سلطت الهجمات التي نفذتها “حركة الشباب” على قاعدة بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية (أتميس) في شبيلي الوسطى بالصومال، الأسبوع الماضي 5 مايو (أيار)، الضوء على استهداف الجماعة للبعثات الدولية لحفظ السلام، واستمرار سعيها لزعزعة الوضع الأمني هناك، ومدى فاعلية دور البعثة التي يعمل فيها جنود حفظ سلام من بوروندي، وجاءت بغرض مجابهة الحركة المرتبطة بتنظيم “داعش”، إلى جانب دعم بناء قدرات القوات الأمنية والعسكرية الصومالية.
وفي ضوء التهديد المستمر الذي تمثله الحركة داخل الصومال وامتدادها إلى منطقة القرن الأفريقي، عزم الاتحاد الأفريقي بمعاونة الأمم المتحدة على مواجهتها، لكن ذلك يعتمد أساساً على مقدار الدعم الذي يمكن أن يقدمه المجتمع الدولي والدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي.
وفي هذه العملية التي لقي فيها عشرة جنود بورونديين من عناصر حفظ السلام، مصرعهم، إضافة إلى إصابة 25 جندياً بجروح، وفقدان خمسة آخرين، بينما قُتل 20 مهاجماً، كشف عن حجم الأسلحة التي تستخدمها الحركة، إذ سلمت قوات بعثة الاتحاد الأفريقي أسلحة انتزعت من الحركة إلى الجيش الوطني الصومالي.
ويُعدّ هذا أول هجوم على قاعدة لحفظ السلام، منذ حلت بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (أتميس)، مكان القوة السابقة التابعة للاتحاد الأفريقي (أميصوم)، في الأول من أبريل (نيسان) الماضي. وجاء رداً على التراجع عن سحب القوة الذي بدأ تدريجاً عبر دفعات في عام 2017 بسحب ألف جندي ثم بعدد آخر في 2019 . وكان من المقرر انسحابها في ديسمبر (كانون الأول) 2021 وتسليم مسؤوليتها للقوات الصومالية، إلا أن مجلس الأمن قرر تمديد مهمة “أميصوم” حتى مارس (آذار) 2021 ثم حلّت محلها “أتميس”، بدلاً من قوات الأمن الصومالية.
أدى هذا التطور الذي جاء عكس توقعات “حركة الشباب” إلى عقد الآمال على دور بعثة “أتميس” في إعادة الأمن والاستقرار، لكن هناك عدداً من التحديات التي تحدّ من تحقيق أهداف البعثة، تفوق جهود التنسيق بينها وبين الحكومة الصومالية بعد تنامي عمليات الحركة.
تدخلات إقليمية ودولية
بدأ تدخل الاتحاد الأفريقي في الأزمة الصومالية بتنظيم مؤتمرات للحوار والتفاهم بين الفصائل الصومالية المسلحة والحكومات الصومالية المتعاقبة، ثم تلا ذلك إرسال بعثة لحفظ السلام في البلاد، لكن ظل النجاح محدوداً سياسياً بسبب استمرار الصراع في أروقة الحكم، وعلى الأرض على مستوى أداء البعثة لمحدودية موارد الاتحاد، ما دعاه إلى طلب الدعم المالي واللوجيستي من الدول الأعضاء.
وبعد أعوام من تفويض الأمم المتحدة لبعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم) التي استمرت منذ عام 2007 وحتى 2022، للإسهام في مكافحة “حركة الشباب”، صوّت مجلس الأمن الدولي في 31 مارس 2022 بإجماع أعضائه على تشكيل قوة “أتميس”، لتحل محل “أميصوم”، بحوالى 18 ألف جندي وألف شرطي و70 مدنياً، على أن تنسحب تدريجاً وتُسلم المسؤوليات الأمنية للحكومة الصومالية بحلول 31 ديسمبر 2024، بعد إسهامها في بناء قدرات الأمن والشرطة.
