بسبحة في يده اليمنى، وشال على كتفه اليسرى، وابتسامة عريضة، يقابل محمد حسين روبلي، الرئيس الصومالي المنتخب حسن شيخ محمود، وكأن حملا ثقيلا حط عن كاهله.
حمل تكفل به روبلي رئيس الوزراء الصومالي، الذي اختير بعد اتفاق سياسي بين الفرقاء، وهو تنظيم انتخابات لاختيار أعضاء مجلس الشعب والشيوخ، ثم انتخاب رئيس الجمهورية، من قبل غرفتي البرلمان.
مسار تطلب من روبلي جهدا مضاعفا لعام كامل، كان فيه بين ناري الإرهاب الذي تسعره حركة “الشباب” المرتبطة بالقاعدة، وتنازع السلطة مع الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، الذي تدخل في سير الانتخابات وتسيير الأمن، وحماية رجاله في المخابرات، ليبقى في السلطة.
وكان تعطل الانتخابات في الولايات الفيدرالية، أكبر عائق لاستكمال المسار الانتخابي الطويل، الذي رعته الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي ودول إقليمية، أرادات انتشال السودان من أزمته السياسية، للتفرغ لمكافحة الإرهاب، وتحسين الوضع المعيشي للسكان، في بلد يعاني الأمرين منذ عقود.
وبين تأجيل وآخر، وتفجيرات تستهدف تعطيل كل محطة في الانتخابات، اكتمل المسار الانتخابي، بفوز الرئيس حسن شيخ محمود في جولة ثالثة من السباق الرئاسي، ترشح فيها 36 مرشحا، وبقي اثنان في الحلبة، أحدهما فرماجو والثاني الرئيس الجديد للصومال.
لكن بطل هذه الانتخابات، لم يكن سوى رئيس الوزراء، بشهادة مراقبي الوضع الصومالي، وشركاء البلاد الدوليّين الذين قدموا التهاني للرئيس المنتخب، ولروبلي في نفس الوقت لنجاحه في الإشراف على الانتخابات.
قصة فهد ياسين وضحية المخابرات
وفي أوج تعطل المسار، بسب خلافات السياسيين، والتهديد الإرهابي، فتحت على روبلي جبهة جديدة، تمثلت في تغول رجال المخابرات الموالين لفرماجو.
واجه الرجل “المكيدة” بصرامة، وأصر على ممارسة صلاحياته، وكان لفقدان موظفة المخابرات إكرام تهليل فارح، وإعلان مقتلها لاحقا تأثير كبير على العلاقة بين فرماجو وروبلي.
واختفت الموظفة إكرام في 26 من يونيو/حزيران الماضي، وأكدت مؤسسة المخابرات، التي يترأسها رجل فرماجو، فهد ياسين، مقتلها على يد حركة الشباب بعد تسليمها لكن الحركة نفت ذلك.
ثم تحول الصراع بين رئيس الوزراء ورئيس البلاد المنتهية ولايته قبل أشهر، إلى المواجهة المباشرة، ما أثر على تعطيل المسار الانتخابي، الذي أصبح حينها مهددا بالنسف بالكامل.
وأصر روبلي على نسف رواية المخابرات بشأن مقتل الموظفة في ظروف غامضة، وردّ بعزل فهد ياسين رجل الرئيس المدلل في القطاع الأمني.
إقالة ياسين فجرت أزمة صلاحيات بين روبلي وفرماجو، لكن الخلاف انتهى في 21 من شهر أكتوبر/تشرين الأول، الماضي، لطي الملف.
لكن سرعان ما عاد فرماجو للتشويش على العملية الانتخابية، عبر فرض أعضاء مفوضية الانتخابات، ثم أتبع ذلك بمرسوم اعتبر فيه أن رئيس الوزراء فشل في قيادة الانتخابات، ودعا إلى مؤتمر تشاوري لرؤساء الولايات والحكومة الفيدرالية والمجتمع المدني للاتفاق على قيادة قادرة على إدارة الملف.
رد روبلى لم يتأخر كثيرا، وحذر في تصريحات صحفية من محاولات فرماجو عرقلة مسار العملية الانتخابية، متهما إياه بأنه يريد تزوير الانتخابات لصالحه أو تعطيلها.
وبضغط المجتمع الدولي، وباتفاق المعارضة الصومالية، وحنكة روبلي الذي نجح في تطهير المفوضية العليا للانتخابات، التي انتخب لها رئيس جديد، أعيد قطار الانتخابات إلى السكة.
إشادات بروبلي
روبلي تلقى بعد إكمال المسار، وانتخاب رئيس جديد للصومال، بعد استكمال أعضاء غرفتي البرلمان، إشادات محلية ودولية على نجاحه في المهمة الصعبة.
الإشادات المحلية، بدأت بالرئيس المنتخب، الذي استقبل روبلي أمس الإثنين، قائلا: “تشرفت باللقاء الليلة مع رئيس الوزراء محمد حسين روبلي وبعض الوزراء في حكومته. وشكرته على جهوده لإجراء الانتخابات في البلاد”.
وكتب الباحث الصومالي سالم سعيد سالم: “الرئيس الوزراء محمد روبلي رجل المهمات الصعبة، فقد أنقذ البلد من خطر الحرب الأهلية، ولعب دورا محوريا في إنجاح عقد الانتخابات رغم الصعاب والمخاطر، وها هو يبتسم بعد إنجاز المهمة”.
الناشط جراد آدم، غرد على تويتر قائلا: “روبلي جلب النجاح للصومال، إنه يستحق إعادة انتخابه رئيساً لوزراء الصومال؛ لكن ذلك غير ممكن. شكرًا لك يا روبلي على إجراء انتخابات سلسة وسلمية”.
وهكذا نجح السياسي الصومالي، المولود عام 1963، في أن يعبر ببلاده إلى بر الأمان، بعد أن قاد المسار الانتخابي الطويل، إلى انتخاب رئيس جديد، يعود إلى السلطة للمرة الثانية، بعد مخاض عسير للتداول على السلطة.
مخاض سيخلد بعده روبلي إلى الراحة لبعض الوقت، بعد أن أصبح اسمه منحوتا على صخر الأزمة الصومالية، ورقما في المعادلة السياسية، لن تهمله صفحات تاريخ البلد المضطرب.