تسعى تركيا مرة أخرى إلى تحويل الأنظار عن أزمتها الداخلية المتراكمة بالتركيز أكثر على المحاور الإقليمية، فالصومال يبدو هدفا استراتيجيا وهي تعمل للتأثير السياسي من بوابة الدعم الأمني والعسكري والاقتصادي بغية تأمين حلفائها في السلطة الجديدة، وبالتالي تكريس نفوذها في القرن الأفريقي.
وتشكل محاولة تركيا إعادة صياغة أجندة تراعي مصالحها في الصومال في خضم التحولات الإقليمية والدولية، أحد الأهداف الرئيسية التي تعمل عليها الآن لتقوية نفوذها في القرن الأفريقي.
واعتبر محللون أن زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى تركيا، والتي بدأت الأحد الماضي، وهي ثاني محطاته الخارجية بعد الإمارات منذ توليه منصبه، تحمل أبعادا كثيرة في ظل التحديات الأمنية الجاثمة على البلد منذ سنوات طويلة.
ويحاول شيخ محمود من خلال الزيارة البحث عن دعم إنساني تركي لتجاوز الأزمة الإنسانية الراهنة التي تضرب البلاد، في ظل تراجع الدعم والمساندة الدولية، فيما تريد أنقرة الحصول على مكاسب من البوابة الأمنية.
وتشير السياسة الخارجية المنتهجة من قبل تركيا في ظل قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تجاه الصومال، إلى مدى إدراك أنقرة لأهمية هذا البلد لمصالحها الاستراتيجية.
وحاولت تركيا طيلة العقد الماضي تقديم نفسها كفاعل مهم في المسار السياسي المعقد، الذي لا يزال يواجهه الصوماليون بصعوبة بالغة.
لكن يبدو أن استمالتها لمقديشو في هذا التوقيت لها ما يبررها، فهي تكشف عن مدى ضيق هوامش المناورة بالنسبة لها، والذي أبانه توددها إلى السعودية والإمارات ومصر في الفترة الأخيرة.
ويعتبر مراقبون أن تركيا لعبت دورا رئيسيا إلى جانب قطر في التحركات السياسية والعسكرية في الصومال طيلة السنوات الماضية، عبر محاولة التحكم في المشهد السياسي ومساندة الحلفاء السياسيين الصوماليين، خاصة بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ويقول محللون إن الملف الأمني لا يقل شأنا عن الوضع الإنساني، فشيخ محمود يسعى لكسر شوكة حركة الشباب المتطرفة، التي لا تزال تعرقل جهود استقرار البلاد.
وعملت تركيا في سياق ترسيخ نفوذها في القرن الأفريقي وضمان منفذ على البحر الأحمر على زيادة الاهتمام بالملف العسكري بالصومال، من خلال إقامة قاعدة دائمة، فضلا عن مراكز للتدريب.
وفي خضم ذلك، تسعى أنقرة إلى ترسيخ نفوذها من باب الاقتصاد، حيث ينتظر تحريك المشاريع والعشرات من الاتفاقيات المبرمة بين البلدين، ناهيك عن ملف المفاوضات المتوقفة بين مقديشو وإقليم صومالي لاند ذاتي الحكم شمال البلاد.
وكان البرلمان الصومالي قد انتخب في منتصف مايو الماضي شيخ محمود رئيسا للبلاد لولاية ثانية، بعدما قاد البلاد سابقا بين سبتمبر 2012، وفبراير 2017.
وشدد شيخ محمود على أنه يريد تثبيت “أمن الصومال ودحر الإرهابيين”. وذكر في مقابلة سابقة مع الأناضول أن ملف الأمن يأتي ضمن أولوياته، مردفا أن “الصومال لم ينجح في حل مشاكله الأمنية رغم كل الخطوات لتحقيق ذلك”.
