وسّعت حركة الشباب الإسلامية هجماتها لتطال الأراضي الإثيوبية وهو ما يضاعف التحديات على حكومة آبي أحمد التي تواجه أيضا نزاعات داخلية قبلية، وتبدو غير مستعدة لمواجهة تنظيمات إرهابية خطرة كما أنها غير قادرة على استمالة الدعم العسكري الأميركي بسهولة بعد تقاربها السريع مع الصين، مما يجعلها في دائرة التنافس الأميركي – الصيني على العمق الأفريقي.
وبعد خوضها لتمرّد ضد الحكومة الفيدرالية الصومالية لمدة خمسة عشر عاما، وسعت جماعة الشباب الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة هجماتها، حيث استهدفت مؤخرا الأراضي الإثيوبية، وهو ما أثار مخاوف محللين وخبراء من أن هذه الخطوة تعدّ تصعيدا أمنيا خطيرا قد يشكّل بداية محاولة الحركة للتمدد العسكري خارج الصومال.
وأدى الهجوم العسكري الذي شنه مقاتلو الشباب في الفترة الأخيرة على قرى داخل الإقليم الصومالي في إثيوبيا إلى مقتل عدد من أفراد الشرطة المعروفة باختصار “ليو بوليس”.
ويفتح الهجوم على المناطق الحدودية جبهة صراع جديدة مع إثيوبيا التي تعيش بدورها صراعات داخلية عنيفة منذ تأجيل الانتخابات العامة في ديسمبر 2020.
سابقة خطيرة:
رغم إعلان إقليم الصومال التابع لإثيوبيا عن حسمه للمعركة ضد حركة الشباب ومقتل أكثر من 150 من مقاتليها الذين تجاوزوا الحدود، إلا أن الحركة أعلنت من جانبها عن مقتل أكثر من 80 جنديا من قوات شرطة “ليو بوليس” الإثيوبية.
ويعدّ تمكّن مئات من مقاتلي الشباب من تجاوز الحدود الإثيوبية بعمق 70 كيلومترا، بعد معركة شرسة دارت بينهم وقوات شرطة “ليو بوليس”، سابقة هي الأولى من نوعها وتفتح الباب على العديد من التأويلات.
ويرى محمد عبده المحلل السياسي والأمني في المركز الصومالي للبحوث أن تسلل مقاتلي الشباب داخل الأراضي الإثيوبية يعتبر خطوة أمنية تعكس سعي الحركة للبحث عن تمركز عسكري لها على الأقل في المناطق الحدودية داخل إثيوبيا في هذه المرة.
وقال عبده إن “توقيت الهجوم والعتاد العسكري الذي استخدمته الحركة يشيان بنيّة توسيع نفوذها، مستغلة انشغال إثيوبيا العسكري والاستخباراتي بإخماد صراعاتها الداخلية، خاصة في إقليمي تيغراي وأوروميا”.
وأوضح المحلل الأمني أن تراجع عمليات الجيش الصومالي ضد حركة الشباب خلال السنوات الخمس الماضية ساهم في استعادة الحركة لنفوذها، بجانب أن تحصيلها لإيرادات مالية ضخمة بواسطة نظامها الضريبي دفعها إلى فكرة التوسع في إثيوبيا على غرار الصومال وكينيا.
وفي سياق التوغل الجديد لحركة الشباب، قال عضو حزب مصلحة الشعب في الإقليم الصومالي الإثيوبي أحمد عبسي إن تدمير خطوط دفاع قوات شرطة “نيو بوليس” الإقليمية وتوغل مقاتلي الشباب يشيران إلى عدم جاهزية إثيوبيا عسكريا واستخباراتيا لمواجهة مثل هذه الهجمات بسبب الانشغال الداخلي.
لكن لمحافظ إقليم بكول جنوب غربي الصومال المتاخم للحدود الإثيوبية محمد عبدي تول وجهة نظر أخرى، إذ قال في تصريح للإعلام المحلي إن الهجوم المسلح الذي شنه مقاتلو حركة الشباب على قريتي “عاتو وييد” و”وشاقو” ليس هدفه السيطرة على تلك المناطق، بل كان تمويها لقوات الشرطة الإثيوبية لتمكين عناصر أخرى تقدر بالمئات من التسلل دون أي مواجهات داخل الإقليم الإثيوبي عبر بلدة “عيل بردي”.
وحسب تقارير أمنية إثيوبية فإن حركة الشباب تسعى للتمركز في المناطق الجبلية على الحدود، وفتح جبهات قتالية في إقليم أوروميا لضرب أمن إثيوبيا.
