برزت علامات الإجماع داخل أوساط الخبراء بأن قلة مصادر التمويل وصعوبة الحصول عليها حاليا، في ظل التقلبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي وتسببت في موجة تضخم تاريخية تشكل أكبر العراقيل التي تجعل الصوماليين أكثر عرضة للأخطار.
وتعمق معضلة غليان أسعار الغذاء التي طفت على السطح بشكل غير مسبوق بسبب الحرب في أوكرانيا من حالة عدم اليقين بشأن قدرة أحد أفقر الدول العربية على مواجهة أزمة قد تطول مع تضاؤل هامش السلطات في توفير المزيد من المساعدات الخارجية.
وتصاعدت تحذيرات الهيئات الأممية من أن خطر مجاعة يلوح في الأفق، أكثر من أي وقت مضى، نتيجة نقص التمويل الدولي، وفشل الإنتاج المحلي بسبب غياب الأمطار، وارتفاع الأسعار لمستويات قياسية.
وأشار بيان مشترك لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة مؤخرا إلى أن “الدعم المطلوب لم يتحقق بالكامل بعد”.
وأضاف “يتم حاليا تمويل 18 في المئة فقط من خطة الاستجابة الإنسانية في الصومال لهذا العام البالغة 1.5 مليار دولار لمساعدة 5.5 مليون شخص من أكثر الصوماليين ضعفا”.
ويعتبر الصومال، أحد أفقر دول العالم، حيث يعيش 70 في المئة من السكان بأقل من 1.9 دولار يوميا، ويكافح للتعافي من عقود من الحرب الأهلية ومكافحة الإرهاب. وتفتقر الحكومة الفيدرالية شهريا إلى 10 ملايين دولار لتغطية النفقات الجارية مثل رواتب موظفي الخدمة المدنية.
وتظهر التقديرات أن دخل الفرد سنويا لا يتجاوز 830 دولارا بينما تنتشر البطالة لتصل إلى 67 في المئة. أما نحو ثلثي السكان فهم عند خط الفقر ويؤكد البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة أن المعدل عند 73 في المئة.
وقال المبعوث الخاص للرئيس الصومالي لشؤون الجفاف عبدالرحمن عبدالشكور إن “48 مدينة من أصل 72 مدينة تتكون منها الصومال، تأثرت بالجفاف والصدمات ذات الصلة”. ويعني ذلك، أن 6 ملايين فرد أي ما يقرب من نصف السكان يواجهون حالة مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي.
ووافق صندوق النقد الدولي الشهر الماضي على تمديد فترة برنامج المساعدة المالية للصومال إلى نهاية أغسطس المقبل، وهو يمتد لثلاثة أعوام بقيمة 400 مليون دولار. ويأتي هذا القرار بعد انتخاب محمود رئيسا للبلاد بعد تأخيرا دام أشهرا. وبموجب طلب من الحكومة تم تمديد الدعم المالي لثلاثة أشهر.
وحذر عبدالشكور من أن استمرار أزمة الجفاف قد يدمر أرواح آلاف الصوماليين في ظل الاحتياجات المتزايدة، جراء الجفاف الذي ضرب معظم الأقاليم.
وقال خلال زيارة لمدينة بيدوة التي تعتبر أكثر المناطق تضررا جراء الجفاف إن “ستة مدن من أصل 48 مدينة تأثرت بالجفاف، استكملت المعايير المعتمدة لإعلان المجاعة، حيث يواجه سكانها نقصا حادا في الغذاء وصعوبة بالتأقلم”. وأكد أن المعطيات في الأزمة لا تبشر بالخير وتتوقع كارثة مجاعة محتملة لتلك المناطق وقد تتوسع في ظل نقص الامتدادات.
ويعتمد الصومال بشبه كلي على الاستيراد، ما يعني تأثره بشكل حاد بأزمات العالم التي تترك تداعيات وخيمة على حركة الأسواق. ولا يُصدّر البلد سوى الماشية والسمسم والليمون والصمغ واللوبان منذ انهيار الحكومة في 1991 وهو ما لا يسهم في دعم عجلة النمو، في وقت يقدر فيه حجم التضخم بالبلاد بنحو 70 في المئة.
