في فجر الـ5 من نوفمبر 2014، سيطر الحوثيون على مدينة وميناء المخا، وتوجهوا صوب باب المندب وجزيرة ميون المطلة على المضيق. شعرت طهران بالزهو بحصولها على ورقة تفاوض رابحة لمواجهة الضغوط الدولية والعقوبات المتزايدة عليها.
في نهاية يوليو 2018، أوقفت السعودية كل شحنات النفط التي تمر عبر مضيق باب المندب، ووصفته بغير الآمن، بعد استهداف الحوثيين لناقلتين عملاقتين تحمل كل منهما مليوني برميل نفط. وسبق هذا الهجوم استهدافهم بارجة حربية تحمل اسم “الدمام”.
اقتصادياً وعسكرياً، مثل وجود الحوثيين في باب المندب أهم رسالة للمجتمع الإقليمي والدولي عن خطر أصبح يهددهم، وليس اليمنيين بالداخل فقط، وأصبح إيجاد حل أمراً لا بد منه.
دعمت الإمارات بعد أحداث ديسمبر التي أدت إلى مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تشكيل قوات المقاومة الوطنية بقيادة نجل شقيقه طارق صالح، وتدريبها في عدن وأسمرة وجيبوتي. جاء تشكيل هذه القوات بناء على توافق إقليمي ودولي، وليس إماراتياً فقط، وشارك في الإعداد والتدريب الفرنسيون والروس والأمريكان. واتجهت طلائع القوات التي تم تدريبها بشكل جيد، من عدن باتجاة المخا وباب المندب.
وفي فبراير 2017، سيطرت هذه القوات، بعد معارك طاحنة، على المدينة والميناء، ودفعت بالحوثيين بعيداً عن باب المندب.
حاول الحوثيون الدفع بمقاتليهم لاستعادة المخا التي كانت الهدف منذ كانوا في صعدة، لكنهم فشلوا وتكبدوا أكبر خسائرهم هناك، خصوصاً على يد طيران الأباتشي الذي حصد المئات في جغرافيا مفتوحة.
المؤشرات التي تقف أمامي أن هذه القوات ستبقى في مكانها ضمن قاعدة عسكرية تشرف عليها الإمارات والسعودية، بمبرر تأمين باب المندب، على الأقل في العقدين القادمين.
مع زيادة حالة الصراع الإقليمي بين البلدان اللاعبة في اليمن، برزت تحالفات جديدة في المشهد، بعد خروج قطر من التحالف الذي تقوده السعودية، وأصبحت الدوحة ضمن محور طهران وتركيا في الصراع.
اتجهت قطر إلى الصومال، وهي تحمل حقداً ضد خصومها، وفرضت حضوراً فعالاً نتيجة قدراتها المالية، ووجود استراتيجية تركية على الأرض هناك، وباشرت بالتعاقد مع حكومة الصومال التي أصبحت حليفة لها، لإنشاء ميناء هوبيو ذي الموقع الهام والقريب من باب المندب، ضمن قاعدة عسكرية قطرية تتموضع هناك تحت سمع طهران ونظر أردوغان.
وضمن تحالفها مع تركيا الحاضرة هناك بقاعدة عسكرية هي أكبر من تلك المتواجدة في قطر، بدأت بتنفيذ عقاب، بالشراكة مع حلفائها، ضد الإمارات ومصالحها في القرن الأفريقي.
نجح هذا المحور في تهديد مصالح الإمارات والسعودية، وفي تغيير خارطة الحضور في القرن الأفريقي، رغم النجاحات التي رعتها الإمارات والسعودية للتصالح وإنهاء حروب لها عقود بين بلدان هذا الإقليم، ورغم الذكاء الإماراتي في اقتناص الفرص والرد عندما سارعت أبوظبي إلى إعلان إعادة تأهيل ميناء بربرة في صومالي لاند، وإنشاء قاعدة عسكرية بالشراكة مع “أديس أبابا “في ذلك الموقع الاستراتيجي، والذي يمكنك من فناره إلقاء نظرة على أضواء عدن في الليل.
وفي الداخل اليمني، ذهبت قطر إلى تعز لإنشاء كتائب الحشد الشعبي لمواجهة القوات التي أنشأتها الإمارات في الساحل الغربي، بقيادة طارق صالح.
بدأ المشهد العام يرسم تحالفاً جزئياً بين حلفاء قطر وطهران وتركيا داخل اليمن وخارجه، بوصلته باب المندب.
مع اشتداد الصراع بين تركيا ومصر بشأن ليبيا، تركزت التدخلات التركية عبر قاعدتها العسكرية في الصومال، بشكل أكبر، حول باب المندب، باعتبار شل فاعليته تهديداً قاتلاً لقناة السويس.
توسعت رقعة الصراع الإقليمي والدولي حول باب المندب، وأرسل اللاعبون أسلحتهم للتموضع في البحر الأحمر وخليج عدن.
يقدر عدد القطع التي تمر عبر مضيق باب المندب، بحوالي 21.000 قطعة بحرية سنوياً، بمعدل 57 ناقلة نفط يومياً تحمل ملايين من براميل النفط إلى أوروبا وأمريكا.
في مطلع يناير 2020، رعت السعودية تأسيس تجمع من 8 دول مطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، من بينها الصومال، والهدف حماية الملاحة في باب المندب، ومواجهة التهديدات التي يمثلها محور تركيا من القاعدة العسكرية في الصومال.
في الجغرافيا السياسية، البلدان الضعيفة التي تقع في موقع استراتيجي، تصبح ضحية لهذا الموقع، واليمن والصومال ضمن هذه النظرية.
وأصبح اليمن والصومال وبلدان في القرن الأفريقي، نتيجة غياب الاستقرار الاقتصادي والأمني، ملعباً لتصفية صراعات إقليمية ودولية.
يعود الصومال الآن بحذر نحو الاستقرار وبناء الدولة، لكنه استقرار مرهون بمدى تقديم التنازلات للاعبين الخارجيين.
ربما يحتاج اليمن، بعد عودة الدولة، لثلاثة عقود على الأقل للتخلص من التأثيرات الخارجية وولادة السيادة.
يتبع…
*نقلاً عن يمن سايت