ويقول الخبير العسكري المتقاعد شريف حسين إن معضلة الأمن مشكلة أعاقت جميع الحكومات المتعاقبة، حيث لا يمكن إنجاز أي مشروع محلي دون استباب الأمن، وهو ما يجعل هذا الملف ضمن أولويات الإدارة الحالية.
وذكر أن للصومال وتركيا “تعاونا أمنيا منذ 2017، لكنه يقتصر على التدريب العسكري وتأهيل الجيش، وما يسعى إليه الرئيس الصومالي هو توسيع دائرة التعاون الأمني بين البلدين”.
الصومال بوابة أنقرة لبسط نفوذها في القرن الافريقي
ومن الواضح أن شيخ محمود بحاجة إلى تعاون عسكري لدحر مقاتلي حركة الشباب المتشددة، التي استعادت نفوذها بعد تراجع العمليات العسكرية ضدها في السنوات الماضية.
وتروج تركيا لنفسها بأنها من بين الدول الرائدة في صناعة الأسلحة الحديثة، وبإمكانها تعزيز دعم مقديشو العسكري بما يرجح كفة الجيش الصومالي ضد المتطرفين.
وتشير توقعات الخبراء إلى أن السلطات الصومالية الجديدة ستعمل على توجيه ضربة عسكرية للمتطرفين، مما يحقق لشيخ محمود مكاسب أمنية خلال ولايته، كونه يحظى بثقة الكثير من الدول الداعمة للصومال، بما فيها الولايات المتحدة.
ويرى محللون أن الزيارة ستحرك المشاريع والعشرات من الاتفاقيات الموقعة سابقا بين البلدين ولم تر النور، وذلك لتنويع مصادر الدخل وخلق فرص عمل بالصومال، حيث يتجاوز معدل البطالة 75 في المئة.
ويتوقع محمد أبتدون، الباحث بمركز الصومال للدراسات، أن تتضمن الزيارة توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة، فضلا عن أخرى تشمل المجالات التنموية، ودعم الصومال من خلال توفير مشاريع تركية جديدة.
وقال إن “الجانب الصومالي يأمل في أن تقف تركيا إلى جانبه لتجاوز محنته الإنسانية والأمنية التي يعيش فيها منذ فترة”.
وتابع “بحكم العلاقات يتوقع أن تنفذ تركيا خلال المرحلة القادمة مشاريع إنمائية جديدة، والتعاون مع مقديشو في المجالات الأمنية”.
وتدير شركات تركية اليوم مقرات حساسة في الصومال، مثل الميناء والمطار، إلى جانب تولي مهمة توفير التدريبات العسكرية للجنود والقوات الصومالية.
وتعد قضية إقليم صومالي لاند من الملفات التي ينتظر من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود تحريكها بعد سنوات من الجمود.
وفي وقت سابق هذا العام، قال محمد يلماز، السفير التركي لدى مقديشو، إن “تركيا مستعدة للعب دور الوسيط بين الصومال وصومالي لاند، لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، وهو ما يعكس مدى جدية تركيا لتحريك هذا الملف”.
ويقول محمد عبدي شيخ، الصحافي والمحلل السياسي، إن “ملف صومالي لاند يعد من المعضلات السياسية التي تشهدها الصومال منذ عقود”، مشيرا إلى أن “الإدارة الصومالية السابقة لم تتعامل بجدية مع هذا الملف، وهو ما عطل استمرار المفاوضات بين الجانبين”.
وأضاف “بحكم تركيا راعية لهذه المفاوضات في السنوات الماضية يتوقع من الرئيس الصومالي الجلوس إلى طاولة المفاوضات وتبديد مخاوف أشقائه في صومالي لاند، للوصول إلى حل يرضي الطرفين، من خلال تعاونه مع الجانب التركي”.
ومنذ عام 1991، يتمتع إقليم صومالي لاند بحكم ذاتي، ويطالب باعتراف دولي بانفصاله الكامل عن الصومال، لكنه حتى الآن غير معترف به رسميا كدولة.