أقل ما يمكن وصف الانتخابات الجارية في الصومال به هو أنها استثنائية الطابع ومعقدة النهج وصعبة التنبؤ بنتائجها. وسجّلت هذه الانتخابات سوابق تاريخية وسياسية غير معهودة في النظام الانتخابي المتعارف عليه في البيئة الدولية المعاصرة. ومن ضمن تلك السوابق استمرارها قرابة عامين في أنحاء البلاد وانتخاب النواب في مجلس الشعب من قبل لجان عشائرية محدودة العدد (101 فردا) بدلا من الدائرة الانتخابية ذات المعنى الجيوسياسي بالإضافة إلى أن هذه الانتخابات كشفت الفجوة الزمنية بين الصومال والعالم المعاصر بمافي ذلك محيطها الإقليمي وذلك عند النظر في طريقة إجرائها والأدوات اليدوية المستخدمة ومصداقية الشخصيات العاملة فيها ومستوى المنتخبين وعدم المواءمة بين هذ المستوى والتحديات الوجودية التي تمر بها البلاد بالإضافة إلى أن النواب لا يمثلون أي حزب أو طيف سياسي ويتم اختيارهم بالتوافق بين زعماء القبائل والمجتمع المدني وإدارة الولايات والسلطات الفيدرالية.
ومن السوابق المسجلة في هذه الانتخابات أيضا تعدد مراكز القوى التي تديرها والتي تميزت علاقاتها العملية بالمشاكسة السياسية والمزاحمة القبلية وغياب المرجعية القانونية المحتكم إليها في حال تعذر الإجماع السياسي فضلا عن انحصارها في أنها هي انتخابات نيابية ورئاسية فقط ولا تشمل أي مستوى آخر من انتخابات هياكل البلديات والأقاليم والمحافظات .عمليا، كانت الانتخابات تدار من قبل لجنتي (FEIT) الفيدرالية و(SEIT) الإقليمية المعتمدة من قبل المنصة الجامعة بين الحكومة ورؤساء الولايات وتعمل سويا على انتخاب النواب في الولايات والعاصمة. ويكون يوم الـ 15 من هذ الشهر الجاري هو نهاية الفصل الأخير من توقفاتها المتوالية باعتبار أنه اليوم المحدد لعقد الانتخابات الرئاسية الأكثر إثارة.
المراحل والنهج المتبع
يعتبر انتخاب رئاسة المجلسين بالبرلمان الفيدرالي نهاية المرحلة الأولى من الانتخابات التي كانت مقسمة هي بذاتها إلى انتخاب مجلسي الشعب والشورى، وتعمل اللجنة الموحدة المعتمدة من المجلسين بتنظيم الانتخابات الرئاسية الأخيرة المحددّة بـ 15 من هذ الشهر الجاري. وسيكون بعدها فترة انتقالية ستاخذ قرابة شهرين اضافيين من انتخاب الرئيس. وسبق انتخاب أعضاء مجلس الشورى الـ2 (54 مقعدا) على انتخابات مجلس الشعب الـ 11 غير المكتمل بعد (275 مقعدا) وانتخب أول عضو منه في يوليو 2020م في ولاية جوبالاند ويتمّ انتخاب أعضائه من قبل المجالس البرلمانية الإقليمية باعتبار أنه يمثل الولايات الفيدرالية الأعضاء في الدولة ( %26 نساء و74% رجال) منهم 39 جدد و15 كانوا أعضاء في المجلس السابق بينما انتخابات أعضاء مجلس الشعب ما زالت مستمرة في بعض الولايات وهو يعكس التمثيل الشعبي والمناطقي في الصومال بشكل عام. وشارك في انتخاب رئيس مجلس الشعب الأخير ونائبيه بـ 245 عضوا وغاب عن انتخاب رئاسته أعضاء لم يتم انتخابهم بعد في بعض الولايات ويوجد أيضا آخرون لم يشاركو في عملية التصويت والاختيار بعد انتخابهم نتيجة الجدل الدائر حول شرعيتهم الانتخابية والخلاف القائم بين القوى السياسية المختلفة في دوائر انتخابهم.
