الجفاف وأثره على استقرار الصومال
في ظل أربع موجات جفاف متتالية، يعاني ما يصل إلى 17 مليون شخص من الجوع في ثلاث دول في القرن الأفريقي؛ تجلت المعاناة الأكثر حدة وسوءًا في الصومال. وهو ما ظهر في تقرير الأمم المتحدة الصادر نهاية مايو 2022 والذي ذكرت فيه أن الأسوأ في الطريق، بسبب ظاهرة “النينيا” التي تسبب في أربع موجات جفاف متتالية غير مسبوقة في جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي أدى لتضرر مناطق كثيرة وبشكل خاص المناطق الرعوية في الشمال الشرقي ووسط البلاد.
ذلك فضلًا عن أنه من الملاحظ أن المناطق الأكثر عرضة لتغير المناخ غالبًا ما تعاني أيضًا من الفقر وضعف الإدارة والنشاط الإرهابي، فمن بين الدول الـ15 الأكثر تعرضًا لمخاطر المناخ، ثمانية منها تعمل بها بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام، بما في ذلك في الصومال.
نتج عن هذا الجفاف تعرض أكثر من 40% من سكان الصومال لخطر المجاعة؛ فضلًا عن سوء الحالة في مخيمات النزوح غير الرسمية حول العاصمة مقديشو وبلدات بيدوة في الجنوب الغربي ودوسامارب في الوسط. وبعد انتخابات رئاسية وحكومة حديثة العهد؛ تعد هذه الحالة ضغطًا كبيرًا قد يؤدي إلى انفجار الوضع، وخاصة في ظل وجود جماعة شباب المجاهدين الإرهابية.
مستويات الجفاف:
يعيد الوضع الحالي للصومال إلى الأذهان ذكرى المجاعة الصومالية 2011/2012؛ عندما أودت الاستجابة البطيئة للجفاف بحياة 260 ألف شخص. تواجه مناطق متعددة في الصومال خطر المجاعة (المرحلة 5 من التصنيف الدولي)[3] وسط جفاف شديد بشكل استثنائي، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وتصاعد الصراع وانعدام الأمن.
فعادة يتكون المناخ الصومالي من أربعة مواسم، فصلين ممطرين (جو -داير) واثنين جافين (جليل -هجة). تبدأ أمطار “جو” في أبريل وتستمر حتى يونيو، منتجة إمدادًا جديدًا من المراعي ولفترة وجيزة تحول الصحراء إلى حديقة تغطي النباتات المورقة معظم الأرض وخاصة هضبة الرعي المركزية حيث ينمو العشب طويلًا.
لكن ليس هذا ما حدث هذا العام، حيث عانت أجزاء كبيرة من الصومال من انخفاض كميات الأمطار خلال ذروة موسم هطول الأمطار “جو”، حيث وصل العجز الحالي إلى 40-70% أقل من المتوسط. لذا صُنِفَ هذا الموسم بين أعلى ثلاثة أكثر جفافًا على الإطلاق في شمال ووسط وجنوب الصومال،.
وسجلت المؤسسات الأممية تأثر 6.1 مليون شخص بحالة الطوارئ بسبب الجفاف في الصومال، من بينهم 771400 نزحوا من منازلهم؛ بحثًا عن الماء والغذاء والمراعي، وبالطبع غالبيتهم من النساء والأطفال، ويشمل ذلك 81000 شخص بالفعل في مستوى “كارثة” من الجوع. ومع ذلك فإجمالي من حصلوا على المساعدات حوالي 4% بقيمة 56.1$ مليون حتى الآن.
ذلك علاوة على أنه من المتوقع أن الفصل الممطر القادم “داير” في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2022؛ سيكون المطر فيه أيضًا أقل من المتوسط، مما يمهد الطريق لجفاف قياسي لمدة خمسة مواسم. مما يعني أنه من المحتمل أن يحتاج أكثر من سبعة ملايين شخص في الصومال إلى مساعدات غذائية بحلول عام 2023.
