أثار مشهد العلم الصومالي وهو يرفرف بجوار أعلام الأعضاء السبع لمجموعة شرق أفريقيا في القمة الأخيرة بجمهورية تنزانيا، فرحة كبيرة لدى كل صومالي يحلم بعودة بلاده لكل المحافل الدولية بقوة وبسرعة، ولم تكن كلمات الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال هذه القمة والتي أعرب فيها عن سعادته بهذا المشهد، معبرة عن مشاعره وحده وإنما عن مشاعر ملايين الصوماليين الذين يحبون بلادهم ويتوقون لازدهارها وانتعاشها اقتصاديا من خلال مد جسور التعاور مع دول الجوار الإقليمي بل ومع كل دول العالم.
لقد مر الصومال بسنوات عجاف طويلة ولا زال يعاني من توابع ويلات تلك الفترات الصعبة التي ساهمت فيها الأحداث السياسية والكوارث الطبيعية في تعميق معاناة شعبه وصولا للحالة الخطيرة التي يمر بها من جراء الجفاف الذي يهدد كافة أوجه الحياة. ولذلك يبحث الصومال عن كل المنافذ الخارجية لتوسيع فرص الإستثمار والتنمية وزيادة القدرة على مواجهة الأوضاع الصعبة والتغلب عليها للعبور نحو مستقبل أفضل في ظل أجواء الأمل التي يبثها وصول الرئيس الجديد شيخ محمود للسلطة بكل ما يتمتع به من صفات شخصية وخبرة براجماتية وحكمة سياسية تجعله أهلا لتحقيق آمال كثيرة يعلقها عليه أبناء شعبه.
ومن هذا المنطلق كان حرص الرئيس شيخ محمود على زيارة تنزانيا ضمن جولاته الخارجية الأخيرة، وهي الزيارة التي تواكبت مع حدث كبير وهو انعقاد القمة الثانية والعشرين لمجموعة شرق أفريقيا والتي حظي الحضور الصومالي فيها بحفاوة كبيرة جددت الآمال في تحقيق حلم ملايين الصوماليين بقبول طلب انضمام الصومال لهذه المجموعة الإقتصادية ذات الوزن الثقيل في القارة السمراء وفي منطقة المشرق الأفريقي على وجه الخصوص.
جدير بالذكر أن مجموعة دول شرق أفريقيا(EAC) تعتبر واحدة من التكتلات الاقتصادية الإقليمية الأسرع نموا في العالم ، وهي تعمل على توسيع وتعميق التعاون بين أعضائها من الدول المتشاركة في مختلف المجالات الرئيسية لتحقيق المصالح المتبادلة وذلك في مجال السياسة والاقتصاد والجانب الاجتماعي والثقافي. وتتكون(EAC) وهي منظمة حكومية دولية إقليمية من 7 دول هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية ، وجمهورية بوروندي ، وكينيا ، ورواندا ، وجنوب السودان ، وأوغندا ، وجمهورية تنزانيا ، ومقرها في أروشا، التنزانية.
نشأت المجموعة (EAC) بناء على معاهدة تم توقيعها في 30 نوفمبر 1999 ودخلت حيز التنفيذ في 7 يوليو 2000 بعد التصديق عليها من قبل الدول الشريكة الثلاث الأصلية – كينيا وتنزانيا وأوغندا. وقد انضمت جمهورية رواندا وجمهورية بوروندي إلى معاهدة مجموعة شرق إفريقيا في 18 يونيو 2007 وأصبحتا عضوين كاملين في المجموعة اعتبارا من أول يوليو 2007 ، في حين انضمت جمهورية جنوب السودان إلى المعاهدة في 15 أبريل 2016 وأصبحت عضوا كاملا في 15 أغسطس 2016. وأخيرا انضمت جمهورية الكونغو الديمقراطية ، كأحدث عضو في المجموعة ، إلى معاهدة مجموعة شرق أفريقيا في الثامن من أبريل 2022.
خلال زيارته لتنزانيا وفي خضم حضوره لفعاليات القمة الهامة تقدم الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بطلب رسمي للإنضمام لمجموعة شرق أفريقيا على أمل أن يكون الصومال العضو رقم 8 فيها وأن يستطيع تحقيق الإستفادة الإقتصادية الكبرى بالتواجد تحت مظلة واحدة مع أعضاء التكتل الإقتصادي الأفريقي الكبير بجانب تعاونه معهم من خلال ما يمتلكه من ثروات طبيعية وخيرات متنوعة ومساحات شاسعة تنتظر من يستثمرها ويستكشف كنوزها الدفينة ويجني ثمارها.
