موجات جفاف القرن الأفريقي تهدد حياة مليوني طفل والجوع يتفاقم
بينما يشهد العالم طفرات سريعة في أسعار الغذاء والوقود وصلت إلى مستويات غير مسبوقة جراء تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، ونتيجة تدني الإنتاج وتأثر سلاسل التوريد، أتت عوامل الجفاف الذي يُداهم منطقة القرن الأفريقي بسبب شُحّ الأمطار لمواسم عدة مضت، لتضيف تخوفاً آخر من مغبّة وقوع المنطق في براثن الجوع وتهجير ملايين العائلات، وهي كارثة تقترب مع مرور كل يوم، بحسب تحذيرات برنامج الغذاء العالمي، حيث ما يقرب من مليوني طفل في مواجهة خطر الموت جوعاً، إذ تُعد موجة الجفاف التي يُنتظَر أن تواجهها منطقة القرن الأفريقي، وفق تصريحات منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، واحدةً من أسوأ موجات الجفاف منذ عقود.
سباق مع الجوع
وكشف غريفيث في كلمة أمام مؤتمر مغلق للمانحين عُقد في جنيف، الشهر الماضي، عن أن الأمم المتحدة لديها جزء بسيط من مبلغ الـ 1.4 مليار دولار الذي تحتاج إليه لمواجهة مواسم الجفاف في أنحاء عدة من العالم، مثل كينيا وإثيوبيا والصومال، مشيراً إلى أن “الحقيقة القاسية التي يجب الاعتراف بها، هي أننا في سباق مع الزمن مرة أخرى لتفادي خسائر كبيرة في الأرواح خلال عام 2022 الحالي، بينما لا تتوفر الموارد للقيام بذلك”.
وأوضح برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، “أن ثلاث سنوات مرت من دون هطول فعلي للأمطار، جعل المنطقة تسجل الظروف الأشد جفافاً منذ ما يزيد على 40 سنة في عام 1981، بصورة قضى فيها الجفاف على المحاصيل وتسبب بارتفاع معدل نفوق الحيوانات بصورة غير طبيعية، وأرغم العائلات المقيمة في الأرياف، والتي تعيش من تربية الحيوانات والزراعة، على هجر مساكنها.
وبحسب البرنامج، فإن هناك حاجة ماسة إلى توفير مبلغ 327 مليون دولار لتلبية الاحتياجات العاجلة على مدى الأشهر الستة القادمة، لمساعدة المجتمعات ورفع قدراتها على مواجهة الصدمات الغذائية المتكررة.
المناخ وتفاقم الجوع
وذكر البرنامج الأممي في بيان، أن عدد الجياع بسبب الجفاف قد يرتفع من 14 مليون شخص إلى 20 مليون شخص خلال عام 2022، وذلك مع استمرار احتجاب الأمطار التي تشتد الحاجة إليها عبر منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب ضمور وانخفاض المساعدات الإنسانية.
وقال المدير القُطري لمنطقة شرق أفريقيا في البرنامج، مايكل دانفورد، إن “التجارب السابقة كشفت عن أن العمل المبكر لتجنب كارثة إنسانية أمر حيوي، لكنّ قدرة البرنامج على إطلاق الاستجابة كانت محدودة بسبب نقص التمويل حتى الآن”.
وفي أحدث تنويهاته في فبراير (شباط) الماضي، حذر برنامج الأغذية العالمي، من أن “نحو 13 مليون شخص يواجهون الجوع بسبب الجفاف الشديد الذي أدى إلى تدمير المحاصيل ونفوق أعداد كبيرة من الماشية، على نحو غير طبيعي، وتسبب برحيل مئات الأسر عن ديارها بسبب نقص المياه والمراعي، ما فاقم الصراعات بين المجتمعات، بينما يظل التهديد بالأسوء ماثلاً مع التوقعات بهطول أمطار أقل من المتوسط، وزيادة تعقيد الأوضاع الغذائية خلال الأشهر المقبلة”.
وتوقع دانفورد، أن يؤدي تواتر موجات الجفاف في المنطقة إلى تزايد الجوع وتدمير المحاصيل ونفوق الماشية، ما يتطلب تحركاً إنسانياً فورياً ودعماً ثابتاً من أجل تعزيز قدرات المجتمعات على الصمود في المستقبل.