وسجلت أسعار الوقود والقمح والدقيق والأرز والزيت ارتفاعا ملحوظا في الأسواق المحلية كونها من السلع التي يتم استيرادها.
وقالت بعثة صندوق النقد التي أنهت مهمة مراجعة لفتح خط ائتماني في مارس الماضي إن الاقتصاد الصومالي من المتوقع أن ينمو 3.2 في المئة هذا العام، لكنه يواجه مخاطر هبوط.
وحددت وحدة تحليل التغذية للأمن الغذائي في (فاو)، والشركاء، النقاط الساخنة المحتملة للمجاعة في ستة مناطق مختلفة، حيث يواجه 5 إلى 10 في المئة أو حوالي 81 ألف شخص بالفعل ظروف مجاعة.
يأتي ذلك، في وقت أصدرت الوحدة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي بأن ستة ملايين صومالي أي ما يعادل 40 في المئة من السكان يواجهون مستويات شديدة من انعدام الأمن الغذائي.
وقال آدم عبدالمولى، نائب الممثل الخاص للأمن العام والمنسق الشؤون الإنسانية في الصومال في بيان مشترك مع منظمات أممية، إنهم يحدقون في كارثة محتملة، وأن توقع خطر المجاعة في ستة مناطق يدعو لقلق بالغ وقد تشكل بمثابة تحذير خطير في المرحلة المقبلة.
وأكد أن الفشل في التحرك الآن “سيكون مأساويا لعشرات العائلات في الصومال المعرض لخطر الدخول في موسم أمطار خامس فاشل على التوالي ما يعني أن الآلاف من الناس يواجهون خطر المجاعة”.
ونتيجة تذبذب الأمطار في الموسم الحالي ما بين أبريل ومايو الماضيين، يدخل الصومال رابع موسم جاف على التوالي، وهو ما أثر سلبا على حياة ملايين الناس الذين يعتمدون على الرعي والزراعة. ويقول عبدالشكور إن التقارير الأولية لمنظمات الأرصاد الجوية تتوقع بأن يكون موسم الأمطار القادم أقل من المتوسط.
وبحسب تقديرات أممية فإن نحو 3 ملايين رأس من الماشية نفقت نتيجة الجفاف منذ منتصف عام 2021، بسبب النقص الحاد في المياه والمراعي إلى جانب حدوث تراجع كبير في الإنتاج الزراعي المحلي الذي يعتمد معظمه على الري والأمطار.
وأظهر تحليل أجرته وحدة تحليل التغذية للأمن الغذائي التابعة للفاو، أن ثلاثة عوامل ستساهم في تفشي المجاعة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وتتمثل تلك العوامل في انحباس الأمطار خلال الموسم الحالي، وغياب المساعدات الإنسانية الكافية، إلى جانب استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السوق المحلية جراء التكاليف الباهظة للاستيراد.
وتعتبر ولاية جنوب غرب الصومال من أكثر المناطق تضررا بالجفاف، حيث نزح نحو 230 ألف شخص من مناطقهم ولجؤوا إلى المدن الكبرى في الولاية.
وبحسب الهيئات الأممية فإن الأطفال دون الخامسة، يعتبرون الفئة الأكثر ضعفا جراء أزمة الجفاف، كما أدى انخفاض إنتاج اللحوم والألبان إلى تفاقم سوء التغذية. ويواجه حولي 1.4 مليون طفل سوء التغذية الحادة حتى نهاية العام الجاري، ويعاني ربعهم أي 330 ألف طفل من سوء التغذية الحاد الوخيم.
وتقول شمسة علي، وهي أم لأربعة أطفال، للأناضول، إنها فقدت طفلها نتيجة إسهال حاد ناجم عن سوء التغذية، مشيرة إلى أنها غير قادة على توفير وجبة يومية لأطفالها.
وكانت آخر أزمة مجاعة شهدها الصومال عام 2011 حيث تسببت في وفاة 260 ألف شخص، وهو ما تحذر الهيئات من تكراره نتيجة نقص التمويل.