الصومال اليوم

الصومال.. “التوكتوك” في مقديشو مصدر رزق وسبب للموت أحيانا

محمود محمد حسن عبدي

أصبح معتاداً لدى سكان العاصمة مقديشو بين الفترة والأخرى، تداول النعوات والتعازي في وسائل التواصل الاجتماعي، بسقوط ضحية أو أكثر، نتيجة إطلاق نار أحد أفراد الأمن على عربة “توكتوك”، مصيباً سائقها وراكبيها، ليتصاعد الجدل حول هذه الظاهرة المأساوية، وتكرارها الذي أصبح خطراً إضافياً على المواطنين، إذ لا يكاد يمرّ شهر واحد إلا مع وقوع ضحايا وإصابات بين المدنيين، من سائقي تلك العربات وركابها، ليضاف استخدامها إلى قائمة العوامل التي تزيد من خطورة العيش في العاصمة الصومالية، في حين أن ظهور تلك العربات كان متنفساً لسكانها، ووسيلة سريعة اقتصادية للتحرك في المدينة التي تعيش تحت ثقل الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش والعمليات الإرهابية الدامية.

“التوكتوك” مصدر دخل:

وانتشار استخدام وسيلة النقل البديلة، وانطلاق أسراب منها بالآلاف في العاصمة الصومالية مقديشو، له أسبابه ومبرراته التي تجعل الخدمات التي تقدّمها تلك العربات البسيطة أمراً لا غنى عنه.

وتقول فايزة أحمد المعلمة والناشطة المدنية المقيمة في العاصمة “الآلاف من المواطنين من فئات عمرية متعددة يعتبرون العمل على عربات “الركشة” التي يعرفها أهالي العاصمة باسم الطراز المستورد من الهند “بجاج”، ويعتبرونها مصدر دخل لهم ولعائلاتهم، كما أن عمل هذه العربات يعني دخلاً شهرياً لخزينة الدولة، نظراً لسداد سائقيها رسماً شهرياً بقيمة 15 دولاراً لبلدية العاصمة مقديشو”.

وتضيف أحمد، “على الرغم من المخاطر التي يتعرّض لها سائقو هذه العربات الصغيرة، فإنهم يرون أن ذلك جزء من نسق الحياة في العاصمة، وأن التخلي عن القيادة يعني الوقوع في البطالة، لذا فإنهم يرون عملهم ضرورة لا بد منها، على الرغم من المخاطر والمخاوف التي تكتنف العمل في طرق العاصمة التي لا تخلو من المفاجآت”.

أمن غير مؤات:

الظروف الأمنية الصعبة التي تمرّ بها البلاد بخاصة العاصمة مقديشو، وبطء عملية إعادة بناء الدولة، تزيد من المخاطر التي تواجه سائقي ومستخدمي هذه العربات، ويقول عبد الرحمن سهل الخبير الأمني في العاصمة الصومالية، “ما زالت البلاد في مرحلة إعادة بناء مؤسساتها، وينسحب ذلك على الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة، لذا ليس مستغرباً أن يكون من ضمن العناصر الأمنية القائمة على الحواجز ونقاط التفتيش، عناصر لم تتلق التدريب العسكري أو الأمني اللازم، كأن يكونوا من عناصر الميليشيات القبلية أو أطقم حراسة بعض القيادات السياسية، الذين يتم ضمهم تباعاً للقوات النظامية، وتوزيعهم على مهام فورية، من دون أن يتسنى منحهم المعرفة اللازمة ليكونوا مؤهلين لتولي مهام غاية في الحساسية في أماكن مهمّة كنقاط التفتيش داخل المدن”، ويضيف سهل، “يعزّز احتمال ارتكاب العناصر الأمنية التجاوزات الجسيمة، ضعف إمكانية محاسبة هؤلاء العناصر، إذ ظهر في حالات إطلاق نار عشوائي، وجود مسلحين مضافين إلى مهام أمنية أو عسكرية، من دون استكمال مراحل توثيق انضمامهم للقوات النظامية، ما يسهّل عليهم الفرار والاختفاء بعيد ارتكابهم جرائم ضد المواطنين، ويسهّل قيام المسؤولين المباشرين بالتستّر عليهم، خشية انكشاف الخلل الإداري الذي تغرق فيه الأجهزة الأمنية والعسكرية”.

