الصومال اليوم

إكرام تهليل.. القشة التي قسمت ظهر مافيا قطر في الصومال

كيف تم استدراج المسئولة في جهاز المخابرات واختطافها وتصفيتها ومن أفشل صفقة فهد ياسين مع حركة الشباب لتبني المسئولية وإخفاء الجريمة؟

الصومال اليوم – تقرير خاص

لم يتوقف غضب الشارع الصومالي لحظة منذ إعلان الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو رسميا ترشحه للرئاسة لولاية ثانية ومشاركته في السباق الرئاسي، حيث كان الجميع ينتظر ان يطلع عليهم فرماجو ببيان اعتزال وعدم الترشح مجددا لمنصب الرسالة وذلك لتهدئة الشارع الغاضب من سجل الرجل الأسود وفشله الذريع وسلسلة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها طوال فترة حكمة للبلاد على مدى خمس سنوات.
شكل فرماجو وفريق مجموعته في الحكم ما يشبه “مافيا” لبسط السيطرة واحتلال السلطة بكل مفاصلها مستخدما كل وسيلة غير شرعية وكل أسلوب منافي للعرف والقانون والأخلاق لتحقيق أطماعه، وتولى جهاز المخابرات ورئيسه السابق المعزول فهد ياسين تنفيذ ذلك ليصبح الجهاز اشبه بغابة يسكنها وحوش بشرية لا تنتمي للإنسانية بصلة، وسجلا اسودا تم تدوين فيه كل جريمة بشعة يمكن لا يتخيلها بشر، وطالت يد الجهاز الملطخة بالجريمة وبشاعة التنفيذ كل من يعارض نظام المافيا وعملا قطر “فرماجو وياسين” وكل من يشكل خطرا على استمرار حكم الرجلين، سواء من المدنيين وحتى من أعضاء ومنتسبي الجهاز ذاته، ولكن كانت جريمة اختطاف وإخفاء وتعذيب وقتل الضابطة في جهاز المخابرات إكرام تهليل فارح الأكثر بشاعة وهي القشة التي قصمت ظهر البعير وكشفت المستور وأظهرت للعلن ما يخفيه الجهاز من جرائم وانتهاكات.

ماذا حدث؟:

دون سابق انذار تفاجأت أسرة الضابطة في جهاز المخابرات الصومالي ورئيسة قسم تحليل المعلومات في الجهاز باختفائها في الـ 26/يونيو/2021م، وحينها وجهت والدتها قالي اتهامات لجهاز المخابرات بالتورّط في اختفاء ابنتها، وطالبت بالكشف عن مصيرها وإعادتها إلى أهلها، لكن لم تجد دعوات الوالدة قالي آذانا صاغية لدى قيادة الجهاز أو الدولة .
لكن ماذا حدث قبل ذلك ولماذا تم اتهام جهاز المخابرات الذي تعمل فيه بالوقوف وراء اختطافها؟.


للإجابة على ذلك كشفت مصادر عاملة في جهاز المخابرات تفاصيل سرية حول سبب اختطاف وتصفية الضابطة إكرام تهليل التي انضمت إلى جهاز المخابرات عام 2017، بعد تسلم “فرماجو” ومجموعته لسدة الحكم في البلاد، مباشرة، وكان يحذوها الأمل في خدمة بلادها من خلال تخصصها الهام في نظم المعلومات الذي كان جهاز المخابرات في امس الحاجة إليه، إلا أن يد الغدر اغتالت هذا الحلم.

بداية عملها في الجهاز:

فور انضمامها للجهاز ونظرا لذكائها أخذت إكران تهليل تترقى داخل الجهاز بسرعة حتى اصبحت رئيسة قسم تحليل المعلومات، وهو ما أتاح لها الاضطلاع على كل صغيرة وكبيرة داخل الجهاز وعمله وبينها معلومات حساسة وشديدة السرية تتعلق بالاعمال “القذرة” التي يمارسها الجهاز والتي تشمل الاغتيالات السياسية وتصفية الخصوم والعلاقة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية والابتزاز الجنسي والقمع ضد كل صوت معارض للمجموعة التي وصفت بـ”مجموعة قطر”، وهو ما أصابها بصدمة وحطم معنوياتها، وأفقدها الثقة في الجهاز وولد لديها الخوف والرعب، ولهذا قررت الفرار إلى بريطانيا واتخذت من مواصلة الدراسات العليا هناك ذريعة للفرار.

