من يغيث الصومال من خطر المجاعة؟
لم يكن إعلان الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بشكل رسمي عن تعرض بلاده لخطر المجاعة من فراغ، وإنما جاء تأكيدا لخطورة الأوضاع الإنسانية بالصومال نتيجة الجفاف الشديد، وهو بمثابة طلب للإستغاثة السريعة والعاجلة على كافة الأصعدة الإقليمية والدولية لإنقاذ الأرواح التي تتعرض للهلاك بسبب تدهور الأوضاع هناك.
يتعرض الصومال لواحدة من أسوأ موجات الجفاف والقحط ضمن موجة شرسة تضرب كثيرا من دول العالم وخاصة منطقة القرن الإفريقي، حيث يواجه ما يقرب من 7 ملايين صومالي نقصا شديدا في الغذاء بينما يهدد الموت نحو نصف مليون إنسان منهم بسبب المجاعة، وذلك وفقا لتقارير أممية. كما تشير شهادات لعمال إغاثة إلى أن هناك ما يقرب من مليون ونصف مليون طفل مصابون بسوء التغذية الحاد نتيجة عدم توافر الغذاء، بينما مات ما يقرب من 30 طفلا خلال الشهور الثلاثة الأخيرة بسبب الجوع.
وقد انعكست هذه الأوضاع الصعبة على استقرار الأسر الصومالية حيث كشف برنامج الغذاء العالمي أن هناك آلاف الأطفال الذين حرموا من آبائهم بسبب وجودهم بالمستشفيات للعلاج من النقص الحاد في الغذاء أو الخروج للبحث عن وسيلة لجلب الطعام ، الأمر الذي يجعل هؤلاء الأطفال بحاجة إلى دعم نفسي وفقا لمنظمة Save the Children التي أكدت تقاريرها بأن 72% من الأطفال المهددين بالموت جوعا يعانون من سلوكيات غير سوية بسبب تأثرهم السلبي بهذه الأوضاع الخطيرة.
ومثلما تأثرت الأوضاع الأسرية للأطفال الصوماليين بالجفاف، كشفت تقارير صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف” أن مسيرة التعليم لأولئك الأطفال قد تعثرت وتعطلت في المناطق التي ضربها الجفاف، وأن هناك 70% من الأطفال في سن الدراسة لم يتلقوا التعليم المناسب، إضافة إلى إغلاق 250 مدرسة قبل نهاية العام الدراسي بسبب سوء الأحوال.
وقد فرضت الأوضاع المأساوية نفسها على المشهد العام بالصومال وانتشرت في مختلف الأرجاء الصومالية حيوانات نافقة وحقول خاوية وبيوت مهجورة حيث اضطرت ظروف الجفاف والمجاعات مئات الآلاف من الصوماليين بما يتجاوز 750 ألف صومالي – وفقا لبعض الإحصائيات – لمغادرة منازلهم وقراهم في المناطق الريفية والتوجه إلى مخيمات اللاجئين هربا من الموت وبحثا عن الطعام والماء والمراعي، في مشاهد تدعو إلى الحزن والأسى والحسرة على تدهور الأوضاع لدى بلد عربي إفريقي غني بالموارد والثروات بينما يموت أهله جوعا!
يأتي ذلك بينما لم يكد الصومال ينعم بثمار الاستقرار السياسي والاستراحة من الصراعات الحامية التي مر بها على مدار فترة طويلة ماضية من الشد والجذب بين أطراف سياسية قبيل عملية المخاض السياسي الكبير والمتمثل في نجاح الإنتخابات الصومالية وتتويجها بتولي الرئيس حسن شيخ محمود الحكم في البلاد والذي تفاءل المراقبون والمحللون السياسيون كثيرا بتصدره للمشهد السياسي الصومال وعولوا عليه في حدوث تطور وازدهار للبلاد.
يذكر أن الصومال من الدول التي تعاني من الجفاف الشديد منذ أكثر من عشر سنوات، وهو ما أدى إلى تلف المحاصيل ونفوق الماشية بمقدار ما يقرب من 3 ملايين رأس ومن ثم نقص اللحوم والألبان والمواد الغذائية، الأمر الذي جعله عرضة لمجاعة خطيرة تسببت في موت ما يقرب من ربع مليون شخص أغلبهم من الأطفال نتيجة للنقص الشديد في الغذاء، وهو ما دفع منظمات دولية عديدة منها منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي إلى إطلاق صيحة التحذير الشديد من خطورة الوضع بالصومال حيث يحوم شبح الموت جوعا حول ما يقرب من نصف السكان الصوماليين.
يرجع ذلك إلى سوء الأوضاع المناخية وندرة الأمطار التي تعتمد عليها الزراعة ومختلف الأنشطة الحياتية، التي يحتاجها الإنسان والحيوان والنبات. ولاشك أن سوء الأوضاع السياسية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي قد ساهم كثيرا في تعميق أزمة الغذاء في الصومال وزيادة معاناة الشعب الصومالي. لقد أدى الصراع السياسي الداخلي بين مختلف الفئات السياسية على مدار فترات طويلة إلى تعقد الأوضاع وتراجع الإهتمام بالشؤون الإقتصادية والإنشغال عن المشروعات الضرورية لحل أزمة الغذاء ومواجهة الجفاف بالقضايا السياسية التي فرضت نفسها بشكل ملح على الساحة الصومالية. كما انعكست أزمة الغذاء العالمية الناتجة عن توابع الحرب الروسية الأوكرانية، سلبيا على أزمة الغذاء داخل الصومال واستحكامها بشكل شديد حيث أدى نقص المعروض من السلع الغذائية في العالم إلى تضخم شديد وارتفاع جنوني في أسعار السلع الأساسية ومنها المواد الغذائية بشكل أثر على تراجع القدرات الإقتصادية لبعض الدول في مواجهة هذه الأزمة. وتزداد المشكلة تعقيدا في حالة الأنظمة الإقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على استيراد المواد الأساسية من الخارج ومنها بالطبع الإقتصاد الصومالي الضعيف الذي يستورد ما يقرب من 80% من موارده الغذائية من الخارج.