الاشكاليات
بدأ هذ النموذج الانتخابي غير المباشر عام 2000م في مؤتمر عرته في جيبوتي وهو بديل عن الانتخاب المباشرة (نظام القائمة) التي نهضت في الصومال في فترة ما قبل الاستقلال وتمّ اعتمادها في انتخابات 1964 و1968م بنجاح مشهود. وكان هناك قانون انتخاب جديد تم تمريريه من قبل الهيئات الدستورية في البلاد في 2018م بما في ذلك الحكومة ووقعها الرئيس في فبراير 2020م. والقانون قريب أوشبيه للذي كان سائدا في البلاد في فترة الحكم المدني (1960-1969م) وتمّ التوافق عليه من قبل الشركاء الأساسيين في القرار السياسي في تفاهمات يبدواه في 2018م ويعتبر هذ القانون البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة ويعتمد على التعددية الحزبية ويقرّرأن يتم انتخاب الأعضاء في مجلسي الشورى والشعب والرئيس بالانتخاب المباشر ويمنع القانون كذلك مشاركة موظفي الدولة والجيش في المستويات المختلفة من الانتخابات ويجرّم استخدام المال الأجنبي في الانتخابات العامة ويحسم الاعتماد على نظام القياس الحيوي (Biometric) للتقليل على التزوير والفساد السياسي الأكثر احتمالا في حالة الذهاب إلى الانتخابات غير المباشرة .
أصبح من الصعب تنفيد هذ القانون عمليا على اعتبارات مختلفة يمكن تصنيفها إلى اعتبارات ذاتية وموضوعية أو أخرى حقيقية وذرائعية وخلق تخوفات جدية من قبل الفاعلين السياسين على مصيرهم السياسي وطموحاتهم الشخصية، حيث أنه يفرّد مسؤولية تنفيذ القانون على اللجنة الوطنية في الانتخابات وأعطي حصانة قانونية للعاملين فيها وحدّد قدرة رؤساء الولايات في التأثير والتدخل في العملية الانتخابية وتصويت اللجان وتوجيه اختيار النواب وسحب كذلك الاعتبار من النواب الذين يريدون البقاء في مقاعدهم بنهم نادر وسدّ الباب على امكانية إيجاد طرق ضامنة للعودة السهلة إلى المقاعد وبالإضافة إلى ذلك كله أنهي القانون دور زعماء العشائر المهيمنة في العملية الانتخابية وأعطي مساحة واسعة من الحرية للناخب وأعاد له الاعتبار المسلوب منذ 1969م الذي وقع فيه الانقلاب العسكري في البلاد. وأخيرا ترك القانون للأحزاب السياسية الـ82 في ذلك الوقت هامشا واسعا من المناورة والممارسة وقلّل منافذ انتشار الفساد .
وتوجد بعض الرهانات الموضوعية التي تم تقديمها من قبل اللجنة البرلمانية الـ15 التي أوصت في تقريرها المرفوع إلى مجلس الشعب في نوفمبر 2019م ربط امكانية عقد الانتخابات المباشرة بانهاء مراجعة الدستور واكتمال النظام الفيدرالي وإجراء الإحصاء السكاني القومي واعتماد قانون الجنسية والحسم في موضوع الوحدة الوطنية للبلاد، هذ، إلى جانب وجود بعض الأطروحات التي تعيب على القانون تناقض بعض مواده بالدستور مثل إقراره بالانتخاب المباشر في المناصب العامة وفي نفس الوقت تمسكه بمبدء تقاسم السلطة القائم على صيغة 5.4. وكذلك عدم الواقعية في امكانية تنفيد بعض مواده المحورية، حيث إن المدى الزمني الفاصل بين توقيعه وجدولة بدء تنفيده كانت 6 أشهر وهي فترة ليست كافية في تسجيل الناخبين وتوفير المعدات التكنولوجية اللازمة والاحتياجات اللوجستية وتدريب الفرق والمجموعات العاملة في مراكز الاقتراع وحشد الموارد المالية الضرورية لإجرائها المقدرة بـ 100 مليون دولار على الأقل وذلك على الرغم من محاسنه التي كانت ستاخذ البلاد في حالة التوافق على تنفيده إلى تجربة ديموقراطية بدائية وفترة انتقالية مفصلية في تاريخنا المعاصر.
