تغيير الرئيس هل يغيّر المشهد في الصومال؟
في مشهد انتخابي اقتصر دور المواطنين فيه على المشاهدة عبر شاشات التلفاز على الهواء مباشرة، فاز الرئيس السابق «حسن شيخ محمود» برئاسة الصومال.
جرت الانتخابات على ثلاث مراحل، في الأولى منها صوَّت 328 نائبًا من أصل 329 هم مجموع عدد نواب مجلسي الشعب والشيوخ، لاختيار أربعة من 36 مرشحًا، وفي الجولة الثانية حصل حسن شيخ محمود على 110 أصوات، يليه الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله محمد الشهير بفرماجو الذي حصل على 83 صوتًا، يليه رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني بـ 68 صوتًا، ثم رئيس الوزراء السابق، حسن علي خيري بـ 63 صوتًا، وصعد إلى الجولة الثالثة المرشحان الحائزان لأكثر الأصوات، فاختار 214 نائبًا حسن شيخ محمود، بينما صوت 110 نواب فقط لفرماجو، وأبطل ثلاثة أصواتهم.
ويعد محمود أول رئيس سابق يعاد انتخابه لولاية ثانية في الصومال، فهو ثامن رئيس للبلاد، وتولى حكمها بين عامي 2012 و 2017، واليوم يصبح عاشر الرؤساء بانتخابه لولاية جديدة تمتد حتى عام 2026.
وقد ولد في 1955 بمدينة جللقسي وسط البلاد، وحصل على البكالريوس من الجامعة الوطنية، ثم سافر إلى الهند لدراسة الماجستير، ولما عاد عمل في السلك الأكاديمي حتى سقوط نظام الرئيس سياد بري عام 1990 وانهيار وتفكك الدولة، فشارك في تأسيس جامعة سيمد الأهلية، وعمل مسئولًا في منظمة تابعة للأمم المتحدة.
في عام 2011 أسس حزب السلام والتنمية، وفي 2012 انتُخب نائبًا في البرلمان، وفي شهر سبتمبر/أيلول من العام نفسه تم انتخابه للرئاسة، وبعد خمس سنوات انتهت ولايته وتزعم جبهة المعارضة ضد الرئيس فرماجو.
وخلال رئاسته السابقة قسم البلاد إلى ولايات فيدرالية تتمتع بصلاحيات واسعة، واتسع النفوذ التركي في البلاد بعدما أسند لأنقرة عددًا من المشروعات على رأسها تطوير مطار العاصمة الذي حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان افتتاحه عام 2014، وإدارة ميناء مقديشو البحري.
وفي عهد فرماجو حافظت أنقرة على نفوذها في الدولة التي تضم أكبر قاعدة عسكرية لتركيا خارج حدودها، وواصلت تدريب وتسليح الجيش الصومالي، وكذلك تمتعت البلاد بعلاقات قوية مع الدوحة خاصة في ظل تولي الصحفي السابق بقناة الجزيرة القطرية فهد ياسين رئاسة المخابرات الصومالية، وعلى العكس من ذلك ساءت علاقات الدولة مع الإمارات؛ إذ وقعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقية مع إقليم بونتلاند (أرض البنط) المتمتع بالحكم الذاتي لإدارة ميناء بوساسو، وهو ما رفضته الحكومة الفيدرالية الصومالية، وكذلك أبرمت الشركة الإماراتية اتفاقًا منفصلًا مع إقليم صومالي لاند (أرض الصومال) لتطوير ميناء بربرة، كما تحتفظ أبوظبي بقاعدة عسكرية في مطار بربرة، وتدرب قوات أمن الإقليم غير المعترف به دوليًّا، بينما تطالب مقديشو بالسيادة على الإقليم المستقل فعليًّا منذ عام 1991.
وفي 2018 صادر النظام الصومالي 9.6 مليون دولار أرسلتها الإمارات إلى جهات في الصومال، وتم إيداع المبلغ بالبنك المركزي، والعام الماضي تبادلت أبوظبي ومقديشو الانتقادات على خلفية سفر رؤساء بعض الولايات إلى الإمارات واتخاذهم موقفًا معارضًا ضد فرماجو، لكن في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي حاول رئيس وزراء البلاد، محمد حسين روبلي، إصلاح العلاقات مع أبوظبي فقدم لها اعتذارًا رسميًّا وأمر بالإفراج عن الأموال المحتجزة وتسلَّمَ شحنة مساعدات من السفير الإماراتي في مقديشو، لكن الرئيس فرماجو أصدر أوامره للبنك المركزي بعدم إخراج المبلغ.