الاستدراج:

بعد تمكنها من الفرار ومغادرة الصومال إلى بريطانيا استاء فهد ياسين رئيس الجهاز حينها من ذلك وتملكه الخوف والرعب من تسرب المعلومات والوثائق التي بحوزتها وهو ما يعني افتتضاح أمره، وكشف بشاعة مجموعته “مجموعة قطر” ولهذا بذل الرجل جميع الجهود لارجعاعها إلى البلاد بأي طريقة كانت، وقرر استدراجها والتخلص منها إلى الأبد.
تقول المصادر الخاصة في الجهاز “إن فهد ياسين اتصل بها حينها شخصيا مستغلا صداقته ومعرفته الشخصية بوالديها والثقة التي كان يوليها اسرة إكرام لهذا الرجل، وطلب منها العودة إلى البلاد في أسرع وقت ممكن لأن الجهاز بحاجة ماسعة لها، وأغراها من أجل ذلك بعدة عروض بينها ترقيتها إلى منصب رفيع في الجهاز، وإعطائها امتيازات كثيرة تشمل شراء السكن وسيارة إضافة إلى إعطائها امولا كبيرة وراتبا مغريا.

الاغتيال البشع:

بعد ان وثقت إكرام تهليل بفهد ياسين وصدقت وعوده تركت دراستها في بريطانيا وعادت إلى الصومال في أبريل العام الماضي بناء على الضمانات والعهود والوعود التي اعطاها لها فهد ياسين، غير انها لم تكن تعلم أنه قد أعد خطة للتخلص منها، وأنها ابتلعت الطعم ووقعت في الفخ، وعادت لتلقي حتفها.
المصادر الخاصة في جهاز المخابرات اكدت أن فهد ياسين هو الذي أشرف بنفسه شخصيا على خطة اختطاف وتعذيب وقتل إكرام تهليل، بحيث اوكل إلى ياسين فري رئيس جهاز المخابرات حينها في محافظة مقديشو مهمة اختطافها وإحضارها إلى إحدى السجون السرية للمخابرات، بينما تولى القيادي البارز في جهاز المخابرات عبد الله كلنى عملية الاستجواب والتعذيب حتى ماتت تحت التعذيب الوحشي.
وأكدت المصادر إن “إكران تهليل” تعرضت لأبشع انواع التعذيب الجسدي والنفسي، والذي تنوع بين الصعق بالكهرباء والجلد بقضيب حديدي والأغراق في الماء والتحرش الجنسي”، مؤكدة ان عبدالله كلني حاول اغتصابها أكثر من مرة أثناء التعذيب حتى ماتت.

القشة التي قسمت ظهر البعير:

لم يكن اغتيال إكران تهليل الجريمة الوحيدة التي ارتكبتها المخابرات الصومالية ومجموعة قطر في الصومال بقيادة فهد ياسين وفرماجو وإنما كانت قضية تهليل هي السبب لفضح الممارسات القذرة التى كانت تجري في أروقة الجهاز وداخل سجونه السرية من قتل وتعذيب واختفاء قسري، وتعذيب حتى الموت للمعارضين، من المدنيين وحتى من أعضاء وعملاء الجهاز نفسه الذين أفاقوا من الغفلة وصحى ضميرهم من هول أعمال الجهاز ولكن كان مصيرهم التصفية، وإلقاء التهم إلى حركة الشباب التي يؤكد كثير من الضباط ارتباطها بجهاز المخابرات وبفهد ياسين شخصيا، وكان يستخدمها أيضا في خدمة مجموعة قطر ولتنفيذ مخططاتها الخطيرة.

قضية رأي عام:

أصبحت قضية اغتيال إكرام تهليل بعد الكشف عنها قضية رأي عام وأصبحت قضية كل شعب الصومال والذي مارسل ضغط كبيرا في الشارع على الحكومة للقيام بدورها وسط مطالبات بمحاكمة فهد ياسين وعبدالله كولاني وياسين فري، خاصة بعد البيان الذي أعلنه جهاز المخابرات في الـ 3/سبتمبر/2021م بأن حركة الشباب اغتالت إكرام تهليل وهو ما نفته الحركة وأعلنت في الـ 4/سبتمر/2021م، بيانا نفت فيه تورطها باختفاء إكرام، وهو ما عزّز الشكوك المحيطة بتورّط جهاز المخابرات في قضية اختطاف وتصفية الضابطة إكرام تهليل.
وحينها وأمام الضغط الشعبي طالب رئيس الحكومة محمد حسين روبلي في الـ 4/سبتمبر/2021م، طالب رئيس المخابرات فهد ياسين بتقديم تقرير مفصل حول ملابسات الحادث في غضون 48 ساعة، إلا أن فهد ياسين رفض ذلك وبعث في الـ 5من سبتمبر2021م، برسالة إلى رئيس الوزراء طالبه فيها بعقد اجتماع مجلس الأمن الوطني ليستمع إلى تقريره الحساس حول هذه القضية، وهو ما اعتبره روبلي رفضا واهانة له فأصدر قرارا بإقالة “فهد ياسين” من منصب مدير المخابرات، وتقديم الملف إلى المحكمة العسكرية للتحقيق فيها، وبالتزامن رفعت أسرة “إكران تهليل” دعوة قضائية ضد “فهد ياسين” و “عبد الله كولاني” في المحاكم المحلية بتهمة مقتل إبنتها، ورافقها مطالبات برفع الدعاوى في المحاكم الدولية والأوروبية ضد فرماجو وياسين ولا سيما وأن والد القتيلة دكتور “تهليل” يحمل الجنسية البريطانية.