وإن كان تدخل الاتحاد الأفريقي على المستوى الإقليمي، فإن التدخل الدولي برز بعد انهيار نظام الرئيس السابق سياد بري بعام واحد، بوصول مراقبين عسكريين من الأمم المتحدة إلى الصومال في يوليو (تموز) 1992، تبعتهم قوات حفظ السلام، لكن الأمم المتحدة انسحبت عام 1995، بعدما مُنيت بخسائر كبيرة نتيجة فشل الدولة في غياب حكومة مركزية، ومن أبرز الأحداث، مقتل جنود أميركيين وسحلهم من قبل ميليشيات الجنرال محمد فرح عيديد، ما اضطر الولايات المتحدة إلى سحب قواتها فوراً.
وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، شكّلت الولايات المتحدة تحالفاً من أمراء الحرب الصوماليين، تحت مسمى “التحالف من أجل استعادة السلام ومكافحة الإرهاب”، لكن ذلك الوضع أنتج فصائل أخرى أنشأت “المحاكم الإسلامية” التي دخلت مع أمراء الحرب في صراعات مفتوحة ذات طابع جهادي ميليشياوي.
دخلت الولايات المتحدة مرة أخرى عام 2006 إلى الصومال، وبدعم عسكري إثيوبي شكّلت حكومة صومالية، انهارت سريعاً وسط احتدام الصراع بين “حركة الشباب” التي تكوّنت من “ميليشيا المحاكم الإسلامية” والوجود الأميركي- الإثيوبي.
تحديات البعثة
في هذه الأثناء، شُكّلت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم) من قبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في يناير (كانون الثاني) 2007، من قوات من أوغندا وجيبوتي وسيراليون وبوروندي، ثم انضمت إليها إثيوبيا وكينيا. ولم تستطِع البعثة الوفاء بتأدية مهماتها متأثرة بتعاطي الولايات المتحدة وإثيوبيا مع الأزمة الصومالية، ما أضعف أهداف الاتحاد الأفريقي ومكانته، وأعاق مساعيه لحل الأزمة في إطارها الإقليمي.
ومن معيقات عمل الاتحاد على هذه الأزمة أيضاً خرق القرار الذي منع مد الصومال بالأسلحة والمعدات العسكرية، ما أدخل البلاد في حالة عنف وانفلات أمني، إضافةً إلى تردد بعض الأعضاء في الاتحاد الأفريقي بالمشاركة في قوات السلام الأفريقية، وكف يدها عن تقديم المساعدات المالية.
ولا تزال التحديات تعيق عمل الاتحاد الأفريقي في مهماته اللاحقة، ومنها ما يواجه بعثة “أتميس” الحالية، وفي مقدمتها عدم توافر التمويل والدعم اللوجيستي اللازم لتأهيل القوات وتدريبها، وهي المشكلة التي ظلت تواجه بعثتي الاتحاد الأفريقي في الصومال وغيرهما من البعثات. ويترتب على ذلك تهديد البلدان المساهمة بقوات في البعثة الحالية بسحبها نتيجةً لتأخر مستحقاتها، وهناك سابقة حدثت عندما هددت أوغندا وبوروندي بسحب قواتهما من “أميصوم”.
ومن المتوقع أن تزداد معاناة الاتحاد الأفريقي بخصوص هذه البعثة، وذلك لاعتماد تمويل بعثته السابقة على الاتحاد الأوروبي كشريك وممول رئيس لها، والذي خفضه بعد ذلك. ولم يُشِر الاتحاد الأفريقي إلى طبيعة وحجم المساهمة المالية للاتحاد الأوروبي لبعثة “أتميس”، لكن هناك عوامل مؤثرة وهي أن الدعم الأوروبي اشترط وضوح الهيكل التنظيمي لبعثة “أتميس” ومهماتها، والتطورات التي تختلف عن “أميصوم” ما يضمن فاعليتها، وكذلك يعتمد الاتحاد الأوروبي على برلمانه في إصدار قوانينه واعتماد موازنته بالاشتراك مع مجلس الاتحاد الأوروبي، وبما أن للبرلمان الحق بإبداء رأيه في توسيع دعم الاتحاد، فربما يكون هناك تأثير مباشر للأحداث الدولية وفي مقدمتها الحرب في أوكرانيا، ومسؤولية الاتحاد عن تمويل بعثات أخرى غالبيتها في أفريقيا، في الحد من التمويل أو خفضه.