ميزات جاذبة:

عربات “بجاج” ثلاثية العجلات ولها ميّزات تجعلها واحدة من أكثر وسائل النقل انتشاراً، وحول ذلك يقول شافعي محمد في دراسة قدّمها حول سائقي عربات “الركشة”، “قلة استهلاكها الوقود، وانخفاض تكلفة صيانتها، يجعلها منافسة حقيقية للسيارات التقليدية، من حيث انخفاض كلفة استخدامها، وارتفاع عوائدها، كما أن صغر حجمها بالنسبة لسيارات الأجرة التقليدية، وسهولة المناورة بها ضمن الطرق، وبين الأزقة الترابية في الأحياء الشعبية، يجعلها تقدّم خدمات لا غنى عنها في العاصمة الصومالية التي تعاني من اختناقات مرورية، نتيجة كثرة الحواجز الأمنية على الطرق المؤدية إلى أهم المناطق الحيوية في المدينة”.

وبالنسبة لعوائدها، يقول محمد، “يتراوح الدخل اليومي الذي يحققه سائقو الـ”بجاج” بين 15 و30 دولاراً، ما يشكّل دخلاً جيّداً، ويدفع قطاعاً كبيراً من العاطلين من العمل لاقتنائها أو استئجارها، وليس مستغرباً أن تشير الإحصائيات إلى وجود 35000 عربة في العاصمة الصومالية وحدها”.

سوابق:

وتكررت منذ عام 2019 وقائع ثبت فيها تورّط بعض سائقي تلك العربات في نقل مطلوبين أو موادّ خطرة، ويؤكد الباحث الأمني سهل الأمر، “انكشاف قيام ساقي عربات بجاج بأنشطة تصبّ في تسهيل عمليات إرهابية ما جعل العناصر الأمنية تنظر بكثير من التوجّس إلى تلك العربات وسائقيها، وبالنظر إلى ازدحام الطرق بتلك العربات، وارتفاع نسبة الفئات العمرية الشابة ضمن السائقين، أكثر من 60 في المئة تحت سنة 25 سنة، وغياب الوعي بقوانين القيادة أو الاستهانة بها، نظراً لتدنّي المستوى التعليمي لدى السائقين، إذ إن التقارير تشير إلى أن نصفهم دون مستوى التعليم الابتدائي، تظهر سلوكيات قد يعتبرها بعض عناصر الأمن مشبوهة، إذ تزيد من استنفارهم، وتعرّض السائقين والركاب ومستخدمي الطرق للخطر، خصوصاً في حال طلب عناصر الأمن من السائق التوقف، أو قيامه بمناورة مفاجئة كالانطلاق باتجاه معاكس للسّير، ما يجعله في نظر بعض العناصر هدفاً مشروعاً لأسلحتهم”.

ويعاني كثيرون من سكّان العاصمة من أوضاع نفسية، ناشئة عن المعاناة من الصدمات، نتيجة الأحداث الأمنية الدامية التي تشهدها المدينة وتلقي مريم علي محمد الطبيبة النفسية المقيمة في العاصمة مقديشو الضوء على هذه المسألة قائلة، “على الطرف الأوّل يعيش الجنود ورجال الأمن في حالة دائمة من الاستنفار والترقب، خشية تسرّب إرهابيين أو متفجرات إلى ما وراء مواقعهم، كما أن مرور العديد منهم بتجارب سابقة، مثل التعرّض للهجمات، أو الاستهداف بالمتفجّرات، يجعلهم مرشحين للمبادرة بإطلاق النار تلقائياً، ودونما داعٍ في حالات كثيرة. كما أن خضوع السائقين لضغوط الحياة من جهة، وتعايشهم مع إمكانية تعرّضهم للموت في أية لحظة، وتجارب بعضهم في النجاة بأعجوبة من موت محقق وغير متوقّع، يجعلهم أقلّ مبالاة أحياناً، أو ميّالين لمناكفة رجال الأمن وإظهار العصيان وعدم الاحترام، وكل ذلك مع غياب أي متابعة طبية نفسية لرجال الأمن، وغياب التوعية الموجهة للسائقين، كل ذلك يزيد احتمالات اجتماع الظروف المشجعة لحدوث مآس تنتهي بسقوط قتلى وجرحى”.

Exit mobile version