في خطاب تنصيبه في أوائل شهر يونيو الماضي، لفت الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود الانتباه إلى التهديد بالمجاعة المتمثل في الجفاف الشديد الذي يؤثر على القرن الأفريقي، وعكس طلبه التعامل مع ذلك التحدي صدى طلبات منظمات إنسانية حذرت من أن أسوأ موجة جفاف منذ 40 عامًا تمثل تحديا كبيرا في المنطقة، قد ينجم عنها تضور ملايين البشر من الجوع.
على مدار أربعة مواسم لم تهطل الأمطار في المنطقة، مما أدى إلى تدمير المحاصيل، وقتل الماشية، وإجبار الملايين على مغادرة موطنهم في بحث يائس عن الطعام. وفي حين أن مصدر القلق الرئيسي هو كيفية التعامل مع الأزمة وتقديم الدعم في الوقت الحالي، فإن الخوف يكمن في أن الوضع سيزداد سوءًا، خاصة إذا لم تسقط الأمطار.
وعلى الرغم من أن منطقة القرن الأفريقي بشكل عام متضررة من ذلك الجفاف، إلا أن المشكلة عصية بشكل خاص في الصومال وإثيوبيا وكينيا، ففي الصومال يواجه حوالي 7.1 مليون شخص مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، وكذلك 7.2 مليون شخص في إثيوبيا، و4.1 مليون في كينيا، كما يواجه حوالي 7.1 مليون طفل في البلدان الثلاثة جوعًا شديدًا، ويعاني مليونان منهم بالفعل من سوء التغذية الحاد.
الجوع والمجاعة هما مخلفات الجفاف الشديد، ويساهم نقص المياه في زيادة أخطار الإصابة بالأمراض التي تنقلها المياه مع الاستهلاك المكثف لما تبقى منها. وعلاوة على ذلك، فإن الحاجة إلى السفر لمسافات أطول للحصول على المياه تعرض النساء والفتيات بشكل خاص لخطر العنف القائم على التمييز بين الجنسين، حيث تصبح الفتيات أكثر عرضة للتغيب عن المدرسة. وقد حذرت اليونيسيف من أن ظاهرة زواج الأطفال قد بدأت بالفعل في الازدياد في المنطقة، كحل يائس وأخير تلجأ إليه الأسر المحتاجة.
وكان الجفاف الكبير الذي أصاب المنطقة في عام 2011 قد تسبب في مقتل حوالي 260 ألف شخص، أكثر من نصفهم كانوا من الأطفال، وهناك مخاوف من أن يؤدي الجفاف الحالي إلى ارتفاع حصيلة الخسائر في جميع أنحاء القرن الأفريقي، وخاصة في الصومال.
وعلى الرغم من أن الطقس هو العامل البارز في هذه الأزمة، إلا أن الأزمة تفاقمت حدتها بسبب الاضطراب الناجم عن الوباء، فضلا عن تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على إمدادات الغذاء والتجارة العالمية، حيث إن قرابة تسعة أعشار واردات القمح الصومالية تأتي من روسيا وأوكرانيا. وأدى توقف الصادرات الناجم عن الصراع إلى نقص حاد في المواد الغذائية وارتفاع حاد في أسعارها في جميع أنحاء المنطقة، وقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية بنسبة الثلثين في إثيوبيا والثلث في الصومال.
وتعتبر الأحداث التي وقعت في القرن الأفريقي تذكيرًا مفيدًا بأن الجوع والمجاعة نادرًا ما يكونان نتاج الجفاف فقط، حتى لو طال أمده مثل الجفاف الحالي، بل إن الجوع والمجاعة قائمان على السياسات المالية، حيث ترتبط معاناة القرن الأفريقي بمزيج من اضطرابات تجارة المواد الغذائية الناجم عن الحرب، والتضخم، وانخفاض إنتاج الغذاء، ومجتمع المانحين غير القادر أو غير الراغب في الاستجابة.