أسباب الأزمة:
في ظل الأزمة المناخية الحالية، يعد الاستقرار في الصومال دربًا من المُحال؛ إذ يؤثر على الوضع عدة عوامل بخلاف الجفاف الذي ظهرت بوادره بانتهاء فصل المطر “جو” السابق الإشارة إليه. وتنقسم هذه العوامل إلى أسباب داخلية ترتبط بالصومال نفسه؛ وأسباب خارجية متعلقة بالوضع العالمي؛ يمكن إيجازها في التالي:
أولا: أسباب داخلية
مرور عقود من الصراع والصدمات المناخية المتكررة وتفشي الأمراض، بما في ذلك آثار جائحة COVID-19، حيث كان الوضع الإنساني في الصومال خطيرًا بالفعل. حتى قبل الجفاف الحالي، كان ما يقدر بنحو 7.7 مليون صومالي بحاجة إلى المساعدة الإنسانية والحماية هذا العام – بزيادة 30% عن العام السابق.
هناك بعض الدلائل على أن المناخ أصبح أكثر جفافًا في القرن الماضي، وأن الزيادة في عدد الأشخاص والحيوانات وضعت عبئًا متزايدًا على المياه والغطاء النباتي.
تدني قدرات الدولة الصومالية (الإغرائية/الجبرية) بسبب فشل الدولة فيما مضى بل وتعرضها لانهيار؛ أثر على قدرة الصومال الحالية في تكوين أصول (مملوكة للدولة أو للقبائل والافراد) وبنى تحتية تقلل من ضغط الجفاف على المجتمع. وليس أدل على ذلك من عدم خضوع مناطق شاسعة لسيطرة الحكومة الصومالية.
سيطرة جماعة الشباب الإرهابية على جزء كبير من المناطق غير الحضرية، ومعاداتها لوكالات الإغاثة الغربية؛ مما تسبب في وضع عائق إضافي أمام عمليات تقديم المساعدة الخارجية.
ثانيا: أسباب خارجية
أهمها الحرب الاوكرانية التي تسبب في تبعات خطيرة ومتشابكة أهمها:
ارتفاع أسعار المواد الغذائية نتيجة لارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة والشحن.
منع تصدير ملايين الأطنان من القمح والذرة من موانئ البحر الأسود، تسبب في ارتفاع إضافي في أسعار الحبوب.
بالرغم من أن خطة الاستجابة الإنسانية في الصومال لعام 2022 سعت الأمم المتحدة فيها إلى الحصول على ما يقرب من 1.5 مليار دولار لتقديم المساعدة الإنسانية إلى 5.5 مليون من الأشخاص الأكثر ضعفًا في الصومال، بما في ذلك 1.6 مليون نازح داخلي و3.9 مليون غير نازح داخليًا وذوي إعاقات. إلا أن ما تم جمعه من تمويل بلغ 260 مليون دولار، بما يوازي 18% من المستهدف. ومن المتوقع انقطاع خط الإمداد بالمساعدات الغذائية بعد يونيو.
النتائج:
ينتج عما سبق تصاعد الصراع وانعدام الأمن والذي يظهر في الصور التالية:
بالنسبة لعدد البدو الكبير، يعد توقيت وكمية هطول الأمطار من المحددات الحاسمة لمدى كفاية الرعي وآفاق الازدهار النسبي. وخلال فترات الجفاف مثل التي حدثت خلال 1974-1975 و1984-1985؛ حدثت مجاعات. ومع الوضع في الحسبان ارتفاع تكلفة سلة الغذاء النموذجية 36% في الصومال نتيجة للحرب الاوكرانية؛ زاد الوضع سوءًا.
ارتفع سعر شراء المياه الصالحة للشرب من شاحنات المياه بنسبة 30-65% مقارنة بشهر أبريل من العام الماضي، بينما تضاعفت أسعار المياه في أجزاء من منطقتي باكول وجلجادود. أسعار الحبوب الأساسية وزيت الطهي أعلى بنسبة 25-160% من المستويات العام الماضي.