هذ التناقض في ما بين مواد القانون وتقاطع مصالح الشركاء السياسيين حوله سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى الولاية أدى إلى التعكر في الأجواء الانتخابية والعمل السياسي المشترك بشكل عام وتمّ الاتفاق أخيرا على إلغاء تنفيده واعتماد صيغة انتخابية أخرى غير مباشرة وهي مايسمى باتفاق17سبتمبر2020م وهي صيغة معدلة أوبالأدق غير مغايرة كثيرا عن التي تم اعتمادها في انتخابات 2016م. وأعطت هذه الصيغة مسؤولية تنفيد الانتخبات لجانا مشتركة تأتي من قبل الولايات والسلطة الفيدرالية معا بالتوافق وحددّت عدد أعضاء اللجان المنتخبة للنواب بـ 101 فردا بدلا من المباشر اللامحدود وألغى الاتفاق المذكور قانون الانتخابات الممرّر من قبل الهيئات الدستورية وضمن إلى حد ما لرؤساء الولايات قدرة التحكم والتوجيه لنتائج الانتخابات على أساس أنهم يتحكمون في مسرح الانتخابات ويساهمون في تعيين الأعضاء في (FEIT) وينفردون بتعيين الأعضاء في (SEIT ) العاملة في الانتخابات
أسباب تاخر الانتخابات عن مواعيدها:
- وجود خلافات حقيقية بين قادة السلطات الفيدرالية ورؤساء الولايات حول قانون الانتخابات وتنفيذه الميداني أو العملي. وقد يكون سبب هذ الاختلاف المتكرّر في أكثر من موضوع هو انعدام الثقة بين رؤساء الولايات والسلطات الفيدرالية وغياب حسن النوايا وغلبة المصلحة الفردية على العامة لأسباب مختلفة. وقد وجدت بين قادة السلطات الفيدرالية ورؤساء الولايات أزمة الفهم للأدوار السياسية المنوطة بهم والثقة في المسؤوليات الحلزيونية المشتركة بينهما، حيث أن قادة السلطة الفيدرالية تعتبر على أن للولايات وكلاء ونواب ومندوبين في الهيئات والمجالس المختلفة من الهيئات الفيدرالية المختلفة ومن ثمّ، فانها تريد رفع الاعترضات وتقديمها عبر منابر تلك الهيئات الدستورية، بينما رؤساء الولايات يريدون التشاور والتواصل معهم في جميع ماهو مشترك وأن تكون السلطات الفيدرالية عاكسة على إرادة الولايات المتمثلة برؤسائها وأن قانون الانتخابات الأخير كمثال بدأته الوزارة المعنية وهي وزارة الداخلية التي كان وزيرها وقتذاك ينحدر من ولاية بونت لاند ومرّ بالمنصات التي تضفيه طابعا قانونيا ومع ذلك اعترضته بعض الولايات لأسباب سياسية وأن المشاورات العديدة التي كانت بعدها لم تنه بالتوافق إلى أن تم وأده وتفكيك بنوده في اتفاق 17سبتمبر المذكور
- رغبة الشركاء السياسيين في التحكم في نتائج الانتخابات قبل إجرائها، حيث إن رؤساء الولايات وقيادة السلطات الفيدرالية كلهم إما أن يكونو مرشحين لرئاسة الجمهورية ومناصب كبيرة في السلطة الفيدرالية أويدعمون مرشحا بعينة من بين المرشحين الموجودين في داخل المنظومة السياسية أوخارجها وبالتالي الكل يعمل التأكد على أن النائب الذي سيخرج من الانتخابات أو الوكيل الذي سيكون عضوا في مجلس الشورى سيكون لصالحه وأن صوته سيكون مؤمنا لنفسه أولمرشحه الذي يدعمه في السباق الرئاسي القادم وبالتالي، ساد نوع من حرب الإرادات المتقاطعة وتناقض المصالح الآنية بين الشركاء السياسيين الذين تنعدم فيما بينهم رؤية الفوز للجميع (Win-Win Situation) والتنازل للمصلحة العامة في البلاد
- سيادة سوء النوايا المتبادلة بين أصحاب الشأن في القرار السياسي المتعلق بإجراء الانتخابات، حيث إن قادة السلطة الفيدرالية والولايات اعتبرو الانتخابات على أنها وجه آخر من وجوه الحرب السياسية السائدة بينهما منذ 2017م والشكوك التي ظهرت فيما بينهم مبكرا، حيث ان السلطة الفيدرالية أرادت من البداية تغيير الأوضاع السياسية التي ورثتها في البلاد وذلك عن طريق الدفع بتغيير رؤساء الولايات وقطع العلاقة والتعاون بينها وبين الدول الأجنبية وتقوية دور السلطة الفيدرالية في الحكم وممارسة أقصى حد من الصلاحيات الدستورية والنفوذ المتاح عندها واتخاذ خطوات غير محسوبة العواقب بينما اعتبر بعض رؤساء الولايات وبالذات ولايتي بونت لاند وجوبالاند في العملية الانتخابية وتنفيذ قانون الانتخابات (2020-2021) نكوصا عن النظام الفيدرالي برمته وعودة للدولة المركزية السابقة وفرصة مواتية لتجديد الشرعية للقيادة الحالية في السلطة الفيدراية أو البقاء في الحكم لمدة أطول وضياعا للعديد من المكاسب السياسية التي حققتها تلك الولايات في فترات سابقة ومن ثمّ غابت جدية تلك الأطراف الأسياسية في العمل على التعاون الصحي في تسريع وتيرة سير العملية الانتخابية ولولا التباين الحاصل في المواقف بين رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه والتهويش الدولي أوالضعط الآتي من المجتمع الدولي لتبخرت مواعيد الانتخابات ولكانت البلاد تدخل ربما في نفق سياسي مظلم لا نهاية له .