ماعلاقة فرماجو في القضية؟:

الرئاسة الصومالية ممثلة بالرئيس فرماجو رفض حينها قرار روبلي بإقالة فهد ياسين، ليؤكد تورطه في القضية وتدخل بقوة لحماية حليفه وزعيم مافيا قطر فهد ياسين.
وهو ما أثبته وزير الأمن الداخلي لولاية غلمذغ أحمد معلم فقه الذي أكد وجود أدلة تثبت تورط فرماجو وجهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي في قضية إكرام تهليل فارح باختطافها وتصفيتها جسديا، وأكد ان حرص فرماجو وتدخله لحماية فهد ياسين والقيادة المتورطة في الجريمة، حيث اندفع فرماجو وتدخل في قضية لا تخصه، وخلق حينها أزمة سياسية أخرى بغية صرف الأنظار عن القضية الجوهرية، بل حرص فرماجو وحاول جاهدا لدفع دية الفتاة إكرام تهليل بطريقة غير شرعية، ودون حتى مقابلة عائلة الضحية، ولم يكتفى بذلك بل وجه فرماجو قوات الشرطة بالإعتداء على متظاهرين متضامنين مع قضية إكرام تهليل، ومطالبين بتحقيق العدالة، وساوى فرماجو قضية إكرام تهليل واقتراحه تعيين لجنة أمنية لحل القضية، وعدم نقل الملف إلى المحاكم.

صفحة من سجل فرماجو الأسود:

ولم يكتفي فرماجو بذلك بل عمد لملاحقة ومعاقبة كل من ساهم في فضح القضية وكل من يتابع فيها ومن القيادات النشطة التي كانت تتولى مسئولية متابعة تحقيق العدالة في قضية إكرام تهليل النائبة البرلمانية المعارضة البارزة المغدور بها آمنة محمد عبدي والتي تم اغتيالها بتفجير انتحاري في مدينة بلدويني وسط الصومال، نهاية مارس الماضي، وأكد سياسيون حينها وقوف فرماجو وفهد ياسين “مجموعة مافيا قطر” وراء الجريمة، خاصة وأن النائبة آمنة عُرفت بمعارضتها الشديدة لنظام الرئيس المنتهية ولايته محمد عبدالله فرماجو، وكانت تسعى لتحقيق العدالة في قضية إكرام تهليل فارح.
وفي السياق قال العضو في مجلس الشعب مهد صلاد أن مسؤولين رفيعي المستوى في جهاز المخابرات كشفوا له معلومات شديدة السرية وأكدوا أن قيادة جهاز المخابرات فشلت بعد تصفية إكرام تهليل في التنسيق مع حركة الشباب لتبني مسؤولية مقتلها مقابل مبلغ مالي مغر جدّا، حيث كان يخطط الجهاز لإخفاء الجريمة، غير أن المحاولة فشلت بعد اعتراض قياديين بارزين في الحركة، تربطهم علاقات قرابة وثيقة مع أهالي إكرام تهليل فارح على الصفقة.
من جانبه أكد المدير الأسبق لجهاز المخابرات عبدالله سنبلولشي، ان إكرام تهليل كانت تحتفظ بسجل القوات الصومالية المتدربة في إرتيريا وما يشاع من مشاركتهم في الحرب الإثيوبية الإثيوبية وهو أحد أهم الأسباب الرئيسية لتصفيتها، بالإضافة إلى ما تملكه من معلومات حول تفجير الـ 24/يوليو/2019م، الّذي استهدف مقر بلدية مقديشو وأسفر عن مقتل مسؤولين كبار في إدارة إقليم بنادر من بينهم المهندس عبدالرحمن محمد عثمان يريسو رئيس إدارة إقليم بنادر الّذي توفي في الـ 1/أغسطس/2019م بمستشفى في الدوحة القطرية متأثرا بالجروح الّذي أصابته جرّاء هذا التفجير.

Exit mobile version