وبينما أرجع الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في آخر شهر يونيو (حزيران) من العام الماضي، ظاهرة تفاقم الجوع في العالم إلى تغيرات المناخ والصراعات، حذر محمد فال من منظمة الأمم المتحدة للطفولة، من “مغبّة موت ومعاناة أطفال كثر من أضرار بالغة مدى الحياة”، مشيراً إلى “الحاجة إلى التحرك العاجل لمنع وقوع كارثة المجاعة، إذ يواجه 5.5 مليون طفل في دول القرن الأفريقي حالياً تهديداً بسوء التغذية الحاد”.
أكثر قساوة وتعقيداً
في السياق، رأى الباحث الاقتصادي السوداني، محمد الناير، أن “تقاطع موجات الجفاف وانقطاع الأمطار في منطقة القرن الأفريقي مع تداعيات وتأثر أسعار الغذاء عالمياً بالحرب الروسية – الأوكرانية سيعني أن الوضع سيكون أكثر قساوة وتعقيداً، ما يستدعي استنفاراً أكبر، وذلك بالاستعداد المبكر قبل أن تقع الفأس في الرأس، وهو ما جعل المنظمات الإقليمية والدولية ترسل إشاراتها وتدق ناقوس خطر المجاعة منذ الآن”. وتمنى الناير أن تكون تقارير برنامج الغذاء العالمي والأممية ومنظماتها دقيقة وشفافة، ومبنية على تقارير ميدانية حقيقية، “لأن ما أشارت إليه هو وضع خطير سيؤثر على جميع سكان القرن الأفريقي، وبخاصة الأطفال الذين يشكلون الفئات الأضعف والأكثر احتياجاً، مما يعني ضرورة الأخذ في الاعتبار منذ الآن المأساة المتوقعة والتحسب لها عبر جهود المنظمات والمانحين”.
وأشار الباحث الاقتصادي إلى أن “موجة الجفاف المتوقعة بالقرن الأفريقي ستلقي بظلالها على وفرة الغذاء نتيجة تأثر مستوى إنتاج الحبوب والمحاصيل الزراعية بصفة عامة، لأن المنطقة بطبيعتها المناخية ونوعية مصادر المياه فيها تجعل الإنتاج يتأثر بشدة، بل ويتوقف على نسب ومعدلات هطول الأمطار بصورة أساسية، ما يعني أن موجة الجفاف الممتدة من شأنها أن تشكل خطراً كبيراً على الزراعة، بالتالي على عملية الإنتاج ووفرة الغذاء”.
فرصة السودان
وتابع الناير، أن “السودان أيضاً من الدول التي تعتمد في زراعتها على الأمطار بنسبة كبيرة، إذ إن من مجمل نحو 25 مليون هكتار من الأرض التي تتم زراعتها تعتمد 90 في المئة منها على الأمطار (زراعة مطرية) مقابل 10 في المئة فقط عبارة عن مساحات مروية من النيل بالري الانسيابي أو الفيضي، وهي تُعتبر محدودة ومحصورة النطاق مقارنةً بالقطاع المطري، يُضاف إلى ذلك ضعف معدلات الإنتاج المطري، فيما يعتمد نجاح المواسم من عدمه على التقلبات التي تحدث في موسم الأمطار.
ولفت إلى أن “الفرصة باتت مُواتية لأن تتحرك رؤوس الأموال صوب الاستثمار الزراعي في السودان من أجل تأمين الغذاء لكل المنطقة العربية والجوار، لسد الفجوة الغذائية العربية التي تُقدَّر بنحو 60 مليار دولار”.
من جهة ثانية، وفي معرض إقراره بالظروف القاسية والصعبة التي يمر بها السودان كشف وزير المالية والاقتصاد السوداني، جبريل إبراهيم، عن أن بلاده أمام فرصة سانحة لتلبية نقص الغذاء المنتظَر أن يشهده العالم في الفترة القادمة بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، البلدان اللذين كانا يغطيان 30 في المئة من ورادات القمح إلى العالم، مشيراً إلى أن “السودان هو المرشح لسد الفجوة في الغذاء المتوقعة بما يملكه من موارد طبيعية ضخمة”، مشدداً على “ضرورة أن يلعب القطاع الخاص دوراً لإنجاح الموسم الزراعي ومعالجة الاختلالات والعمل على ما يحقق تطلعات الشعب السوداني”.
