كتب – محمود عبدي
في ظل الارتياح العام لنجاح عملية التداول السلمي للسلطة في العاصمة الصومالية مقديشو، بين الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو والرئيس الحالي حسن شيخ محمود، كان لهذا التغيير أصداء واسعة على المستوى الإقليمي، مع بروز مؤشرات تجسدت فيها توقعات دول الجوار والمحيط الإقليمي للصومال، نظراً إلى التباين الذي شهدته ردود الفعل على نتائج العملية الانتخابية، والواقع الذي وصلت إليه العلاقات الصومالية مع تلك الدول المعنية بالشأن السياسي الصومالي، والتحولات التي يمكن أن يحملها وصول رجل سبق لهم معرفته من كثب، وما يحمله وجوده من مكاسب لبعض الدول وخسائر لأخرى.
العلاقات الإقليمية خلال حكم فرماجو:
وبقيت العلاقات الصومالية مع دول إقليم القرن الأفريقي متلخصة في تأثر الدولة الصومالية بأجندات دول الجوار، لكن تلك العلاقات شهدت تغيراً واضحاً خلال ولاية فرماجو، بحيث أصبح للصومال دور في تشكيل الواقع السياسي الإقليمي، وألقى الباحث السياسي حسن معلم أحمد الضوء على ذلك قائلاً إن “المتغيرات السياسية في دول القرن الأفريقي، أدت إلى بروز رغبة لدى عدد من قادتها في تحقيق أهداف بعينها داخلياً على المستوى الإقليمي”، مرجعاً ذلك إلى “تطورات كان من أهمها خلق تحالف إقليمي لم يسبق له مثيل، شمل إثيوبيا وإريتريا والصومال، على الرغم من اختلاف أهداف القيادات السياسية لكل من البلدان الثلاث، فإن المناداة بأقصى درجات التعاون والتكامل، كانت جزءاً من خطاب عام لقي قبولاً شعبياً كبيراً، على الرغم من نتائجه العكسية التي برزت، إذ أدت إلى استثناء كل من جيبوتي وكينيا من ممارسة دورهما الطبيعي في المنطقة التي ينتميان إليها، وتزايد شعورهما بالعزلة، خصوصاً جيبوتي، في حين أدى التوجه الجديد إلى تصاعد التوتر السياسي بين كينيا والصومال، ما جلب خسائر اقتصادية كبيرة على الأولى، وتأخر الثانية عن تقديم السياسي والمعنوي لدولة السودان الشقيقة، في حين بدا الموقف الصومالي منحازاً لإثيوبيا على حساب مصر، ما استدعى بروز محاولات من رئيس الوزراء محمد حسين روبلي لتدارك حالة البرود السياسي بين الصومال ومصر”.
انتهاء مدة الرئيس وبداية التغيير:
وحول تأثير تجاوز الرئيس السابق المدة الدستورية لفترة حكمه، على مسار العلاقات الصومالية الإقليمية، أشار الباحث عبد الله راغه إلى “بدء تصاعد الضغوط على الحكومة الفيدرالية الصومالية لتعديل طرق تعاملها مع ملف العلاقات الخارجية”. وأضاف “يمكن تبرير مساعي رئيس الوزراء روبلي لإعادة ضبط ما يمكن ضبطه من علاقات الصومال بالدول المحيطة، وكان مرده دخول الأخير إلى الساحة السياسية بهدف إنجاح العملية الانتخابية، ما استلزم تقليل عوامل الشد الداخلي والتوترات الخارجية إضافة إلى الملف الأمني، استجابةً للمصاعب والعقبات التي واجهتها الكوادر الإدارية والخبراء داخل أجهزة الدولة المعنية بالعلاقات مع الخارج خصوصاً تلك المرتبطة بعدد من الدول الإقليمية والعربية، والحاجة إلى الاستقرار في العلاقات مع كل دول الجوار وكذلك الدول الشقيقة والصديقة، للحفاظ على ما تم تحقيقه من خلال الاتفاقات والتفاهمات مع كل منها، بما يصب في خانة استمرار عملية إعادة بناء الدولة الصومالية، وبناء المؤسسات وتمكين الكوادر ورفع كفاءتها، بعيداً من القرارات الأحادية المسيسة التي بدا أنها تصب في صالح طرف سياسي مؤقت، قد يقود الأمور بعيداً من الصالح العام، باتجاه مصالح سياسية قصيرة النظر، ومضرة للدولة الصومالية على المديين المتوسط والبعيد”.
