الرئيسيةكتابات راي

العلاقات الصومالية الإماراتية.. تطور لافت بعد طي صفحة فرماجو

كتب : صفاء عزب

تحرص الصومال على دعم وتوطيد علاقاتها الطيبة بمختلف دول العالم وخاصة العالم العربي الذي تنتمي إليه، لا سيما بعد تولي الرئيس حسن شيخ محمود الحكم مؤخرا وسعيه الحثيث للتواصل مع مختلف الأطراف العربية ، إلا أن اللافت للنظر هو طبيعة الخصوصية التي تتسم بها علاقة الصومال بدولة الإمارات العربية، والتي كانت أول محطة للرئيس الصومالي الجديد في أولى جولاته الخارجية عقب انتخابه رئيسا للبلاد.

لقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة في مقدمة الدول الداعمة للصومال واستقراره بإتمامه الإستحقاق السياسي التاريخي المتمثل في نجاح عملية الإنتخابات الرئاسية الأخيرة. وحرصت دولة الإمارات أن تكون شاهدة على تلك اللحظة التاريخية والحاسمة في تاريخ الصوماليين ، فكانت في طليعة الوفود العربية رفيعة المستوى التي حرصت على حضور مراسم تنصيب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بالعاصمة مقديشو، حيث شاركت الإمارات بوفد رفيع المستوى برئاسة الشيخ شخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير دولة بوزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية، وذلك نيابة عن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة. وعكست كلمة ممثل الوفد الإماراتي قوة العلاقة المتينة التي تجمع بين البلدين، حيث أكد الشيخ شخبوط بن نهيان التزام دولة الإمارات بمواصلة تقديم الدعم والمساندة للشعب الصومالي الشقيق، والوقوف إلى جانبه في سعيه لبناء دولة مستقرة ، وذلك من منطلق العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين والشعبين الشقيقين. كما أكد على حرص بلاده على تعزيز التعاون مع الصومال في كافة المجالات، ومساندتها للصومال في تحقيق التنمية والإزدهار ومكافحة الإرهاب.

ازدهار العلاقة:

تجسدت خصوصية العلاقة بين الشقيقين العربيين في اختيار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لدولة الإمارات لتكون وجهته الخارجية الأولى في أول زيارة له للخارج خلال ولايته الجديدة فكانت أبوظبي هي أول عاصمة يزورها الرئيس الصومالي. وقد لقيت زيارته ترحيبا كبيرا من الجانب الإماراتي حيث استقبله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في قصر الشاطئ، وهنأه بتوليه مهام رئاسة الصومال. وخلال هذه الزيارة أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان دعم دولة الإمارات لكل ما يحقق تطلعات الشعب الصومالي إلى التنمية والاستقرار والازدهار وبناء مستقبل أفضل لأبنائه يسوده السلام والرخاء والإزدهار.

وتأكيدا على عمق العلاقات الأخوية بين الصومال والإمارات قال الدكتور أنور بن محمد قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، إن قيادة الإمارات دائمة الحرص على الوقوف مع الأشقاء والأصدقاء في أحلك الظروف وإن اللقاء الإيجابي للشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع الرئيس الصومالي يقع ضمن شبكة ضخمة من العلاقات التي يحرص عليها رئيس الدولة.

وقد ساهمت المبادرات الإنسانية الإماراتية وأياديها البيضاء في مختلف بقاع الأرض في توطيد العلاقة الصومالية الإماراتية وذلك من خلال التوجه الإماراتي الداعم للصومال من خلال المساعدات التي تحرص على تقديمها للشعب الصومالي للتغلب على صعوبات الحياة ومواجهة مشاكل الجفاف وآثاره. وتعد الامارات أول دولة تستجيب للإستغاثة التي أطلقها رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي أوائل العام الحالي لإغاثة الشعب الصومالي من كارثة الجفاف حيث بادرت الإمارات بإقامة جسر جوي الى الصومال وقدمت كميات كبيرة من المساعدات الغذائية. وتتواصل جهود الدعم الإماراتي لشقيقتها العربية في مختلف الظروف وليس فقط في الأزمات حيث تم تقديم مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 35 مليون درهم إلى دولة الصومال لتدعيم أنشطة التنمية فيها وذلك بتوجيهات من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يشيد به المسؤولون الصوماليون على كافة المستويات.

مبادرات إماراتية:

وفي هذا الإطار توجت زيارة الرئيس الصومالي للإمارات ولقاؤه برئيس الإمارات ، بالاتفاق على مبادرات إماراتية تُسهم في دعم الشعب الصومالي، بدءا من منحة 20 مليون درهم لمواجهة ملف الجفاف، وتسهيل إجراءات دخول المواطنين الصوماليين إلى دولة الإمارات، بالإضافة إلى الدعم الصحي عبر إعادة افتتاح “مستشفى الشيخ زايد” في العاصمة مقديشو والذي يعد نموذجا من نماذج الأعمال الخيرية لدولة الإمارات في الصومال حيث كانت خدمات المستشفى الصحية تقدم مجانا.

كما كانت هناك لقاءات متكررة جمعت بين مسؤولين من الجانب الصومالي والإماراتي سبقت زيارة الرئيس شيخ محمود للإمارات، منها لقاء حول سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين رئيس مجلس الشعب في البرلمان الاتحادي الصومالي، الشيخ آدم محمد نور ”مدوبي” ، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة، لدى الصومال ، السفير محمد أحمد العثمان والذي كان قد استقبله أيضا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في مكتبه بالقصر الرئاسي. وكشف السفير الإماراتي بمقديشو عن استعداد بلاده للعمل مع مجلس الشعب الصومالي لتطوير موظفي المجلس، الأمر الذي يعكس تنوع مجالات العمل المشترك والتعاون المتواصل بين الصومال والامارات.