وتحدث الوزير إبراهيم في الإفطار السنوي لاتحاد أصحاب العمل، عن “فرص السودان الواسعة وإمكاناته في خلق واقع أفضل بإشراك القطاع الخاص، وإدارة التنوع المتوفر في البلاد”. وقال، “نريد من القطاع الخاص أن يقوم بدوره، لا سيما أن البلاد في حاجة إلى إضافة قيمة للإنتاج”.
بدوره، كشف هشام السوباط، رئيس اتحاد أصحاب العمل، عن “تحركات خارجية للترويج لفرص الاستثمار في السودان”، مؤكداً “حرص الاتحاد على القيام بدوره كاملاً في جذب الاستثمارات، فضلاً عن العمل على إنفاذ خطة استثمارية في مجال الزراعة”.
من جانبه، دعا عبد المجيد محمد الطيب، مدير التخطيط ووكيل وزارة الزراعة السودانية المناوب، إلى التفكير الجاد في التوسع في زراعة القمح في السودان ضمن المشاريع المروية واستخدام المساحة القصوى المتاحة في ذلك، والتي قد تصل إلى نحو مليون فدان لمضاعفة الإنتاجية إلى مليون و500 ألف طن، فضلاً عن الاستفادة من عينات القمح المقاومة للحرارة المستنبَطة محلياً بواسطة هيئة البحوث الزراعية السودانية، التي تحقق إنتاجية عالية جداً، لكن يبقى المطلوب هو الالتزام بتوفير المدخلات اللازمة في الوقت المناسب لهذا المحصول الحيوي. وأضاف الطيب أن “السودان يمتلك خطة استراتيجية طويلة المدى لتحقيق الاكتفاء الذاتي وفوائض من القمح، لكن الخطة تحتاج إلى تجهيزات رأسمالية ضخمة لإنشاء نظم الري بالمحاور والآبار الجوفية بما يتطلب استثمارات ضخمة كي ترى النور”.
تحذيرات ومطالبات
وظل برنامج الأغذية العالمي والوكالات الإنسانية الأخرى، يطلقون تحذيرات للمجتمعَ الدولي منذ العام الماضي، من أن الجفاف المتوقع في القرن الأفريقي قد يكون كارثياً إذا لم يتم التحرك على الفور.
وسبق أن طالب برنامج الأغذية العالمي بتحرك إنساني فوري لتجنب تكرار أزمة مثل تلك التي شهدها الصومال في عام 2011، حين توفي 250 ألف شخص من الجوع خلال فترة جفاف طويلة.
وبحسب تقارير وكالات الأمم المتحدة توزع حالياً مساعدات غذائية في مناطق قاحلة من كينيا وإثيوبيا والصومال، نتيجة ارتفاع معدلات سوء التغذية ويواجه نحو 13 مليون شخص خطر الجوع في الفصل الأول من العام.
ووفق تلك التقارير يحتاج نحو 5,7 مليون شخص للمساعدة الإنسانية في جنوب وجنوب شرقي إثيوبيا، بينهم نصف مليون طفل وأم يعانون من سوء التغذية.
وتتوقع التقارير أن يرتفع عدد الأشخاص اللذين يعانون جوعاً شديداً في الصومال من 3,5 مليون شخص إلى 4,6 مليون خلال مايو (أيار) الحالي، ما لم تحدث تدخلات عاجلة تخفف من ذلك.
وفي وقت سابق، أطلق برنامج الأغذية العالمي الحائز على جائزة نوبل للسلام، خلال نشر خطته للاستجابة الإقليمية للقرن الأفريقي بتقديم 327 مليون دولار كمساعدات، في الوقت الذي تسعى فيه منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) للحصول على 123 مليون دولار، من أجل توفير الاحتياجات الملحة لنحو 5.4 مليون نسمة للأشهر الستة القادمة، وأيضاً لمساعدة المجتمعات على أن تصبح أكثر قادرة على الصمود أمام الصدمات المناخية الشديدة.
وتضررت من الجفاف مجموعات الرعاة والمزارعين في جنوب وجنوب شرقي إثيوبيا وجنوب شرقي وشمال كينيا وجنوب وسط الصومال، فيما يؤدي التضخم وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وانخفاض الطلب على العمالة الزراعية إلى تفاقم المشكلة.
*صحفي سوداني