وتقف التغيرات المناخية وراء تلك الأسباب المباشرة، حيث وصف جان إيجلاند الأزمة، وهو من يقود المجلس النرويجي للاجئين في شهر يونيو، بأنها “حالة طوارئ مناخية في الصومال”، ولفت الانتباه إلى التأثير الحقيقي لتغير المناخ في العالم على زيادة شدة مثل تلك الكوارث وتواترها.
وعلى الرغم من أن هذه الأزمة لم يسبق له مثيل، إلا أن الواقع هو أن فترات الجفاف الطويلة وخطر المجاعة من المرجّح أن تحدث بشكل متكرر أكثر في المناطق التي تعرضت منذ فترة طويلة إلى أزمات توفر الغذاء، كما حدث في منطقة القرن الأفريقي. وهذه ليست أزمة تتطلب حلًا فحسب، بل إنها أزمة تنبه لضرورة الإعلان عن حالة طوارئ والتصدي لظروف مناخية قد تدفع الملايين من البشر إلى حافة الجوع الشديد، لاسيما في المناطق وبين الفئات الأكثر ضعفًا في العالم.
ولكن، على الرغم من حجم المعضلة، فإن استجابة المجتمع العالمي لم ترق إلى مستوى التحدي، حيث قام المانحون بتمويل 28 في المئة فقط من 1.8 مليار دولار طلبتها الأمم المتحدة لتلبية الاحتياجات العاجلة للمنطقة. وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 108 ملايين دولار فقط استجابة لمجاعة القرن الأفريقي، وذلك بفضل الحرب الواقعة في منطقة الجوار، والتزمت الولايات المتحدة بمبلغ مماثل، بينما وعدت المملكة المتحدة بحوالي 48 مليون دولار.
أما بالنسبة إلى دول الخليج التي لها روابط تاريخية وثقافية واقتصادية مع القرن الأفريقي، فإن مساعدة القرن هي فرصة ضائعة حتى الآن، وقد انضمت كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى قائمة أكبر 20 جهة مانحة للمساعدات الإنسانية، لكن الكثير من إنفاقهما كان يركز على اليمن، وكلاهما قطع دعمه بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو استجابة تركيا المحدودة بمبلغ 200 ألف دولار فقط للصومال، في حين أن أنقرة لديها مصالح دبلوماسية واقتصادية واضحة في المنطقة (خاصة في الصومال)، ويمكن لتركيا فعل المزيد للمساعدة.
بالإضافة إلى الالتزامات الدولية المتزايدة، هناك أيضًا حاجة إلى تغيير منهجي، فعلى المانحين الابتعاد عن نماذج التمويل التفاعلية (التي تبدأ عندما تصل الأزمة إلى نقطة حرجة) والانتقال إلى النماذج الاستباقية، والتي من شأنها أن تساعد في ضمان أن المنظمات الإنسانية لديها الموارد اللازمة للاستجابة بمجرد ظهور أيّ أزمة. إن الاعتماد على حسن نية المانحين في وقت الأزمات العالمية، هو طريقة غير فعالة للاستجابة لتحدّ بهذا الحجم.
وبالنسبة للرئيس محمود، فإن الجفاف يمثل تحديًا آخر وهو في طور استعادة منصبه كرئيس، فهذه هي ولايته الثانية، ولا تزال بعض التحديات التي قوضت رئاسته في الفترة ما بين 2012 – 2017 قائمة، مثل مستويات الفساد العالية، والتوترات بين النخب الحاكمة، والعنف المستمر من جانب حركة الشباب المتمردة.
لكن تجاهل المجتمع العالمي للأزمة الحادة والمتفاقمة لن يؤدي إلا إلى زيادة صعوبة إدارة شؤون البلاد، مما يجعل الملايين يواجهون الجوع الشديد مع استمرار المجاعة التي تعمقها التغيرات المناخية في منطقة القرن الأفريقي.
*خبير في التنمية الدولية