الصومال اليوم

الصومال: حركة الشباب… الخلفيات والتأثير



كتب – محمود عبدي


أدت التغيرات السريعة التي شهدتها الساحة السياسية الصومالية، منذ سقوط النظام العسكري في أوائل التسعينيات، إلى تحالفات وانشقاقات وانشقاقات مضادة على كل المستويات، لذا لم تكن “حركة الشباب” استثناء في نشأتها، فحسب متابعين لشأن الحراك السياسي الإسلامي في البلاد، فإن الحركة نشأت عن انشقاق كتلة مقاتلة ومسلحة عن تنظيم “الاتحاد الإسلامي”، ضمن الإطار الفكري لما يعرف في الصومال بجماعة السلفية الجديدة، ويرجع الخبراء في شؤون الحركات الإسلامية في الصومال، انشقاق فصيل الشباب حينها، عن تنظيم “الاتحاد الإسلامي”، إلى حدوث صدام بين مؤسسي التنظيم “الحرس القديم”، الراغبين في الانخراط في العمل السياسي والدعوي بعيداً من السلاح، وجانب من القياديين الشباب الذين عبروا عن طموحهم لتأسيس دولة إسلامية على مساحة تراب “الصومال الطبيعي”، بما يشمل كامل جمهورية الصومال، وأجزاء من جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، ومع بدء تنظيم “الاتحاد الإسلامي” بنزع سلاح عناصره، وإخلاء معسكراته، حصلت القطيعة الكبرى بين الحرس القديم و”الشباب” الذين قرروا البحث عن بيئة حاضنة لهم.

تأسيس الحركة:

بدأت نواة “حركة الشباب” في بدايات الألفية الحالية على يد أحمد عبدي أو محمود الملقب بـ”غودني” والشهير بالاسم الحركي “مختار أبو زبير”، وهو من مواليد مدينة هرجيسا في منتصف السبعينيات، وتلقى تعليمه الجامعي في باكستان، حيث تأثر بالفكر المتشدد الذي ساد تلك الفترة إبان وبعد الوجود السوفياتي في أفغانستان المجاورة، التي زارها لمرتين في الأقل، وقد بدا واضحاً إعجابه بتجربة المتشددين العرب والأفغان، وهو ما يبرر مبايعة الحركة قيادة تنظيم “القاعدة” لاحقاً، كما عبر عن رغبته في تطبيق تلك التجربة في الصومال، وفور عودته بدأ أبو زبير وأصدقاء له في عقد الندوات وإلقاء المحاضرات للدعوة إلى الأفكار التي جاء بها، لكنه واجه مقاومة شديدة من العلماء في صوماليلاند، ولم تجد أفكاره صدى واسعاً بين المواطنين، وهو ما اضطره إلى التوجه إلى جنوب الصومال، بعد قيامه وزملاء له بجولات استكشافية إليها، وترسخ القناعة لديه أن حالة الفوضى في جنوب البلاد هي البيئة المثلى لازدهار الأفكار التي يحملها، ما يسهل تطبيقها على أرض الواقع.

الصعود:

سرعان ما انخرط فصيل حركة الشباب في العمل الأمني والسياسي، بعدما طفح كيل سكان العاصمة مقديشو من أمراء الحرب، وبدأ الأهالي بقيادة الزعامات الدينية بإقامة المحاكم الإسلامية في أحياء العاصمة، للخروج من حالة الفوضى وانعدام القانون، وأبدى عناصر الفصيل كفاءة قتالية وانضباطاً كبيرين، أهلتهم لكسب ثقة قيادة اتحاد المحاكم الإسلامية، علماً بأن اتحاد المحاكم هذا كان يضم كامل أطياف التيار الإسلامي دونما استثناء، إلا أن استعانة الرئيس عبد الله يوسف أحمد بإثيوبيا عسكرياً في ديسمبر (كانون الثاني) 2006، بعد هزيمة حلفائه من أمراء الحرب في معركة مقديشو في مايو (أيار) من السنة ذاتها، قد منح الأجنحة الأكثر تطرفاً -خصوصاً الشباب- غطاء شرعياً واسعاً، مع تحول القوات الإثيوبية إلى طرف في الصراع الداخلي، واحتلال القوات الإثيوبية العاصمة الصومالية مقديشو، لأول مرة في التاريخ.


كما أسهم وقوع قائد اتحاد المحاكم الشرعية “الشيخ شريف شيخ أحمد” في أسر القوات الأميركية في إحدى المناطق الريفية قرب الحدود الكينية، بعد اتخاذه قرار عدم القتال ضد القوات الإثيوبية داخل العاصمة أو أي من المدن الآهلة بالسكان، وانخراط شطر من قيادة المحاكم في العملية السياسية التي أدت إلى تسليم الرئيس عبد الله يوسف أحمد رئاسة البلاد إلى الشيخ شريف، وانشقاق شطر آخر باسم تيار المقاومة بقيادة “الحزب الإسلامي” الذي جعل العاصمة الإريترية أسمرا مقراً له، إلى منح الحركة المزيد من المسوغات لإظهار مواقفها الشديدة التطرف تجاه جميع من قبل بالتسويات السياسية، وتكفير جميع المتعاملين مع المجتمع الدولي جملة واحدة، معلنة عن وجودها بشكل رسمي سنة 2006، وبدئها باستقطاب الساخطين على مجريات الأحداث، وتحقيق الهيمنة العسكرية للحركة على الأرض، على الرغم من خروج القوات الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2009، وانخراطها في تصفية مناوئيها وسقوط آخر منافسيها، بعد هزيمتها حليفها الحزب الإسلامي وأسر قائده “الشيخ طاهر أويس”، فإن مقتل قائدها “غودني” عبر غارة نفذتها مسيرة أميركية سنة 2014 أدى إلى مرحلة من الانشقاقات الداخلية والتصفيات، إلى حين تثبيت القائد الجديد للحركة أحمد عمر ديريه والمعروف بـ”أبو عبيدة”.