خسارة فرماجو وفوز حسن:
وأسهمت عوامل متراكمة في تحديد نتيجة الانتخابات الصومالية، وكان ملف العلاقات الخارجية أحد أهم العوامل المؤثرة فيها. وعلق الصحافي الصومالي محمود موسى حسين قائلاً إنه “خلال السنتين الأخيرتين من مدة حكم الرئيس محمد عبد الله فرماجو، بدأت تظهر سلبيات في إدارة ملف العلاقات الخارجية. واعتبر مطلعون أنها بلغت درجة من الخطورة، نظراً إلى ما بدا ابتعاداً عن النهج المعتاد الذي اتخذته الدولة الصومالية بعد محادثات جيبوتي في عام 2008، في معالجة مستجداتها تماشياً مع الواقع الذي تعيشه البلاد، بخلاف ما كان معتاداً من التدرج والهدوء والابتعاد عن الصدامات، في تعامل الأجهزة المدنية والرقابية في الدولة، مع كل الأنشطة والمجالات التي تسترعي تعاوناً بين الصومال والأطراف الخارجية، من دول ومنظمات، فإن تصاعد الميل نحو ترميز شخص بعينه ليكون وجه الدولة والتجسيد الحي لها، أسهم من جهة في صدور قرارات لم يكن لها تبرير سوى رغبة “فيلا صوماليا” (مقر الرئاسة)، في تلميع صورة الرئيس، باعتباره حامياً للكرامة الصومالية، باختلاق عداوات خارجية منتقاة بصورة تتوافق مع أجندات سياسية داخلية بعينها، ليصبح بذلك فرماجو رديفاً لكل ما هو عزيز على الشعب الصومالي، ويصبح كذلك انتقاده أو المساس بمسلكه، انتقاصاً من هيبة الدولة الصومالية وعزة الصوماليين”. وأضاف حسين أن ” تلك التوجهات التي برزت على السطح من قبل إدارة فرماجو، أعادت إلى أذهان المنخرطين في الشأن السياسي ذكريات فترة تاريخية في غاية القتامة لدى الصوماليين، مع تصاعد المخاوف من تأكيد الصورة التي تشكلت خلالها عن الدولة الصومالية، وكونها صديقاً شديد التقلب، وحليفاً لا يمكن التعويل عليه، ما أدى إلى تراجع الدعم الداخلي للرئيس فرماجو، وتخلي حلفائه في الولايات والساسة الموالين له عنه، وإعادته إلى حجمه الطبيعي المتمثل في كونه واحداً من المرشحين المتنافسين في السباق الرئاسي، بل والرغبة في إعادة الأمور إلى نصابها، وإعادة جميع أجهزة الدولة إلى سكة إعادة بناء المؤسسات، لا تمجيد الأشخاص، وهو ما أدى وبشكل حاسم إلى فوز الرئيس السابق حسن شيخ محمود بالرئاسة، لأنه يجسد ذلك الخط الهادئ والمنطقي”.
مظاهر التغيير:
من جهة أخرى، رصد الباحث السياسي خالد سعيد ردود الفعل حول انتخاب شيخ محمود، ودلالات ذلك على التغييرات التي تتوقعها دول المنطقة من المستجدات السياسية في الصومال. وقال “يمكننا ملاحظة الارتياح الكيني والجيبوتي بوضوح، من خلال مبادرتهما في التهنئة بفوز هذا الوجه السياسي المألوف لهما. كما كان لافتاً قيام كل من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وقيادة جبهة تحرير تيغراي المناوئة له بإرسال تهنئتين متزامنتين، كما أن الصمت الذي اعتصم به الرئيس الإريتري أسياس أفورقي أمام هذا المتغير السياسي في المنطقة له دلالاته، كل ذلك يلقي الأضواء على المرحلة المقبلة من العلاقات الصومالية-الإقليمية”. وأضاف سعيد، “معلوم أن الرئيس الجديد كان يحرص على علاقات في غاية الدفء مع كل من جيبوتي وكينيا، بما يضمن لهما كسر حالات التوتر والعزلة التي عانتاها خلال السنوات القليلة الماضية، في حين أن تهنئة جبهة تحرير تيغراي تؤشر إلى توقعات قادتها، بتراجع الاندفاع الصومالي نحو ملفات التعاون الأمني والتكامل الاقتصادي مع كل من أديس أبابا وأسمرا، ويكاد الصمت الإريتري يدل على امتعاض حقيقي من خسارة حليف مهم، علقت عليه آمال كبيرة، خصوصاً مع تحذير إريتريا أخيراً من إمكانية حدوث تصعيد عسكري كبير بين متمردي تيغراي والدولة الإريترية”.