتها، تتحدّث والدة شعيب مريم سيدو عن معاناتها اليومية بسبب قلقها على ابنها الذي يتوجه يومياً إلى مقديشو لتأمين المال وبالتالي احتياجات الأسرة، إذ تخشى أن يصيبه مكروه في العاصمة التي تشهد أحداثاً أمنية خطيرة في بعض الأحيان، وخصوصاً بعد التفجيرات الانتحارية التي شهدتها في يناير/ كانون الثاني الماضي والتي تبنتها حركة “الشباب” المرتبطة بتنظيم “القاعدة”.

 وتقول سيدو ” إن ابنها التحق بعشرات الأطفال الذين يعملون في مسح الأحذية في شوارع العاصمة عندما كان في الثامنة من عمره. أحياناً، ينجح في استقطاب الزبائن والعمل وجني بعض المال، علماً أنه قد يعود خالي الوفاض في أيام أخرى. 

وتشير إلى أن “القليل الذي يحصل عليه يساعدني في إعداد الطعام للأسرة”، واصفة إياه بـ “الساعد الأيمن”. وبسبب الأوضاع المادية الصعبة للأسرة، لم تتمكن من الحاق ابنها في المدارس الأهلية لعدم قدرتها على تسديد المستحقات المدرسية أو تأمين الطعام له من حين إلى آخر.

المدرسة… حلم

أما عثمان عبد العزيز (11 عاماً )، فقد عانى يتم الأم وإهمال الأب، الأمر الذي دفع شقيقته إلى الاهتمام به ورعايته. ويقول عثمان” إنه لم يتمكن من الذهاب إلى المدرسة حاله حال أطفال آخرين. في بعض الأحيان، يضطر إلى قطع مسافة كيلومترات للعودة إلى المخيم، مشيراً إلى أن المبالغ القليلة التي يحصل عليها لا تخوله استخدام وسائل النقل العامة. وحرصاً على عدم حرمان أسرته وجبة العشاء، يحتفظ بما يتقاضاه في شوارع مقديشو (أقل من ربع دولار مقابل تنظيف زوج من الأحذية)، علماً أن ماسحي الأحذية قد يحصلون على أكثر من ذلك بسبب تعاطف البعض معهم.

في شوارع مقديشو، يمكن العثور على ماسحي الأحذية على أرصفة شوارعها. وتزداد أعداد هؤلاء مع ازدياد أعداد النازحين التي تجبرهم الظروف المعيشية في جنوب البلاد على النزوح إلى مقديشو بحثاً عن لقمة عيش كريمة.

 وعادة ما يعمل الأطفال في مهن لا تدر عليهم مالاً كثيراً كمسح الأحذية وتنظيف السيارات وبيع نبتة القات. ويتقاضى هؤلاء مبالغ بسيطة تساعد الأسر الفقيرة على تأمين لقمة عيشها.

 ويقول حسن مالن (9 أعوام) إنه يعمل في مسح الأحذية لمساعدة والدته كونه الابن البكر للأسرة. يضيف: “أبدأ بتلميع الأحذية في الصباح الباكر علماً أنني لا أجد زبائن أحياناً بسبب الأمطار التي تهطل في العاصمة والتي توقف حركة المرور أحياناً، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية المتقلبة في أحيان أخرى”.

ويقضي الطفل حسن نهاره في شوارع مقديشو، ويشير إلى أن الحظ لا يسعفه أحياناً بتأمين احتياجات والدته، ويعود إلى البيت من دون أن يكون قد حصل على أي مال، وخصوصاً عندما تغلق الشوارع وتمنع حركة المرور لدواع أمنية. 

يضيف: “لم أحصل على فرصة للذهاب إلى المدرسة علماً أن هذا حلمي”. 

حلول:

ويُبدي الخبراء قلقهم على أطفال الشوارع، وخصوصاً أولئك الذين يتعاطون المخدّرات أو يعملون في مهن لا تتناسب وأعمارهم، الأمر الذي يهدد النسيج المجتمعي مستقبلاً. وما من اهتمام من قبل المعنيين بمعالجة المشاكل الاقتصادية الصعبة وخصوصاً بعد اندلاع موجات الجفاف في جنوب البلاد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية. 

وتقول الناشطة الاجتماعية أركسن إسماعيل : “يجب على الحكومة الفيدرالية تأليف لجنة متخصصة تعد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأطفال الذين يعملون في الشوارع، والظروف التي تجبرهم على ذلك، منها الطلاق والتفتت الأسري أو استغلالهم من قبل أقرانهم أو إجبارهم على العمل من قبل أهلهم أو غير ذلك”.  

وترى أركسن أنه “يتوجب على الحكومة الفيدرالية إنشاء دُور خاصة لهؤلاء الأطفال، بهدف ضمان مساكن ملائمة وحياة كريمة لهم، وإعادة تأهيلهم من قبل كوادر متخصصة، وتقديم الدعم النفسي لهم وإلحاقهم في القطاع التعليمي”.

 كما تشدد على ضرورة عمل الحكومة الصومالية، وخصوصاً وزراة التربية والتعليم، على التدخل السريع لمواجهة هذه الظاهرة من أجل الحد منها وعدم ترك الأطفال عرضة للضياع، الأمر الذي يشكل خطراً على المجتمع مستقبلاً، وذلك من خلال تأسيس منظمات مدنية بدعم من الحكومة تعنى بأطفال الشوارع وتتولى تقديم الدعم النفسي لهم ومن ثم دمجهم في المجتمع.  

وبحسب الحكومة الصومالية، فإنّ نحو 50 في المائة من الأطفال في سن التعليم الأساسي محرومون من حقوقهم في الدراسة، علماً أنّ الإناث أقل من الذكور. وتبلغ نسبة التسرب المدرسي نحو 40 في المائة في البلاد. ويعد أطفال المخيمات محرومين من أبسط حقوقهم في الحياة، خصوصاً التعليم والرعاية الصحية.

Exit mobile version