تتمثل رؤية EAC، والتي تأسست على قيم المسؤولية والشفافية والوحدة في التنوع والعمل بروح الفريق بحسب ما جاء على موقعها الرسمي، في أن تكون شرق أفريقيا مزدهرة وتنافسية وآمنة ومستقرة وموحدة سياسيا.
وعلى ذلك أخذت دول المجموعة على عاتقها تحقيق مهمة أساسية تتمثل في توسيع وتعميق التكامل الإقليمي الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي من أجل تحسين نوعية حياة شعوب شرق إفريقيا من خلال زيادة القدرة التنافسية والإنتاج ذي القيمة المضافة و تنشيط التجارة البينية ودعم الاستثمارات.
وتعتبر EAC سوقا حيويا واسعا ومهما حيث تبلغ مساحة مجموع أراضي أعضائها 4.8 مليون كيلومتر مربع ويعيش على هذه المساحة أكثر من 300 مليون إنسان ، تتجاوز نسبة سكان الحضر فيها أكثر من 22 ٪. ووفقا لإحصائيات EAC لعام 2019 يبلغ إجمالي الناتج المحلي لأعضاء هذه المجموعة 240 مليار دولار أمريكي ، ومن ثم فإن عضوية هذه المجموعة يمثل أهمية كبرى ليس على الصعيد الإقتصادي فقط وإنما الإستراتيجي والسياسي أيضا. وتعتبر السياحة من أهم مصادر دخل الدول الأعضاء في هذه المجموعة، وتتركز صادراتها في السلع الزراعية كالشاي والبن والتبغ بالإضافة إلى الحجر الجيري والمعادن كالذهب والماس وبعض المنتجات اليدوية. وفي عام 2004 تم اعتماد تبادل السلع المعفاة من الجمارك إضافة إلى تحديد تعريفة جمركية خارجية موحدة بحيث تم تحديد نسبة 25% على السلع تامة الصنع و10% على السلع الوسيطة.
وعلى مدار سنوات تأسيس التكتل الإقتصادي الكبير في شرق أفريقيا، دخلت المجموعة في شراكة مهمة مع أطراف دولية عديدة حققت من خلالها استفادة اقتصادية كبيرة تمثلت في الحصول على مساعدات تقنية ومالية من مؤسسات دولية كبرى كالبنك الدولي والبنك الأوروبي للإستثمار والإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وبنك التنمية الأفريقي وأمانة الكومنولث بالإضافة إلى وكالات دولية مهمة منها الوكالة الدانمركية للتنمية الدولية (دانيدا)، الوكالة الألمانية للتعاون التقني (جي تي زد) وغيرها. ونجحت المجموعة في توقيع اتفاقيات عديدة للدخول في برامج تعاون أو مذكرات تفاهم في مجال الأغذية والزراعة والأرصاد الجوية. كما استطاعت إنجاز مشروعات عديدة داخل دول المجموعة أثمرت عنها هذه الشراكة مع دول العالم ومؤسساته منها مشروع شبكة طرق شرق أفريقيا لتيسير التواصل بين دول المجموعة بما يسهم في دعم وتوطيد علاقات التعاون فيما بينها.
ومن هنا تزداد أهمية الإنتماء لمجموعة شرق أفريقيا باعتبارها جسرا مهما للتواصل مع منظمات أخرى مهمة تفتح الآفاق للإنفتاح على كافة أرجاء القارة الأفريقية حيث توجد مبادرة ثلاثية لاتفاق التجارة الحرة بين السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي ومجموعة شرق أفريقيا ومجموعة تنمية الجنوب الأفريقي، والتي تعد تمهيدا لاتفاق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وهو ما يعني خلق أسواق واسعة أمام اقتصادات الدول الأعضاء بالإنفتاح على سكان مختلف أرجاء القارة وكذلك إتاحة الفرصة لاستثمارات كبرى بمزايا كثيرة منها العمالة الرخيصة والمواد الخام والأراضي الشاسعة والموارد المتنوعة.
أمام هذه المزايا والفرص الكبرى لتحقيق التنمية والإزدهار الإقتصادي الذي ينعكس بدوره على مستويات الرخاء المجتمعي، تأتي أهمية انضمام الصومال لهذا الكيان الإقتصادي ذي الوزن الثقيل EAC ، وهو ما كان دافعا قويا لطلب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مؤخرا بانضمام بلاده لمجموعة شرق أفريقيا. وتتيح عضوية الصومال لهذه المظلة فرصا واعدة للصوماليين، منها الاستفادة من الإعفاءات الضريبية في تصديره لبضائعه لباقي دول المجموعة والإستفادة من حقوق تجارية مشتركة مع دول الإقليم وكذلك تيسير حركة النقل في ظل وجود جواز سفر موحد بين الأعضاء.
