أعلن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال خطاب ألقاه أخيراً ضرورة شن حرب اقتصادية على حركة الشباب المتطرفة، بغرض عرقلة نشاطها في البلاد من خلال التعاون داخلياً وخارجياً لتجفيف منابع تمويل الحركة.
وحث الرئيس المواطنين على عدم الخضوع لتهديدات عناصر الحركة وتطهير أجهزة الدولة من المرتبطين بها.
وأكد حيوية استمرار الدعم الدولي لجهود الدولة الصومالية للقضاء على الإرهاب، مبرراً خطورة الحركة عبر اتهامه لها بتمويل تنظيمات إرهابية في كل من نيجيريا وموزمبيق.
وسرعان ما خرجت الحركة المتطرفة ببيان مضاد اتهمت فيه الرئيس بتنفيذ مخططات خارجية تهدف إلى رهن الصومال لشركات أجنبية، ونيته إفقار الشعب وتبديد ثروات رجال الأعمال لتدمير ما تبقى من الاقتصاد الصومالي، بهدف إخضاع موارد البلاد لدول خارجية.
ارتباطات عقدية:
زكريا آدم، من مركز “هرجيسا” للدراسات والبحوث، لا يستبعد وجود ارتباطات مباشرة وغير مباشرة بين مجمل الحركات المتطرفة في العالم وليس فقط أفريقيا، مضيفاً “لم يكن إعلان حركة الشباب ولاءها لـ (القاعدة) بعد سنين من ظهورها على الساحة الصومالية تصرفاً اعتباطياً، إذ بدا أنه تم الإعداد لتلك الخطوة بتأن، لتتمكن أن تكون جزءاً من شبكة علاقات عمادها التمويل والمعلومات الاستخباراتية، بصورة موازية للشبكة الدولية المضادة لها، والمكونة من الدول المتحالفة لمكافحة الإرهاب، ويبدو أن الحركة استفادت في مراحل معينة من تلك الشبكة، بحيث توصلت إلى التمويل الخارجي وحصول عناصرها على التدريب والخبرات الاستخباراتية والقتالية والإدارية، مما سمح لها بالاستمرار حتى هذه اللحظة، كما ليس مستبعداً أن تتحول هي ذاتها مع مرور عقد على انضمامها لتلك الشبكة إلى مصدر للتمويل والخبرات الاستخباراتية والإدارية والقتالية”.
ويدلل آدم على إمكان ذلك بالقول، “ليست مصادفة إطلاق السكان المحليين اسم (الشباب) على الحركة المتطرفة في موزمبيق، على الرغم من عدم إعلان علاقتها المباشرة بالحركة الصومالية الأصلية إلا من خلال أفراد قدموا التدريب لعناصر الجماعة الموزمبيقية، مع عدم حرص الجماعة الصومالية على إعلان وجود علاقة بها باكراً، على خلاف الحال مع بوكو حرام في نيجيريا وحوض بحيرة تشاد، التي تجتمع مع (الشباب) تحت مظلة تنظيم القاعدة، إلا أن وجود ارتباطات عقدية وفكرية بين تلك المجموعات بالمجمل يبقي الباب موارباً أمام ذلك الاحتمال، فمن طبيعتها العمل السري والتحالف حال مواجهتها عدواً مشتركاً”.
مرونة الحركة نقطة قوة:
وتقول سميرة غيد من معهد “هيرال” للدراسات الأمنية في مقديشو، “من خلال الدراسات التي أجريناها حول مصادر دخل ومصاريف الحركة، وجدنا أنها تحقق دخلاً شهرياً يتجاوز 24 مليون دولار أميركي، من خلال مصادر متنوعة خلقتها ضمن المجتمعات الصومالية، تتضمن قائمة طويلة من الضرائب والرسوم تغطي معظم التعاملات المالية والاقتصادية والتجارية في البلاد، مع امتلاك الحركة القدرة على ممارسة العنف أو العقاب اللذين يفترض أن يكونا حكراً على الدولة، إذ ترصد البضائع في الموانئ والطرق البرية، وكذلك تحقق دخلاً كبيراً من خلال الرسوم التي تفرضها على تداول العقارات والأملاك والزكاة والأموال التي يدفعها أصحاب الأعمال والمحال التجارية، سواء في الأسواق الرئيسة بالعاصمة أو المناطق النائية، ويصرف ربعها على شراء الأسلحة، مما يعني أن لديها القدرة على الإنفاق على بنود أخرى من دون استبعاد قدرتها على دعم المنظمات الأخرى المناظرة في المحيط الجغرافي وعلى المستوى القاري”.