وفي خضم المواجهات العسكرية بين مقاتلي حركة الشباب وقوات شرطة الإقليم الصومالي الإثيوبي يرجح بعض المحللين وجود حسابات خارجية تستفيد من هذه الهجمات في ظل التنافس الصيني – الأميركي على منطقة القرن الأفريقي.
ويقول الصحافي والمحلل السياسي أحمد عينب إن الأزمة السياسية في إثيوبيا وما نتج عنها من صراعات وثورات في مختلف القوميات الإثيوبية ليس بمنأى عن حسابات خارجية خاصة بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضح عينب أن التنافس الأميركي – الصيني يعكس تباين الرؤى بين البلدين حول ما يجري في إثيوبيا منذ وصول رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى سدة الحكم.
وقال الصحافي إن هجوم الشباب الأخير على إثيوبيا يعد الأكبر للحركة منذ تأسيسها عام 2004، معتبرا أن تمكّن مقاتلي الحركة من التسلل إلى عمق إثيوبيا يكشف عن الجفاء في التعاون الأمني بين واشنطن وإثيوبيا، حيث كانت واشنطن تساعد إثيوبيا في محاربة الإرهاب في المنطقة.
وأشار عينب إلى أن إثيوبيا تبدو كأنها تدفع ثمن ميلها للجانب الصيني على حساب الولايات المتحدة حول حسابات منطقة القرن الأفريقي التي تشهد إعادة تشكيل توازنات القوى خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن تنفيذ الحركة لهذا الهجوم العسكري الضخم دون أن تتعرض لأي ضربة جوية أميركية ينذر بأن إثيوبيا ستتعرض لمزيد من الهجمات العسكرية في المرحلة المقبلة.
وأوضح عينب أن بإمكان الولايات المتحدة منع هجوم حركة الشباب على الحدود الإثيوبية، بسبب وجود قاعدة عسكرية أميركية في بلدة “بلدوكلي” بإقليم شبيلي، حيث تجري استطلاعات يومية بواسطة طائراتها المسيّرة.
الحاجة إلى التعاون العسكري:
منذ سنوات يخوض الصومال حرباً ضد حركة الشباب المسلحة التي تأسست مطلع 2004 وتتبع فكرياً لتنظيم القاعدة، وتبنت عمليات إرهابية عديدة أودت بحياة المئات.
ويرى المحلل الأمني والسياسي عبدالرحمن سهل أن هجوم مقاتلي حركة الشباب ليس إلا محاولة يائسة تحاول استباق عملية أمنية أعلنت عنها الحكومة الصومالية لدحر الإرهابيين في قرى وبلدات جنوب ووسط البلاد.
وقال سهل إن “الهجوم يحمل في طياته رسائل داخلية وخارجية. ففي الداخل تريد الحركة استعراض قوتها، واستعداد مقاتليها لمواجهة أي عملية أمنية ضدها في المرحلة المقبلة. أما في الخارج، فتحاول التمدد عبر الأراضي الإثيوبية لإعلان تمسكها بهدف إنشاء دولة إسلامية في المنطقة الأفريقية”.
ويشير سهل إلى أن الحركة حصّلت أموالا ضخمة في السنوات الخمس الماضية، بما يمكّنها من استمرار قتالها واستقطاب مقاتلين جدد.
وحول ما إذا كانت العملية الحكومية ستحقق مكاسب ميدانية ضد الشباب أوضح سهل أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود كشف في أكثر من مناسبة عن مخطط أمني حكومي ضد الحركة بهدف الحد من التهديدات الإرهابية التي تطال العاصمة مقديشو.
وأضاف أنه في حال عاد التنسيق بين القوات المشتركة الحكومية والأفريقية وتفعيل واشنطن لغاراتها ضد معاقل حركة الشباب ستحقق العملية العسكرية المنتظرة مكاسب كبيرة على حساب مقاتلي الشباب الذين ينشطون في بلدات جنوب ووسط البلاد.
وأظهرت الاضطرابات الإقليمية في الحدود المشتركة مدى حاجة إثيوبيا والصومال إلى تعزيز تعاونهما العسكري والاستخباراتي للحد من محاولة حركة الشباب نقل أنشطتها الإرهابية إلى رقعة أوسع.
وقال المحلل السياسي أحمد عينب إن “التعاون الأمني بين البلدين موجود فعلا، لكنه يتطلب التعزيز والتطوير للحيلولة دون تحويل المناطق الحدودية ملاذا لعناصر الشباب”.
وأوضح أن زيارة رئيس الأركان الصومالي أدوى يوسف راغي إلى المناطق الحدودية التي شهدت الهجوم تشير إلى مدى جدية الجانب الصومالي للتفاعل مع هذا التصعيد الأمني الخطير.