مواجهة الحركة
نفذت “حركة الشباب” سلسلة من العمليات الإرهابية خلال الفترة الماضية في إطار التصعيد، ولإثبات وجودها وفاعليتها على الرغم من المكافحة الدولية والإقليمية للإرهاب، بلغت حوالى 36 عملية إرهابية وانتحارية في الصومال، إضافة إلى عمليتين في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا.
وقبل تنفيذ هجمتها على بعثة “أتميس”، كانت آخر عملياتها الهجومية التي راح ضحيتها العشرات في مطار آدم عدي بمقديشو وفي مدينة بلدوين في 23 مارس 2022، إضافة إلى تفجير انتحاري أسفر عن مقتل مرشحة الانتخابات البرلمانية آمنة عبدي. بعد ذلك التفجير، أعلن جهاز الاستخبارات الصومالي في 4 أبريل الماضي عن استهداف الرئيس الصومالي محمد عبدالله ورئيس وزرائه محمد حسين روبلي.
ولعل ما منح الحركة كل هذا الثبات هو أنه في ظل انقسام الجيش الصومالي إلى تيارات عشائرية وسياسية، تمتلك “حركة الشباب” آلاف العناصر، إضافة إلى إمكانات اقتصادية ومالية يمدها بها تنظيم “داعش”، وقدرات أمنية واسعة بسبب تغلغلها في المجتمع الصومالي. وعززت من هذا الوضع نتيجة لسيطرتها على استثمارات الموانئ، وفرضها ضرائب على الحاويات، واختراقها قطاعات الأعمال والاقتصاد. وقدّر تقرير الأمم المتحدة موازنة الحركة بما بين 70 إلى 100 مليون دولار، تأتي محصّلة لما تفرضه من ضرائب، فضلاً عما يُحوّل إليها من الخارج عبر نظام تحويل الأموال عبر الهاتف.
ولا يقتصر نفوذ “حركة الشباب” على التمويل فقط، فهي تهدد سبع مدن جراء معاركها مع القوات الصومالية، واستطاعت السيطرة على ثلاث مدن استراتيجية أخرى، هي متبان وعيل طيري وغدون التي استعادتها القوات الصومالية في ديسمبر الماضي.
تصعيد دولي وإقليمي
على الرغم من النجاح المحدود الذي حققه الاتحاد الأفريقي على صعيد القضية الصومالية، فإنه لا يزال يواجه تحديات خطيرة في مجالَي السلم والأمن، نظراً إلى ما يحيط بالقارة عموماً من استمرار النزاعات وانعدام الأمن، مع ما يترتب عليه عدم الاستقرار في الصومال من عواقب إنسانية واجتماعية واقتصادية، خصوصاً مع تجدد الاشتباكات مع “حركة الشباب” وتنفيذها هجمات إرهابية تستهدف هذه القوات.
تحتاج بعثة “أتميس” إلى معاملة خاصة لكونها تختلف عن نماذج بعثات الاتحاد الأفريقي الأخرى، نظراً إلى خطورة الوضع الأمني في الصومال، ومجابهة جماعة إرهابية تشكل حكومة ظل في وجود حكومة رئيسة تجاهد من أجل تجاوز أزمتها السياسية. ونظراً إلى التحديات المحيطة بعمل البعثة، يُتوقع تمديد عملها إلى ما بعد عام 2024، ما يترتب عليه عدم وضع سقف زمني لتحقيق أهدافها، وتباطؤ استجابة الدول الداعمة، وتضاؤل دعم الاتحاد الأوروبي الذي سيطالبها بتقارير عما حققته سياسياً وأمنياً للصومال، كمبرر لإطالة أمدها.ربما تفرز هذه التداعيات حالة من التصعيد الدولي باتجاه الاتحاد الأفريقي، في الوقت الذي لا تزال قضايا أفريقيا التي يشرف عليها بمؤسساته المختلفة في جدول اهتمام مجلس الأمن الدولي الذي ينتظر نتائج إيجابية عن بعثات حفظ السلام في القارة. أما التصعيد الإقليمي، فسيكون نتيجة للإحباط من عجز الاتحاد عن تحقيق السلام والأمن، وتأثير ذلك في التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى لوضع تفاهمات لحل أزمات القارة بدلاً من انتظار الحلول الدولية.