تأتي أهمية هذه اللقاءات على تلك المستويات الرفيعة في إزالة آثار التوتر الذي شهدته العلاقة خلال فترة حكم فرماجو خاصة بعد أزمة احتجاز لأموال إماراتية عندما احتجز نظام فرماجو عام 2018 دعما ماليا قدمته الإمارات للجيش الصومالي. كما تسبب النظام السابق في تعكير صفو العلاقة المتينة بين الصومال والإمارات حينما تم رفض اتفاق شركة موانئ دبي العالمية مع أرض الصومال لتطوير واستثمار ميناء بربرة، زاد من التوتر أن تزامن ذلك مع أزمة فرماجو ورئيس البرلمان وقتها محمد شيخ عثمان جواري الذي استقال على إثرها وتولى محله محمد مرسل شيخ عبدالرحمن، المعروف بولائه لفرماجو.

طي صفحة فرماجو:

ومع زوال نظام فرماجو وتولي شيخ محمود مهمة حكم البلاد خلفا له تم طي هذه الصفحة خاصة بعدما أعاد الصومال المبلغ المصادر وقيمته 9.6 مليون دولار إلى دولة الإمارات، في أعقاب تقديم رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي لاعتذار رسمي وعلني للإمارات، التي رحبت بالموقف الصومالي الرسمي . وعكست كلمات رئيس الوزراء الصومالي التطلع الحكيم للمضي قدما في توطيد علاقة بلاده الأخوية مع دولة الإمارات إذانا ببدء “فجر جديد من تطبيع العلاقات” على حد قوله.

وتقديرا للموقف الصومالي المتعقل ، قدم وزير الخارجية الإماراتي الشكر إلى رئيس الوزراء الصومالي لمساهمته في إذابة جليد التوتر وإعادة الدفء من جديد للعلاقة بين البلدين. كما أعرب أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، عن تثمينه لهذه الخطوة وقال إن الإعتذار الصومالي يفتح صفحة جديدة لتواصل الإمارات خطواتها لترميم الجسور بما يعزز الإستقرار والسلام.

ويرى المحللون أن حكمة الموقف الصومالي في تقديم الإعتذار الرسمي للإمارات يعد تصرفا جريئا لا يقدر عليه كثير من الدول الأخرى كما أنه أغلق الطريق أمام من يسعون لإفساد علاقة الصومال بشقيقاتها العرب، بجانب كونه خطوة مهمة لاستئناف العلاقات الصومالية الإماراتية وتصحيح مسارها بعد فترة التوتر التي شهدتها.

علاقات تاريخية:

 وتعد الصومال أحد دول منطقة القرن الإفريقي المهمة التي تحظى باهتمام الإمارات نظرا لموقعها الإستراتيجي الذي يجذب دولا عديدة منافسة، حيث تحرص على التواجد في المنطقة من خلال دعم استثماراتها فيها بما يضمن لها موضع قدم في المنطقة الحيوية عند مدخل البحر الأحمر.

وتكشف الوثائق التاريخية القديمة أن العلاقات الصومالية الإماراتية تضرب بجذورها إلى أزمنة بعيدة ، كما جمع بين البلدين مشاركتهما في تأسيس منظمة التعاون الإسلامي عام 1969. كما نشأت علاقات دبلوماسية طيبة بين البلدين عبر المراحل السياسية المختلفة بدولة الصومال.

وفي عام 2013 وقعت وزيرة خارجية الصومال وقتها فوزية يوسف آدم ونظيرها الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان مذكرة تفاهم بشأن التعاون الثنائي خاصة في المجال السياسي والأمني والإقتصادي، وإعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصومال والإمارات العربية المتحدة .

ويعول الخبراء كثيرا على سياسة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ذات التوجه الإنفتاحي على العالم في تحقيق مزيد من التقدم والتطور في علاقة بلاده بدولة الإمارات المتحدة مع ما تتمتع به هذه العلاقة من خصوصية شديدة، ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من المشروعات المشتركة خاصة في المجالات السياسية والأمنية إضافة إلى التوسع في الإستثمارات التنموية المهمة بما يحقق الإزدهار المنشود للشعب الصومالي ويكفل المصالح المشتركة للطرفين.

تسهيلات للصوماليين:

وينتظر أن يكون لرجال الأعمال الصوماليين والإماراتيين دور مهم في توطيد هذه العلاقة، وهو ما كان دافعا للرئيس الصومالي للإلتقاء بأفراد من الجالية ورجال الأعمال الصوماليين في دولة الإمارات خلال زيارته لأبوظبي حيث أطلعهم على الوضع العام في بلاده وترحيبه بالإستثمارات التي تنعش الإقتصاد خاصة في المجال الزراعي والثروة الحيوانية والثروات الطبيعية بجانب مجالات تنمية البنوك.

وكانت زيارة الرئيس الصومالي للإمارات قد أثمرت أيضا عن تسهيل حصول الصوماليين على تأشيرات الدخول إلى دولة الإمارات، من خلال سماح السفارة الإماراتية في مقديشو للصوماليين بأخذ التأشيرات مباشرة منها، وذلك تأكيدا على استئناف العلاقات بشكل أقوى وبث الروح فيها من جديد في إطار من المحبة والوئام.

وستكشف الفترة المقبلة ترجمة هذه الطموحات المشتركة بين البلدين على أرض الواقع شريطة توفر المناخ المناسب وخاصة ما يتعلق بالإستقرار الأمني في الصومال وعودة الهدوء والسلام إلى الشارع الصومالي حتى يتفرغ الشعب للعمل والإنجاز وتجاوز المراحل الصعبة وصولا للإزدهار والإنتعاش.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق