وسط إجراءات أمنية مشددة وفى قاعدة هالان العسكرية مقر بعثة الاتحاد الافريقى فى الصومال، عقد البرلمان الصومالى اجتماعا لإجراء الانتخابات الرئاسية الصومالية يوم 15 مايو الحالى، بالاقتراع غير المباشر .
يتشكل البرلمان الصومالى على أساس عشائرى بقاعدة الأربعة ونصف، وبموجبها يتم تمثيل العشائر الاربع الرئيسية فى الصومال، ويمثل النصف المتبقى الأقليات. لم تجر انتخابات مباشرة فى الصومال منذ عام 1969، وإنما انتخابات غير مباشرة حيث تختار وفود العشائر أعضاء البرلمان ليختار بدوره الرئيس.
جرت الانتخابات الأخيرة داخل الصومال لأول مرة منذ 2012، ومن قبل خارج الصومال مرتين فى كينيا وجيبوتى على التوالى. تنافس على منصب الرئيس 36 مرشحا من بينهم سيدة.
فاز بالمنصب حسن شيخ محمود من الجولة الثالثة بأغلبية كاسحة بلغت 214 صوتا مقابل 110 أصوات لمنافسه محمد عبدالله الشهير بفرماجو المنتهية ولايته.
يعد حسن شيخ محمود الرئيس العاشر للصومال، وهو من مواليد 1955، أستاذ جامعى، عمل فى منظمات دولية ومحلية، وله جهود مقدرة فى مجال التعليم، خاصة أنه أسس جامعة سيمد الأهلية ابرز الجامعات فى الصومال.
يترأس حسن شيخ محمود حزب السلام والتنمية ـ أنشط قوى وأحزاب المعارضة فى فترة الرئيس فرماجو ـ وبتأسيسه لهذا الحزب ابتعد عن شبهة تقاطعه مع حركة الإصلاح ذات التوجهات الإسلامية لحد ما، واكتسب بذلك استقلالية فى توجهاته.
ينتمى الرئيس حسن شيخ محمود الى قبيلة الهوية التى تتركز فى العاصمة ومنطقة وسط الصومال، كان رئيسا أسبق للصومال فى الفترة من 2012 ـ 2017.
شهد الصومال خلال فترة رئاسته تلك أوضاعا أكثر أمنا واستقرارا وعلاقات متوازنة داخليا وخارجيا تأسست على تصفير الازمات وتعزيز الحكم القائم على الفيدرالية ومحاربة حركة الشباب التى انحسر نشاطها مبتعدة عن العاصمة والمدن القريبة منها.
عانى الصومال خلال فترة الرئيس المنتهية ولايته فرماجو أوضاعا سياسية متأزمة وأمنية متدهورة، واقتصادية سيئة وإنسانية متدنية، وواجه فرماجو انتقادات ومعارضة قوية من القوى والأحزاب وقادة أقاليم صومالية، كما نشطت حركة الشباب المرتبطة بالقاعدة، لتسيطر على مساحات كبيرة من مدن عديده مقتربة من العاصمة بل تصاعدت عملياتها داخل العاصمة.
تعددت الخلافات والصراعات بينه وبين رئيس وزرائه محمد حسين روبليه على الاختصاصات والسلطات والنفوذ والى حد ما التوجهات الخارجية، فشلت محاولات عديدة محلية ودولية لرأب الصدع والسعى نحو اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية فى موعدها المقرر وإجهاض محاولات فرماجو مد فترة ولايته لمدة عام والتى انتهت فى فبراير 2021 ، فى وقت تواجه فيه البلاد وضعا إنسانيا خطيرا بسبب أسوأ حالة جفاف يمر بها الصومال منذ أربعين عاما، حيث يتعرض نحو 3٫5 مليون مواطن صومالى لخطر المجاعة وهو خطر يهدد ثروته الحيوانية أيضا، مع تضخم متنام ومتصاعد فى أسعار الوقود والغذاء زادت من حدته تداعيات الأزمة الأوكرانية. وهى أمور فى مجملها دفعت صندوق النقد الدولى أن يعلق إنفاذ برنامجه المقدر بنحو 400 مليون دولار فى الصومال لحين تولى ادارة جديدة السلطة فى البلاد، وحدد منتصف مايو موعدا نهائيا لبدء الإنفاذ وإجراء الانتخابات.
شهدت فترة رئاسة فرماجو أيضا توجها سياسيا ذا منحى نحو المحور الثلاثى المعروف والذى اضطلعت فيه تركيا بدور محورى فى الصومال، الذى ينتمى أبناؤه المقدر عددهم بـ15 مليون نسمة إلى المذهب السنى/ الشافعى. نشطت تركيا فى المجال الاقتصادى عبر استثمارات لشركات تركية، وفى مجال الصحة باقامة مستشفى ضخم بتكلفة 50 مليون دولار، وفتح مدارس تركية بالصومال.
ورث الرئيس الجديد تركة مثقلة بتحديات جسام ،أولها تحد ذو طبيعة أمنية يتمثل فى نشاط حركة الشباب الصومالية المرتبطة بالقاعدة، وثانيها ذو طبيعة سياسية حيث الصراعات الدائرة بين القوى والاحزاب السياسية وبين الاقاليم الصومالية الخمسة فى الاطار الفيدرالى، وثالثها ذو طبيعة اقتصادية يتمثل فى تدهور الاوضاع الاقتصادية والحاجة الملحة والعاجلة لدفع عملية التنمية والإصلاح والتطوير والتحديث، ورابعها ذو طبيعة اجتماعية إنسانية يتمثل فى خطر المجاعة من جراء القحط وامتداد أثره على الثروة الحيوانية. بلور الرئيس عبر تصريحاته أولويات مهام المرحلة القادمة، فى تحقيق الامن والاستقرار ومحاربة حركة الشباب عسكريا وفكريا، وتحقيق مصالحة وطنية بين الأطراف المتصارعة فى الصومال، ومواجهة تحديات التنمية خاصة الفقر والمجاعة والفساد وتبنى توجهات سياسية متوازنة عربيا وإفريقيا.
الرئيس الامريكى بايدن أصدر قرارا تواكب مع الانتخابات الصومالية الاخيرة باعادة نشر وحدة عسكرية قوامها 700 جندى أمريكى فى الصومال، لتتعزز بهم كل من قوات الاتحاد الافريقى التى تضم نحو 1800 جندى تحت مظلة الأمم المتحدة، والقوات الصومالية، فى محاربة تنظيم حركة الشباب. ويبدو أن الرئيس الامريكى اتخذ هذا القرار ربطا بمواجهة تزايد الوجود الروسى فى إفريقيا، خاصة منطقة الساحل والقرن الافريقى، وربطا بتداعيات الأزمة الأوكرانية، فضلا عن قرار للكونجرس الامريكى أخيرا يطلب من الادارة الامريكة متابعة الأنشطة الروسية فى إفريقيا.
إن دورا عربيا داعما للمرحلة الجديدة فى الصومال خاصة مع توجهات الرئيس الحالى المنتخب والمغايرة تماما لنظيره المنتهية ولايته، تعد مطلبا ملحا وعاجلا ، لتشمل المجالات المشار اليها، سواء الامنية او الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية، وذلك فى الإطار الثنائى خاصة من جانب مصر ودول الخليج أو فى الإطار المتعدد عبر مجلس الدول العربية والافريقية المتشاطئة على البحر الاحمر والذى استحدث أخيرا مستهدفا الامن والتنمية ويتعين تدشين وتفعيل دوره، أو عبر مجلس التعاون الخليجى، أو الجامعة العربية.