أهمية اكتمال الانتخابات
يعكس توافق اللجنة الموحدة المشتركة الـ 16 المقسمة إلى 6 من مجلس الشورى و10 من مجلس الشعب على اختيار رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية وتحديد موعد عقد الانتخابات الرئاسية بـ 15 مايو من هذ الشهر الجاري خطوة هامة وحاسمة في اكتمال الانتخابات الممتدة ويعيد تزامن ذلك اليوم بيوم تاسيس حزب SYL أملا جديدا في أن تأخذ البلاد نحوغد أكثر اشراقا . وتمثل الانتخابات الرئاسية المجدولة في 15 من هذ الشهر الفصل الأخير من هذ الانتخابات الممتدة بفترة طويلة وهناك الكثير من الرهانات التي هي مرتبطة باكتمالها وقد يكون احتواء الهزات والإرتدادت السياسية التاتجة من السطو في الانتخابات مؤخرا وتجاوز عدم اليقين السياسي السائد في البلاد في السنوات الأخيرة وردم الفجوة الواسعة بين القوى السياسية الوطنية واستعادة الثقة شبه المتجمدة بين السلطة الفيدرالية والولايات الفيدرالية من جهة والسلطات الفيدرالية والمؤسسات الدولية الفاعلة الدور في البلاد من جهة أخرى أولى تلك الرهانات. هذا بالإضافة إلى البحث عن حلول مستدامة عن دورة الأزمات الانسانية المتجددة المتأرجحة بين الجفاف والمجاعة ووقف تمددّ قدرة المجموعات الإرهابية المسلحة والحد من قدراتهم يكون أمرا ملحا ومفصليا وهي كلها رهانات واقعية
والأهم من ذلك كله العمل على اختيار رئيس مدرك لحقيقة الوضع الحالي المتدهور الذي تمر به البلاد و قادر على القيادة نحو الخروج من هذه الدوامة السياسية العقيمة التي تبدأ بخلق ورفع سقف توقعات المواطنين وتنتهي بانطفاء شعلة الأمل والتباكي على سابقه وتبدأ مبكرا العمل على عقد انتخابات شاملة وذات مصداقية تضع الحد بين الانتخابات والاختيارت وتؤصل الوحدة المناطقية وتعمق مفهوم التعايش الاجتماعي المشترك وتربط الداوائر حسب التقسيمات الأفقية الجغرافية وليست العمودية القبلية ولا تخدم لصالح أجندة فئوية أو مجموعة محدودة العدد تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة وتنهي كذلك العقلية المهيمينة في حكم مفاصل الدولة التي تتجاهل الالتزامات الدستورية وتتملص من المحاسبة والمساءلة العامة وتريد أن تدير الدولة تماما مثل شركة تجارية ذات أسهم محدودة يكون الربح المضمون مسبقا هو الحافز في حركة العمل ويكون صاحب السهم الأكبر هو المتحكم في الكلمة النهائية عندها. وفي نهاية المطاف تخرجنا من حالة شبه العزلة الدولية التي نعيش فيها منذ عقود وتقرب المسافة الفاصلة بيننا وبين العالم المعاصر الآخذة في الاتساع وتحوّل ممارسة العمل السياسي في البلاد من دائرة حرب الأشخاص إلى دائرة حرب الأفكار ومن لعبة شد الحبل إلى شد الهمم.
سيد عمر معلم عبد الله
*دبلوماسي صومالي