وهذه ليست المرة الأولى التي يطلب فيها الصومال الإنضمام لمجموعة شرق أفريقيا ، حيث شهد عام 2016 مطالبة سابقة بالعضوية، وجاء البيان الصحفي الختامي الصادر عن اجتماع المجموعة مؤخرا في تنزانيا بتأجيل البت في الطلب للدورة المقبلة في العام القادم تأكيدا على أهمية توافر اشتراطات ومعايير حتى تتم الموافقة على طلب العضوية، حيث تم التصريح خلال هذه القمة أنه لا يمكن التأكيد بسرعة على اعتراف حكومة الصومال بانضمامها إلى هذه المظلة كما طلبت المجموعة من الحكومة الصومالية تقديم تقريرها إلى قمة تكتل شرق أفريقيا في الاجتماع الثالث والعشرين العام المقبل.
لقد بذل الرئيس شيخ محمود جهودا كبيرة خلال زيارته إلى تنزانيا ولقاءاته ومحادثاته مع الدول الأعضاء في مجموعة شرق أفريقيا على هامش مشاركته فى هذه القمة وناقش معهم قضية انضمام الصومال إلى المجموعة. وتحدث الرئيس الصومالي عن الفرص الإقتصادية والعمل الجاد والموارد الطبيعية مثل المعادن والثروة الحيوانية والزراعة التي يتمتع بها الصومال، والتي تجعله جديرا بهذه العضوية وتؤكد تمتعه بمستقبل واعد بما يمتلكه من كنوز وثروات وفرص ومزايا لتحقيق التنمية والإستثمار الذي يعود بالنفع على كل دول المنطقة. وأنه من هذا المنطلق تقدم بطلبه الرسمي لقبول عضوية الصومال بمجموعة شرق أفريقيا.
وهنا يثور التساؤل: هل حان الوقت لتحقيق الحلم الصومالي بعضوية هذا التكتل الإقتصادي الكبير؟ وهل يمتلك الصومال مقومات تحقيق هذا الحلم؟!
لاشك أنه على الصعيد الإقتصادي والإستراتيجي، يمتلك الصومال العديد من المقومات العظيمة خاصة في ظل موقعها المتميز والإمكانيات الكبيرة والمزايا المحفزة للدخول في شراكات وأوجه عديدة للتعاون مع دول الجوار وكذلك الدخول في عضويات إقليمية مهمة مثل مجموعة شرق أفريقيا.
ولكن تبقى معضلة أساسية مرتبطة بالإشكالية الأمنية وعلاقتها بجماعات العنف المتشددة وعلى رأسها جماعة الشباب التي تمثل تهديدا للتنمية وأنشطة البناء والتعمير بل ولأي استثمار. كما تعد مسألة الإستقرار السياسي والأوضاع الداخلية الهادئة من المعايير المطلوبة لتشجيع الشركاء على التعاون مع الصومال وإتاحة الفرصة له لعقد شراكات تمكنه من تقاسم المصالح التي يتمتع بها المنتمون لمظلة مجموعة شرق أفريقيا.
ويعول المراقبون كثيرا على وجود شيخ محمود في الحكم في تحقيق وكفالة الإستقرار السياسي المطلوب في ظل حالة التوافق السياسي حوله بفضل ما يتمتع به من قدرات وسمات تكسبه ثقة شعبه، وتمكنه من التعامل مع الأوضاع بشكل عقلاني براجماتي يسهم في تحقيق السلم المجتمعي والرضاء الشعبي. وفيما يتعلق بالجانب الأمني، عليه أن يبذل مزيدا من الجهد مع مختلف الجهات المعنية للقضاء على خطر الإرهاب والعنف وتقويض جماعة الشباب حتى لا تثير مخاوف لدى دول التكتل من امتداد مخاطرها لها واختراقها لأمنها في ظل إتاحة حرية الدخول والخروج بين أعضاء التكتل.
وعليه يمكن القول بأن الصومال بات في منتصف الطريق نحو الإنضمام لمجموعة شرق أفريقيا وفي انتظار ما تسفر عنه السنة المقبلة حتى موعد تقديم التقرير إلى قمة 2023 .