محمود محمد حسن عبدي
لم يطل الوقت باختيار الرئيس الجديد في الصومال، حسن شيخ محمود، حتى بدأت تظهر ملفات منها ما هو راهن، ومنها ما كان مصدراً لانتقادات قادت إلى هزيمته في الانتخابات السابقة، التي أدت إلى وصول الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو إلى السلطة، كل ذلك يشيع حالة من الترقب في الساحة السياسية الصومالية، في حين ينحفض مؤشر الثقة شعبياً، بالرئيس الذي عاد إلى تسلم السلطة في البلاد، وقد تكون خيبات الأمل التي تعايش معها الشعب الصومالي طوال خمسة عقود، هي ما يفتح المجال لكل ما من شأنه تغذية الجدل السياسي والشعبي الحاصلين.
ملف التعيينات:
يتابع كثير من المهتمين في الشأن السياسي الصومالي، ملف التعيينات الجديدة بكثير من الاهتمام، ولا يخلو الأمر من الترقب والقلق. ويلقي حسين علي الصحافي من ولاية بونلاتند الضوء على ذلك بقوله، “كما هو معلوم لدى المتابع للواقع السياسي الصومالي، فإنه يلمس طغيان ثقافة البداوة القائمة على الغزو والانتصار والغنيمة، فكلما تولى رئيس أو مسؤول منصباً كبيراً، سرعان ما يبدأ بما يمكن وصفه بتطهير مفاصل مركزه من أتباع أو محسوبي سابقيه، ويقوم باستبدالهم بالمقربين منه والموالين له بطريقة تلقائية ومن دون تردد، لذا أثار افتتاح ملف التعيينات بشخصية كـ (مهد صلاد) من خلال تعيينه مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني نوعاً من الاستنفار لدى البعض، كون المدير الجديد يعد مقرباً سياسياً وقريباً عشائرياً للرئيس شيخ محمود، في حين يأمل العديد من الأطراف الانتهاء من ملف تعيين رئيس الوزراء أولاً، والسير بالتعيينات انطلاقاً من هناك، لا أن تبدأ الدولة بدخول مرحلة جديدة من الانقسام، عبر هيمنة الرئيس المباشرة على الأجهزة الأمنية، في سبيل هيمنة رئاسية تامة على دور رئيس الوزراء في السلطة التنفيذية”.
ويضيف علي موضحاً وجود حالة من الترقب لدى وجهاء قبليين، حيال جملة من الملفات “لا يمكن لأحد تجاهل الخطاب المصور الذي نشره أحد القيادات القبلية، مذكراً الرئيس بدور كتلته القبلية في وصول الرئيس إلى السلطة، محذراً إياه من ارتكاب أخطاء سابقة، كان مدارها تهميش تلك الكتلة القبلية، ما أدى إلى خسارته في المرة الماضية، كما حذره من التغاضي عن تجاوزات قبيلته ضد تلك الكتلة القبلية التي تلعب أدواراً سياسية كبيرة في كل من إثيوبيا وجيبوتي وصوماليلاند”.
تهويل إعلامي:
كان ملفتاً حجم الضخ الإعلامي والجدل الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي، وبرامج التحليل السياسي الصومالية، حول ما هو متوقع في المرحلة الجديدة التي سيقودها شيخ محمود، وفي هذا السياق يحاول المحلل السياسي عبد الرحمن سهل تبيان ما يراه موضوعياً في التعامل مع الوضع المستجد ويقول، “سيكون من المبالغة الحديث عن ضغوط تذكر، إذ ينطرح السؤال من هي الجهة التي تقف وراء الضغط، والساحة السياسية في البلاد ما زالت في مرحلة انتقالية، ولم تتشكل بعد ملامحها ومراكز القوة فيها، ولا يمكننا إنكار وجود شيء من الترقب، لكنه لا يبلغ حد القول بوجود مخاوف، خارج ما يجري في وسائل التواصل الاجتماعي، لأن عدم وضوح الرؤية في هذه المرحلة يعد أمراً طبيعياً، فالرئيس لم يكمل مدة أسبوعين في (فيلا صوماليا)، وهي فترة غير كافية بالتأكيد للحديث عما يثير القلق حياله، ومن الضروري اتباع آلية ما للتقييم، ولنقل انتظار فترة 100 يوم، والتركيز أكثر على أبرز التحديات الماثلة أمام الرجل حالياً، وإلقاء الضوء عليها ليسهم المهتمون بالشأن السياسي في إرشاد الحكومة إلى ما يمكن القول بأنها أمور حيوية ولا غنى عنها، لتحسن الأوضاع في البلاد من جهة، وكذلك رفع مستوى نجاح الحكومة في تقديم ما هو متوقع منها تجاه شعبها، وكل حديث خارج ذلك لن يتجاوز أن يكون فرقعات إعلامية ومحاولة لذر الرماد في العيون، وتضييع الأولويات المستحقة للانتباه والمتابعة”.