تسبب الجفاف في حوث خسائر فادحة في دخل الأسرة من إنتاج الثروة الحيوانية، بينما حد من قدرة الأسرة على زراعة الحبوب أو المحاصيل النقدية في يوليو. فانخفض الطلب على العمالة الزراعية مما أدى إلى انخفاض الأجور بنسبة تصل إلى 25-35% للأسر الفقيرة. فالمراعي والأعلاف نادرة، ومعظم الأسر لم تعد قادرة على شراء الحبوب لتغذية الماشية. ونتيجة لذلك، حدث هزال للماشية ونفوقها لا سيما في باكول، جيدو، وسط الصومال؛ ومن المقدر أن تصل نسبة الخسائر في الماشية من 10-30% بحلول سبتمبر.
هذه الظواهر خلقت تربة خصبة لازدهار الإرهاب، حيث تسهل عملية التجنيد وتدريب الآلاف من الشباب. ومع تشابك العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والأيديولوجية؛ تتعقد المشكلة ويصبح من الصعب على الدول مكافحتها.
إصابة الأسر المعيشية بالفقر وارتفاع حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة بأكثر من 40% في الفترة من يناير إلى أبريل 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي؛ وبنفس الوتيرة ارتفع معدل الوفيات بين الفئات الأشد ضعفًا، ولا سيما الأطفال الصغار على الرغم من تقديم المساعدة الغذائية والدعم المجتمعي خلال شهر رمضان والعيد.
في ظل عدم الاستقرار هذا تقوم “حركة الشباب” بمنع وصول المساعدات الإنسانية وقامت بالفعل بتفكيك حملة لتلقيح الأطفال ضد الحصبة، بدعوى أنها مؤامرة غربية. كان من الممكن أن ينقذ العديد من الأطفال، وقامت حركة الشباب بمنع الجياع من الفرار من المناطق التي تسيطر عليها.
من هنا ينتج عن الجفاف حالة لولبية من عدم الاستقرار بل المتوقع أن تنتشر نتائج الطوارئ (من الدرجة 4) على نطاق واسع خلال الفترة المتبقية من عام 2022، مع احتمال وجود أكثر من 200000 شخص في كارثة (الدرجة 5)؛ الذي يعني وجود أزمة انسانية مربة تبدأ بندرة المياة فتتأثر اقتصاديات الأسر؛ مما يؤثر بالسلب على السلع الأساسية، ومن ثم ترتفع أسعار فتحدث المجاعة. ينتج عن المجاعة وفيات بالجملة ونزوح فتظهر حالة تردٍ وصراع على الموارد ما يجعل الإرهاب يزدهر، وهكذا تستمر الأزمة في دائرة يصعب كسرها.
الحلول:
حتى يتم كسر الارتباط ما بين الجفاف وعدم الاستقرار الأمني وتلافي حالة أزمة إنسانية، يمكن أن تُتخذ إجراءات وقائية أهمها:
دمج المخاطر الأمنية المتعلقة بالمناخ كعنصر أساسي في الصراع الشامل واستراتيجيات الوقاية للأمم المتحدة، للمساهمة في الحد من مخاطر انتكاس الصراع بسبب الآثار الضارة لتغير المناخ.
إقناع مجلس الأمن بسرعة الاستجابة لإنذارات الجفاف المبكرة؛ حتى لا تتدهور الحالة وتتكرر حالة 2011/2012 عندما أودت الاستجابة البطيئة بحياة 260 ألف شخص؛ حيث ثبت أن التكيف مع تغير المناخ والاستجابة المبكرة هو أكثر المشاريع إيجابية للسلام واستقرار الحكم.
حث القطاع الخاص في الصومال على تصميم مشاريع جاهزة للاستثمار بما يتماشى مع المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة لتعزيز قدرة المجتمعات على الصمود في المستقبل.
إشراك المجتمع الصومالي في الخطط والتشريعات الخاصة بعلاج القضايا البيئية، وخاصة إشراك النساء.
وضع برامج للتطوير الطارئ للفئات الضعيفة وتوفير فرص عمل.
تقديم المزيد من الدعم للمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية؛ لتعزيز استجابتها لتأثيرات تغير المناخ.