العضوية:

تهدف الحركة، كما يدل اسمها، إلى تجنيد الفئات العمرية الشابة، لذا فإن معظم المنتسبين الجدد إليها من الفتيان في سن الدراسة الثانوية أو ما قبل الجامعية، ويتم استقطابهم عبر عناصر مدربة تجتذبهم عبر الإطراء وإبداء الاهتمام والتقدير، ومن ثم منحهم مكافآت مالية مجزية، ليتم نقل المجندين لاحقاً إلى معسكرات التدريب للقيام بدورات تتراوح ما بين ثلاثة أيام وثلاثة أشهر، حسب مكان وجود الفرد المجند، أو المهام التي يتم تجنيده لتنفيذها.
كما تقوم الحركة بتجنيد الكوادر الإدارية في المكاتب الحكومية والشركات الكبرى، عبر التهديد بخطف الأقارب أو القتل، للحصول على المعلومات الاستخباراتية، وبيانات خاصة برجال الأعمال وأنشطتهم، بهدف ابتزازهم هم أيضاً بدورهم، وفرض الإتاوات عليهم، ولا يقتصر جهد الحركة في تجنيد أولئك فقط، بل تقوم الحركة باستغلال حالة العوز للأطفال والمراهقين النازحين إلى العاصمة مقديشو، واستخدامهم في تنفيذ اغتيالات بالمسدسات والهجمات بالقنابل اليدوية، وزرع العبوات الناسفة، عبر وعدهم بمكافآت، والتعهد لهم بدفع تعويض مجزٍ لأسرهم -يخرجها من الفقر المدقع- في حال تعرضهم للقتل أثناء تنفيذهم تلك المهام.

عديد عناصرها ومصادر دخلها:

تتفاوت التقديرات حول عديد مسلحي الحركة، بما يتراوح ما بين خمسة وعشرة آلاف عنصر، وتهيمن الحركة على البوادي والمناطق الريفية الزراعية جنوب البلاد، وتتنوع مصادر دخلها من خلال فرض رسوم مرور على سيارات النقل والمسافرين من خلال الحواجز العسكرية التي تقيمها على الطرق الرئيسة التي تستخدم لنقل البضائع والمنتجات الزراعية ما بين الريف ومدن الجنوب، كما تفرض الضرائب والإتاوات تحت بند “الزكاة” على التجار ورجال الأعمال، وتورطت الحركة كذلك في تجارة الفحم النباتي المصدر إلى الخارج، وكذلك أعمال التهريب بخاصة مادة السكر إلى دولة كينيا المجاورة، كما أعلنت الحركة مبايعتها قيادة تنظيم القاعدة في التاسع من فبراير (شباط) 2012، في مسعى منها للحصول على التمويل والدعم، وتشير تقارير إلى أن الحركة أنفقت في عام 2019 ما يقارب 29 مليون دولار على أنشطتها وتحركاتها، ما يوحي باستمرار تحقيقها فوائض كبيرة تتيح لها الاستمرار في العمل، وتحقيق أهدافها بفاعلية.

عوامل استمرارها:

اعتمدت الحركة تكتيكات حرب العصابات، مركزة وجودها في المناطق الريفية والبوادي والغابات، ما يجعل استئصالها بالعمل العسكري وحده مهمة غاية في الصعوبة، كما أن نجاح الحركة في اختراق المكاتب الحكومية، والمؤسسات الاقتصادية، يجعلها مطلعة إلى حد كبير على ما يتقرر بشأنها، وكذلك متابعة الحركة الاقتصادية في البلاد، وهو ما يضمن لها استباق التحركات الحكومية ضدها من جهة، وضمان تدفق الموارد المالية اللازمة لها من أجل الاستمرار، ويُضاف إلى ذلك استفادت الحركة من حالة الفساد والمحسوبية التي تسود قطاعات بعينها في السلطة، في حين أن الحركة بحد ذاتها مناهضة للعنصرية القبلية، ما يجعلها ملجأ للمستضعفين من أبناء القبائل الضعيفة، بخاصة سكان المناطق الزراعية الخصبة، بحثاً عن حماية ممتلكاتهم من استيلاء ذوي السلطة من القبائل الكبيرة، إضافة إلى امتلاك الحركة مؤسسة قضائية، يتهيب أمامها الراغبون في الاستيلاء على أملاك غيرهم، من أن يقدموا إليها وثائق مزورة أو غير قانونية، بما يسمح بسرعة البت في القضايا ورد الحقوق إلى أصحابها، في حين يفشل النظام القضائي الحكومي في البت في قضايا الخلاف على الممتلكات، بحيث تضيع حقوق الأطراف الأضعف والأفقر التي غالباً ما تكون هي المعتدى عليه.

Exit mobile version