زيارة إسرائيل:
لم يمر وقت طويل على تولي الرئيس الجديد، حتى بدأت تصدر اتهامات لشيخ محمود، حول ملفات شديدة الحساسية لدى الشعب الصومالي، وحول ذلك يلقي عبد الولي محمد الصحافي المهتم بالشأن السياسي الصومالي الضوء على طيف من تلك الاتهامات قائلاً، “هنالك مؤشرات مقلقة بعدم التزام الرئيس الجديد في فترته السابقة بالتوجهات العامة للشعب الصومالي، فبحسب صحيفة “إسرائيل تايمز”، ادعت الصحيفة قيام شيخ محمود في فترته الرئاسية السابقة بزيارة لإسرائيل التقى خلالها رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في 2016، وقد تكون مصادفة وصول طائرة مسجلة في كينيا يمتلكها رجل أعمال صومالي إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأسبوعين، مصادفة ألقت مزيداً من الوقود على المخاوف القائمة من انخراط الدولة الصومالية في تيار اتفاقات السلام مع إسرائيل. فالوضع في البلاد لا يتحمل ذلك، وقد يؤدي الغضب الذي قد ينشأ من بروز أدلة جديدة على التوجهات لاتفاق مع إسرائيل إلى إزالة عقبات تواجهها حركة الشباب المتطرفة في الحصول على مجندين جدد، مع ما يعنيه ذلك من ازدياد قوتها وتضاعف نشاطها”.
وفي إشارة لملف جدلي آخر يقول محمد، “لا يمكن تصور الغضب الذي يحمله المجتمع الصومالي، تجاه ملف عمل بناته كخادمات في المنازل في بلدان غريبة، وعلى الرغم من عدم توفر الإمكانية لوقف تلك الظاهرة التي تحدث بصورة غير شرعية، فإن الصوماليين ينظرون إلى تشريعها وجعلها مسألة مقبولة على المستوى الرسمي على أنه مؤشر على قبول الدولة الصومالية بامتهان الصوماليين بخاصة النساء”.
استباق الأمور مقابل نضج سياسي:
وتعتبر الناشطة السياسية أرغسن إسماعيل أن عدم وضوح الصورة للوضع السياسي الذي سيتأسس على الخطوات التي يتخذها الرئيس يعد أمراً طبيعياً في مداخلتها وتقول، “من وجهة نظري أنه ليس من الجيد إطلاق العنان للتكهنات، كما أنه ليس من الموضوعي الحكم علي سير المستقبل السياسي والاقتصادي للبلاد ما لم يفرغ الرئيس من اختيار رئيس الوزراء والانتهاء من التشكيل الوزاري ومنح الثقة من قبل البرلمان لمجلس الوزراء ثم الانتظار لمدة زمنية مناسبة ومن ثم البدء بإصدار الأحكام على هذه الحكومة، مرور الوقت الكافي ورصد مسار الأمور هو ما يمكننا من أن نقيم، ويجعل من حق الناقدين سن ألسنتهم وأقلامهم ضد توجه هذه الحكومة، غير ذلك لا يمكن أن يكون موضوعياً تبني أي رأي معارض تجاه الحكومة”.
وتلفت إسماعيل النظر لمعطيات الحملة الانتخابية الرئاسية للرئيس شيخ محمود فتقول، “كان واضحاً مقدار النضج السياسي الذي أظهره الرئيس خلال تقديمه برنامجه الانتخابي، ولا شك أنه يمكن استشفاف رغبته في تصحيح أخطاء اعترف بها، وعبر عن أسفه على حدوثها خلال فترة حكمه السابقة، لذا أعتقد أن الواقع السياسي في البلاد والتحديات القائمة تستلزم شيئاً من الصبر والموضوعية وضبط النفس والتخلي عن الدوافع غير الوطنية في مهاجمة الحكومة الجديدة”.