تفتح عودة الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود إلى الحكم بعد انتخابه من قبل أعضاء البرلمان في الخامس عشر من مايو الجاري أفقا أمام البلد الذي مزقته الانقسامات السياسية.
وسيكون شيخ محمود أمام تحديات هامة خاصة أن فترة توليه الرئاسة وهي الثانية له بعد الأولى (2012 – 2017) بعد انتخابات حاول الرئيس السابق محمد عبدالله محمد المعروف بفرماجو عرقلتها، وتصاعد التوتر الأمني بين الجيش الصومالي والميليشيات العشائرية وحركة الشباب التي تزداد قوة.
وستكون الولايات المتحدة التي قررت في السادس عشر من مايو إعادة نشر المئات من قواتها في الصومال على موعد مع فرص واعدة مع مقديشو في ظل ما يتسم به شيخ محمود من انفتاح سواء مكافحة الإرهاب أو حتى التطبيع مع إسرائيل وعلاقاته المتميزة خاصة بالإمارات.
ويكتسي الصومال أهمية خاصة نظرا لموقعه الاستراتيجي على خليج عدن، فقد شكلت البلاد حلقة وصل لتهريب الأسلحة والنشاط القتالي الذي يؤثر على الشرق الأوسط وأفريقيا، وهو ما يجعل تولي قيادة جديدة وغلق قوس الانتخابات التي زادت من حدة التوتر السياسي فرصة لشركائها الإقليميين والدوليين.
وتمثل حركة الشباب التي تقاتل القوات الحكومية الصومالية والتابعة لتنظيم القاعدة، التحدي الأبرز في طريق شيخ محمود حيث تزداد الحركة قوة.
وقدّرت الأمم المتحدة مؤخرا أن عدد مقاتلي الحركة يصل إلى 12000 فرد وأن إيراداتها تصل إلى 10 ملايين دولار شهريا.
ووسط النزاع السياسي الذي تسببت فيه الانتخابات والصراع العسكري العنيف، تمكنت حركة الشباب من تعزيز سيطرتها على الأراضي في الجنوب، وزادت قوتها، وأعدّت نظاما ضريبيا متطورا أكثر من أي وقت مضى، وقدّمت خدمات ضرورية لاسيما تسوية المنازعات بشكل أكثر كفاءة من الحكومة.
وتُواصل الجماعة أيضا تهديد الأهداف الأميركية والتخطيط لشن هجمات ضدها في بعض الأحيان، وقد تحاول تنفيذها إذا ازدادت ثقتها بمكانتها.
وفي المقابل، يواصل الفرع المحلي من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بناء قوته من منطقتها المحصورة في جبال غالغالا على الرغم من مواجهة ضغوط من “قوة أمن بونتلاند” الأكثر فعالية والمدعومة من الولايات المتحدة.
ورغم اتساع نطاق الاشتباك العسكري إلا أن طي صفحة الانتخابات قد يعطي دفعا للجهود الحكومية لمكافحة الإرهاب، خاصة وأن هذه الجماعات حاولت استغلال التوتر الذي رافق الاستحقاق الانتخابي لتحقيق المزيد من المكاسب.
وشهدت فترة الانتخابات توترا بسبب سعي فارماجو للبقاء لفترة أطول في الحكم حيث قام في أوائل العام 2020 بنشر 700 جندي صومالي درّبتهم تركيا في منطقة جدو على أمل الحصول على دعم سياسي هناك، مما أدى إلى حدوث اشتباكات عنيفة مع قوات ولاية جوبالاند.
كما أرسل قوات لإخضاع ميليشيا “أهل السنة والجماعة” الصوفية التي كانت متحالفة مع الحكومة سابقا في ولاية جلمدج وسط البلاد.
وفي غضون ذلك، تلاشت وتيرة العمليات الخاصة بالكيان الوحيد الذي لا يزال ينشط في محاربة “حركة الشباب” أي لواء دنب الذي أنشأته الولايات المتحدة، وهو وحدة قوات العمليات الخاصة الرئيسية في الصومال بعد سحب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب للقوات الأميركية في يناير 2021.
وبعد ثلاثة أشهر، اشتبكت القوات الحكومية والمعارِضة في مقديشو، مما تسبب في نزوح أكثر من 60 ألف شخص. وفي أكتوبر أمر فرماجو قوات دنب ووحدات الجيش الأخرى بالقضاء على معقل “أهل السنة والجماعة” في بلدة جوري عيل، حيث يستمر القتال بشكل متقطع وحدث ذلك دون تواجد القوات الأميركية لكي لا تعمل على منع اتخاذ هذه الخطوة.
ويبدو أن فوز شيخ محمود بالرئاسة سيحفز شركاء الصومال وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والإمارات على تجديد الشراكة مع مقديشو.
وقال عيدو ليفي وهو زميل مشارك في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومتخصص في العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب، لاسيما في ما يتعلق بالجماعات الجهادية، إن الرئيس الأميركي جو بايدن استغل بالفعل عودة شيخ محمود بعد قرار إعادة نشر القوات الأميركية في الصومال.
وتابع ليفي في ورقة بحثية لمعهد واشنطن أنه “يتعيّن على المسؤولين الأميركيين أن يذهبوا إلى أبعد من ذلك ويحثوا الإدارة القادمة للرئيس شيخ محمود التي لديها علاقات أضعف مع تركيا على دمج النسور (القوات الخاصة بالجيش الصومالي) ضمن بنية القيادة والسيطرة الخاصة بدنب، وعلى واشنطن أيضا أن تُضاعف جهودها لزيادة حجم لواء دنب إلى 3000 عضو، بينما لا يتجاوز عدد قواته حاليا 1000 عنصر”.
وقد يكون لفوز شيخ محمود بالرئاسة أيضا تأثير على مستوى اتفاقيات أبراهام للتطبيع مع إسرائيل خاصة في ظل العلاقات المميزة بين الرئيس الجديد والولايات المتحدة والإمارات.
وقال ليفي إن “لإسرائيل الكثير الذي يمكنها أن تقدّمه إلى الصومال على صعيد مكافحة الإرهاب والصعيد الاقتصادي، في حين أن العلاقات القوية لشيخ محمود مع الإمارات يمكن أن تسهّل قنوات التواصل مع القدس وقد تضطلع الولايات المتحدة بدور الوسيط في هذا الصدد”.
وكانت مجلة “تايمز أوف” الإسرائيلية قد نقلت مؤخرا عن أحد الدبلوماسيين الصوماليين المقربين من شيخ محمود قوله إن “المجموعة التي تعارض التطبيع مع إسرائيل أصبحت في الخارج”.
وشدد ليفي على أن “من شأن ضمانات تقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأميركية، إلى جانب العديد من المنافع الإماراتية والإسرائيلية، أن تقطع شوطا طويلا نحو ضمان التطبيع”.