وتؤكد غيد استطاعة حركة “الشباب” تمرير مخططاتها بكفاءة لافتة، مؤكدة أن “للحركة قدرة كبيرة على عمل شبكة علاقات تصب في مصلحة أهدافها، والأدل على ذلك نجاحها في شراء أسلحة من الخارج والداخل بأكثر من 70 مليون دولار سنوياً، مما يعني أنها متفوقة في ذلك المجال على الحكومة المركزية وإدارات الولايات مجتمعة، نظراً إلى عجز الأجهزة الحكومية الصومالية عن تجاوز الحظر الدولي على التسليح، في حين تتنصل الحركة من تلك القيود بسهولة”.
شكوك حول دعاوى الرئيس:
ولا يخفي الصحافي المقيم في العاصمة الصومالية مقديشو محمود موسى حسين تحفظاته على ما ورد في بيان الرئيس الصومالي، معتبراً أنه يفتقر إلى الدقة ويتجاهل حقائق جيو-سياسية تكاد تحدد طبيعة نشاط تلك المنظمات. ويضيف، “على الرغم من كثرة المؤشرات التي تجعل ترجيح ارتباط حركة الشباب الصومالية بتنظيمات خارج القرن الأفريقي أمراً منطقياً، فإنه لا توجد أدلة واضحة على أن حركة (السنة والجماعة) في موزمبيق ذات ارتباط مباشر معها، بل إن هناك مؤشرات إلى نشاط خارجي كبير لتنظيم الدولة الإسلامية في القرن الأفريقي، في مسعى لتوسيع مناطق نفوذه وزيادة قدرته على مواجهة حركة الشباب في الصومال، إذ تم رصد أموال تبدأ في الهلال الخصيب وتنتهي في منطقة البحيرات العظمى عبر اليمن والصومال، ضمن شبكة يديرها التنظيم، مستفيداً من تعاملات تجارية قائمة على نقل البضائع إلى دول مثل رواندا وبوروندي وتنزانيا”.
ويلفت حسين إلى النمط الجغرافي الذي تعمل الحركات والتنظيمات المتطرفة ضمنه، مضيفاً “من خلال متابعة النمط الجيو-سياسي لنشاط الحركات المتطرفة الأحدث على الساحة الأفريقية، يمكن للمراقبين ملاحظة زيادة نشاط تلك التنظيمات في الأقاليم الجغرافية الأكثر ثراءاً بالموارد والخامات الطبيعية من الطاقة والمعادن الثمينة والعناصر المشعة، إذ تزداد وتيرة العمليات الإرهابية فيها، مع وجود أطراف أجنبية متنافسة مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا، وهو الملاحظ في أقاليم الساحل والصحراء المنتجة لليورانيوم والوقود الأحفوري مثل مالي وحوض بحيرة تشاد، وكذلك منطقة البحيرات الكبرى الغنية بالمعادن النادرة والأحجار الكريمة مثل شرق الكونغو، ومناطق إنتاج الغاز الطبيعي في موزمبيق”.
وأتى تولي الرئيس الحالي للسلطة بعد مرحلة سياسية صعبة سادت فيها حال من الركود الاقتصادي وتزعزعت الثقة الشعبية بالحكومة.
ويشير آدم إلى أن الحركة استخدمت لهجة شديدة السخرية من إعلان الرئيس شيخ محمود ضرورة محاربتها اقتصادياً، واعتبرت أن ما ورد في بيانه “مثير للضحك”، بل وساقت جملة من الاتهامات ضد الرئيس، موجهة الخطاب إلى فئتين من المجتمع الصومالي، الأولى هي الفئات الشعبية ذات العواطف الوطنية، واصفة إياه بأنه يرغب في بيع موارد البلاد لأطراف أجنبية، والثانية هي طبقة رجال الأعمال عبر تخويفهم من أن ما يقوم به الرئيس يهدف إلى تدمير ثرواتهم واستنزاف اقتصاد البلاد لمصلحة دول أخرى.