الانتخابات الرئاسيةالرئيسيةالصومال اليومكتابات راي

ما وراء انتعاش المال السياسي في الصومال؟

حالة غير مسبوقة من استخدام المال السياسي شهدتها الانتخابات الرئاسية الصومالية ولعبت دوراً كبيراً في تحديد نتائجها، حيث تعددت الجهات التي ضخت تلك الأموال، وتضاربت أهدافها ومراميها، هو ما زاد من غموض النتائج التي يمكن توقعها، حتى اللحظة الأخيرة لإعلان فوز الرئيس الجديد حسن شيخ محمود.
انتشار التقارير التي تحدثت عن وعود بدفع أموال للنواب المنوط بهم انتخاب الرئيس الجديد، قطعها مرشحون متعددون، وتعهد نواب بالتصويت لمن يدفع أكثر، وتدفق أموال من دول خارجية، وتورط جهات استخباراتية محلية في تسهيل وصول تلك الأموال إلى المستهدفين، إضافة إلى المخاوف التي عايشها معظم النواب قبل انعقاد الانتخابات، وتعرَّض آخرون للتهديد بعد انتهائها، ما جعل الانتخابات الأخيرة واحدة من أشد العمليات الانتخابية فساداً وغرائبية في التاريخ السياسي للصومال.

من 20 حتى 100 ألف دولار:

المحلل السياسي أسد متان قال إن “المال السياسي الفاسد كان اللاعب الأهم في الساحة السياسية أخيراً، فبحسب ما تم رصده في الانتخابات، عمد بعض المرشحين إلى تجهيز الدفعات التي كانوا بصدد تقديمها للنواب الذين اتفقوا معهم على الحصول على أصواتهم في الساعات الأولى من صبيحة يوم الانتخابات، وهو ما أثار امتعاض كثيرين من النواب الذين كانوا يفضلون تلقي دفعاتهم في الليلة السابقة للاقتراع”.

, ما وراء انتعاش المال السياسي في الصومال؟


وفي تفصيل المبالغ التي تم وعد النواب بها للتصويت لمرشح رئاسي من دون غيره، أضاف متان، ” تراوحت المبالغ الموعود بها ما بين 20 و100 ألف دولار، مرتبطة بالمراحل المتعددة للانتخابات، ففي ما يشبه البورصة، شهدت هذه الدورة الانتخابية ارتفاعاً غير مسبوق في قيمة شراء الصوت النيابي الواحد، فلم يسبق أن تم عرض مئة ألف دولار لقاء الصوت من قبل”.

محددات تسعير الصوت:

فداحة انتشار بيع كثيرين من النواب أصواتهم، سواء في التصويت على التشريعات أو الانتخابات، أمر يؤكده الكاتب والباحث عبد الناصر بشير، الذي قال، “من الأسرار غير الخفية أن الأصوات النيابية في الانتخابات الرئاسية، يمكن الحصول عليها بمبالغ كبيرة من المال تصل أحياناً إلى 200 ألف دولار أميركي لقاء الصوت، وهو ما يرجح أن يفوز المرشح ذو القدرة المالية الكبرى بالرئاسة، فالنائب بحد ذاته قد أنفق كثيراً من الأموال للفوز بمقعده البرلماني، والأموال التي يتلقاها البعض خلال الانتخابات الرئاسية قد تكون فرصتهم الأولى لتعويض تلك الأموال التي أنفقوها للوصول إلى منصبهم الحالي”.


أضاف بشير، متحدثاً عن محددات المبالغ التي يحصل على نائب بعينه من دون غيره، “يتمتع أعضاء المجالس البرلمانية بفرص مختلفة وتفاوت واضح في ما يخص الحصول على المال، ومقداره ما يجنونه منه، فالأكثر ثراء من بينهم من المرجح أن يحصلوا على مبالغ أكبر، وكذلك تتحدد الأموال التي يأخذونها حسب مقدار النفوذ والتأثير السياسي الذي يمتلكونه، ضمن نظرائهم الذين يتشاركون معهم في الانتماء التنظيمي أو المناطقي أو القبلي، وقدرتهم على التحشيد السياسي، وكذلك على قدرتهم على إخفاء هوية المرشح الذي يدعمونه وسيصوتون له رسمياً”.

أموال ومخاوف من قوى خارجية:

يكشف المراسل الإذاعي منصر محمد الخمار عن حضور التدخلات الخارجية السافرة في الانتخابات الأخيرة، وحالة عدم الارتياح التي جلبها تدفق أموال من مصادر متعددة على الوسط السياسي الصومالي. وقال، “تم تداول تقارير متواترة عن قيام أربع دول آسيوية بالتدخل في الانتخابات الرئاسية، بأموال تم تقديرها بـ50 مليون دولار قبيل الانتخابات بثماني وأربعين ساعة، وقدرت المصادر الأموال التي تم توزيعها على النواب بـ70 ألف دولار على الأقل للنائب الواحد، علماً بأن تلك الأموال تم تسليمها إليهم عبر قنوات استخباراتية أشرفت عليها قيادات معروفة بارتباطاتها الخارجية”.
وأشار منصر إلى الانطباعات التي تم رصدها لدى النواب الذين تلقوا تلك الأموال، “لم يكن خفياً الشعور بالخوف والقلق اللذين سادا أوساط النواب، ما جعلهم يتوجسون من خطورة الأمر على حياتهم، سواءً قبلوا تلك الأموال أو رفضوها، مع حالة الحيرة التي أصبحوا فيها، لغياب هدف واضح يقبع وراء تلك الأموال التي تم توزيعها عليهم، خصوصاً أن البعض خشي أن تكون تلك الأموال آتية من إحدى الدول العظمى، التي تعتبر الدول الآسيوية الأربع حلفاءً لها!”.

نواب ظرفاء وتهديدات:

لم تخلُ الانتخابات من مواقف طريفة نتيجة لانكشاف جشع بعض النواب، ويلقي الصحافي المقيم في مقديشو علي محيي الدين الضوء على ذلك، “لم تكد الانتخابات تهدأ بفوز حسن شيخ محمود بمنصب الرئيس، حتى خرج إلى الإعلام أحد الزعماء التقليديين الذين يعودون إلى قبائل شمال الصومال، معلناً عن خيبة أمل كبيرة وشعوره بالحرج الشديد، بسبب قيام نواب منتسبين إلى قبيلته بتلقي أموال من مرشحين متعددين من دون أن ينفذوا وعودهم بالتصويت لهم. ودعا أولئك النواب، خصوصاً نائباً بعينه من بينهم قدّم وعوداً بالتصويت لسبعة مرشحين كل على حدة، وتلقَّى أموالاً لقاءَ ذلك، من دون أن يصوت لأي منهم، دعاه وزملاءه لرد تلك الأموال في أقرب وقت ممكن. وقال إنه ليس مسؤولاً عن سلامتهم، في حال لم يستمعوا إلى نصيحته، مشيراً إلى إبلاغه من قبل المرشحين الذين لم يتقبلوا أن يتم خداعهم هكذا، بأنهم سينتقمون من أولئك النواب بكل وسيلة ممكنة، وليست التصفية الجسدية لهم أمراً مستبعداً”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق