الصومال اليوم

من وحي الانتخابات التاريخية؟

هذه السطور هي رجع الصدى لملحمة الانتخابات التاريخية التي عشنا أجواءها في الأيام الماضية ، والتي أفضت إلى إزاحة نظام سياسي مضطرب فكريًا وأخلاقيًا ، وسبق أن خلصت بقناعة أنه يسهم في ضرب معدن الشخصية الصومالية بممارساته في أكثر من موقع وقضية خلال السنوات الخمسة الماضية ، وليست هذه السطور مجالًا للخوض فيها .
هنا الخاطرة أو إن شئت قل الدرس الأول الذي استفاده صاحبكم من هذه التجربة السريعة والقصيرة في آن معًا ، استفتحها بحديثين يلخصان مغزى خاطرتي ورسالته ، فوحده صلى الله عليه وسلم أعطيت جوامع الكلم ، وحديثنا نثر متناثر وركيك نستعين بفطنة القراء وفهمهم .

في السنة :
١. الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام اذا فقهوا .
٢. إنما الناس كالإبل المائة ، لا تكاد تجد فيها راحلة .

ومن فقه السياسة :
فهم معادن الناس وطبائعهم وسلوكياتهم وسيرهم . معدن الشخص هو الشيء الثابت في شخصيته ، وما يحمله من قيم شخصية ، ومبادئ يعتز بها . والسنة تشير إلى ندرة ذوي المعدن الطيب والقيم الأخلاقية حتى لا تكاد تجد في مائة من الناس واحدًا ذو معدن صافي .
تختلف اتجاهات الناس وخياراتهم في السياسة ، ولكن يجب أن تبقى معادنهم صافية نقية ، وخالية من الشوائب المعيبة . ليس من إكراهات الواقع السياسي أن يضع الشخص نفسه في موقف محرج ومعيب ، يضرب معدنه الشخصي في مقتل مثل أن يقف في منطقة الرماد أو يتذبذب بين الأبواب المختلفة حرصا على المكاسب الضعيفة . وصدق من قال: ( أذل الحرص أعناق الرجال ). أؤمن أن السياسة ليست التفنن في النفاق ، ولا الجري خلف المكاسب الآنية التي لن تدوم ، بل هي تعريف شخصية المرئ بوضوح ، وتحديد موقعه وسط مسرحها النابض .
أحد أهم مؤشرات استقرار سياسة وطننا العزيز ، هو الوصول لمرحلة تمايز التوجهات السياسية ، كي يسهل تحديد تنقلاتها الطبيعية من ضفة الى أخرى . خذ مثلا 329 صوتا انتخابيا للبرلمان الصومالي ، ترى كم هي النسبة المتذبذبة التي دخلت القاعة وهي في قائمة كل معسكر ؟ قد يجادل البعض بأن هذا الوضع طبيعي لغياب تجربة الأحزاب ! للأسف الشديد ، الأحزاب مجرد وسيلة تقنية لتحسين طرق اكتساب الشرعية وليست بلسمًا لواقع مرير ذو بعد اجتماعي وتربوي يتصل بمعدن الشخص وقيمته . قد تسهم الأحزاب في تحسين قدرات كوادرها وتهيئة المشتغلين في السياسية الى خانة الوضوح والولاء للبرامج والقيم التي يحملها الحزب ، وقد تسهم تجربة الأحزاب في تحسين الاختيار لمن تقدمها في الشأن العام ، ويبقى البعد التربوي إثما جماعيا يحتاج منا لمعالجة جذرية .
سياقنا السياسي المضطرب يسهم في تشجيع التذبذب وغياب البوصلة ، وتعريف السياسة كمرادف للضبابية والوقوف بالمنطقة الرمادية في كل قضية . وبصيغة أخرى ، كمرادف للمكر والخداع . القيادة التي لا تسهم في تحرير ضمائر الناس من الخوف على أنفسهم وطموحاتهم لتعبير مواقفهم السياسية ، ستشجع حتما مسلك التذبذب والنفاق ، وفي ذلك هدر للطاقات البشرية ، بل وقتل متعمد لها ، وسينعكس سلبًا على بناء مسرح سياسي صحي . القادة السياسيون من جهة أخرى ، سيكونون ضحية للواقع الذي صنعوه بأيديهم ، وسيأتي خصما على رصيدهم السياسي ونضالهم من أجل وطن أفضل.
من زاوية أخرى ، حماية المعدن الطيب والفطرة السليمة في الناس مسؤولية وأمانة ، وتزاحمها عوامل كثيرة في سياقنا السياسي ذات بعد نفسي يتغذي من نزعة السيطرة والتحكم في القادة ، ومن هنا يقع الاختيار في المعدن الأرخص ، والأسهل حيث يسهل الضبط والتحكم لمعرفة مدخلاته التي في أغلبها تقع في خانة (المكاسب المادية) . ومن ذلك أيضًا ، الممارسة السياسية القائمة على المغنم والمغرم ، والكسب والخسارة .

Exit mobile version