ومع تولي الرئيس الجديد منصبه لا يُفترض أن تغير البلاد وجهتها في علاقاتها الخارجية، فقد خص وكالة الأناضول الرسمية التركية بأول حوار صحفي عقب انتخابه، تحدث فيه عن أهمية دعم أنقرة لبلاده في جميع المجالات، ولكن يُتوقع أن يسلك طريقًا أقل تصادمية من سلفه في علاقاته الإقليمية والدولية على غرار ما عُرف عنه في ولايته السابقة.
تحديات أمام الرئيس الجديد:
لا تكاد الحكومة المعترف بها دوليًّا تسيطر بشكل مباشر إلا على العاصمة مقديشو، فضلًا عن أن سيطرتها على المدينة تتهددها هجمات حركة الشباب التي تربطها صلات بتنظيم «القاعدة».
وتأسست الحركة مطلع عام 2004، وتبنت عمليات إرهابية عديدة أودت بحياة الكثيرين، وتقاتل ضد الحكومة المركزية وبعض الولايات وتستهدف قوات الاتحاد الأفريقي.
وقد أكد محمود عقب نجاحه في الانتخابات أن الأولوية في عهده ستكون للملف الأمني، وأنه سيلجأ للحل العسكري في مكافحة حركة الشباب، مبينًا أن فرض النظام سيتيح لحكومته تسلم المهام الأمنية من قوات الاتحاد الأفريقي بعد فترة قصيرة، على اعتبار أن خطة انسحاب هذه القوات البالغ عددها نحو 20 ألفًا جاهزة منذ زمن طويل إلا أنها تحتاج للتنفيذ الفعلي.
وقد عكس مشهد الانتخابات الرئاسية نفسه حالة الضعف الأمني؛ إذ جرى الاقتراع في مجمع المطار تحت حراسة قوات أجنبية تابعة للاتحاد الأفريقي، ولم يأبه أنصار الرئيس محمود لحظر التجول المعلن من قبل الحكومة واحتفلوا في شوارع مقديشو بإطلاق النار.
كما أن إصلاح النظام القضائي مهمة أخرى تنتظر الرئيس الذي حذر في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 من أن عدداً كبيرًا من المواطنين، من ضمنهم مسئولون حكوميون وتجار ومدنيون، يلجئون إلى محاكم في مناطق سيطرة حركة الشباب الإرهابية لتسوية قضاياهم «طلبًا للعدالة»، لذا فإن هذا الملف يعد مكملًا للملف الأمني.
وكذلك ينتظر الرئيس الجديد تحدي إصلاح العلاقات بين الولايات والحكومة الفيدرالية التي تدهورت على يد فرماجو، فمثلًا جرت انتخابات نيابية في ولاية جوبالاند الشهر الماضي يشرف عليها حاكم الولاية بينما أعلنت الحكومة اقتراعًا في مكان آخر وحشدت قوات لهذا الغرض، وهكذا يبدو الوضع مفككًا إلى درجة كبيرة يصعب معها إدارة البلاد.
وتستفيد حركة الشباب من هذه الانقسامات، فلا يوجد الحد الأدنى من التنسيق بين الإدارات السياسية المختلفة، وتختلف درجات تبعية الولايات للحكومة، ففي حين تتمتع بونتلاند شمال شرق البلاد بالحكم الذاتي، تتبع ولاية جالمودوج في الوسط نمطًا من الحكم شبه الذاتي، وتسيطر حركة الشباب فعليًّا على الجنوب، لكن خبرات الرئيس الجديد في إدارة العلاقات مع الولايات تؤهله لإحراز تقدم مهم في هذا الملف.
وفضلًا عن ذلك فإن الأطماع الإقليمية لإثيوبيا تحدٍّ كبير لا قِبل لمقديشو بمواجهته في ظل مخاوف من احتمال شن أديس أبابا عملًا عسكريًّا ضد جمهورية أرض الصومال التي تطالب مقديشو بالسيادة عليها، ويُتوقع أن يحظى الإثيوبيون بدعم بكين في حال غزوهم للإقليم الحليف لتايوان، وهو تحدٍّ لا يمكن لمقديشو أن تعتبر نفسها غير معنية به.
ويبقى الملف الاقتصادي عقبة كئودًا أمام الرئيس الجديد؛ إذ يلوح في الأفق شبح مجاعة تنال الملايين، حذرت منها عدة وكالات أممية، بسبب موجة الجفاف الحادة، وارتفاع أسعار الغذاء، ونقص السيولة المالية، ولا يُعرف على وجه التحديد ما الذي سيفعله الحاكم الجديد من أجل منع الكارثة.