وفي ظل خطورة الوضع الإنساني الكارثي كانت هناك دعوات من جهات متنوعة لمبادرات دولية بتقديم المساعدات وسرعة التحرك لإنقاذ حياة شعب بأكمله، تأكيدا على نداء الإستغاثة الذي وجهه الرئيس الصومالي مؤخرا للعالم.
لقد وجه رئيس البرلمان العربي عادل بن عبدالرحمن العسومي نداء لتقديم المساعدات الممكنة لجمهورية الصومال ومساندتها في تجاوز أزمة الجفاف التي تشهدها الأراضي الصومالية وحث الدول العربية على مد يد العون لمساعدة الملايين من أبناء الشعب الصومالي المعرضين لخطر المجاعة. وكان مبعوث الصومال للشؤون الانسانية قد سلم رسالة خطية من رئيس الصومال كنداء إنساني إلى الوزراء العرب على هامش الإجتماع التشاورى لوزراء الخارجية العرب فى العاصمة اللبنانية بيروت مؤخرا، من أجل التحرك السريع لنجدة الشعب الصومالى المتضرر من الجفاف.
وأمام هذا الوضع الإنساني الخطير كانت هناك تحركات دولية، حيث أعلنت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تقديم 476 مليون دولار كمساعدات إنسانية وتنموية لشعب الصومال ليصل إجمالي ما قدمته الوكالة الأمريكية من مساعدات إنسانية للشعب الصومالي خلال عام 2022 حوالي 707 ملاييندولار. وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات قد وجه ، بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 35 مليون درهم إلى دولة الصومال للإغاثة ودعم جهود التنمية فيه. كما أعلنت السفيرة البريطانية لدى الصومال كيت فوستر، عن عزم حكومة بلادها على دعم الصومال في مواجهة الجفاف الذي ضرب بعض أقاليمه. ولازالت أصداء النداءات الإنسانية تتوالى في أنحاء العالم لمد يد العون للشعب الصومالي ولكن حجم الخطر يتطلب إيقاعا أسرع للتحرك لمنع سقوط مزيد من الضحايا.
ومع ذلك فإن الأمر لا يتطلب فقط دعما ماديا لتجاوز أزمة المجاعة وإنما يستلزم العمل الجماعي الإقليمي والدولي لمساعدة الصومال على التخلص من مشاكل الإرهاب وجماعات العنف المتشددة، لأن استمرار هذا الوضع يمكن أن يعيد الصومال إلى بؤرة الصراعات المشتعلة. لقد تكالبت على الصوماليين عدة أزمات عصيبة لا زالوا يعانون من ويلاتها من أخطرها الجفاف والإرهاب، وكلاهما يسهم في استحكام الأخرى. لأن انتشار الصراعات السياسية والفوضى الأمنية جراء موجات العنف والإرهاب عبر سنوات طويلة أعاق عملية التنمية وتسبب في تدهور الأوضاع الإقتصادية والمعيشية للصوماليين. وفي نفس الوقت يتخوف المراقبون من التأثير السلبي لزيادة استحكام الأزمة الإنسانية بالصومال بأن تدفع البعض إلى الإضطرار للتعاون مع الجماعات المتشددة والتمرد على الحكومة إذا ما شعر بعجز الأخيرة عن حل مشاكلهم وإنقاذهم من خطر الموت، وهو ما قد يعني تراجع الصومال لخطوات بعيدة للوراء وانتكاس تجربته الديمقراطية بعد نجاحها مؤخرا.
لذلك يجب على المجتمع الدولي الإسراع لدعم الصومال حكومة وشعبا بكافة أوجه الدعم المطلوبة لمواجهة الخطرين معا المجاعة والإرهاب مع ضرورة الحذر والحيلولة دون وقوع أي دعم في أيدي جماعات العنف، بمعني تحري الدقة والتأكد من وصول الإعانات لمستحقيها.
ويأتي بعد ذلك أهمية العمل الوطني في المشروعات القومية التي تنعكس على مستوى معيشة الشعب وتخفف عن كاهله ثقل الأزمة وهو أمر يتطلب فتح آفاق التعاون مع دول المنطقة في كافة أوجهه والإستفادة من خبرات الآخرين في مواجهة هذه الأزمات وكذلك التركيز في المشروعات التنموية واستغلال الموارد والثروات التي انعم الله بها على الشعب الصومالي ولم يتم الإستفادة بها بينما يموت جوعا!
ولاشك أن كل ذلك يرتبط بكفالة الإستقرار الأمني والسياسي حتى يتسنى لأبناء البلاد القيام بدورهم في بناء الوطن والتفرغ العمل الدوؤب والمخلص والتمكن من جني ثماره.