في ظل سياق سياسي وأمني يتسم بعدم الاستقرار والغموض؛ إذ تتفاقم الخلافات بين النخبة السياسية الصومالية بشأن إتمام الانتخابات الرئاسية، وتتزايد الهجمات الإرهابية من جانب حركة شباب المجاهدين، قام رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي بإصدار قرار ينطوي على مخاطرة كبيرة في توقيت بالغ الحساسية، ففي السابع من أبريل 2022، تم الإعلان في بيان رسمي أن رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال فرانسيسكو ماديرا شخص غير مرغوب فيه، وإمهاله 48 ساعة لمغادرة البلاد. ويسعى هذا التقرير إلى معرفة الدافع وراء قرار رئيس الوزراء الصومالي تجاه رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، وتداعيات هذا القرار في ظل هذا التوقيت بالغ الأهمية.
دوافع القرار ودلالاته
في البداية، نشير إلى أن هناك بعثة تابعة للاتحاد الأفريقي لحفظ السلام في الصومال معروفة باسم “أميصوم”، وهذه البعثة توجد منذ 2007، وقد اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارًا بالإجماع في أواخر شهر مارس2022، لتشكيل قوة جديدة تابعة للاتحاد الأفريقي والتي أُطلق عليها أسم “أتميس” لتحل محل قوة “أميصوم”، وتتألف هذه القوة من 20 ألف عسكري وشرطي، وهناك خطة لخفض هذه البعثة تدريجيًا إلى الصفر بحلول عام 2024.
وفيما يتعلق بالبحث عن معرفة الدوافع وراء قرار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي تجاه رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال، نجد أنه عند مُطالعة البيان الرسمي الصادر عن رئيس الوزراء الصومالي لم يكشف عن الأسباب الدافعة لاتخاذ مثل هذا القرار، فقد اكتفى البيان بذكر أنه قد انخرط في أعمال لا تتماشى مع وضعه كممثل لمفوضية الاتحاد الأفريقي، دون الخوض في تفاصيل عن الأنشطة التي انخرط فيها مبعوث الاتحاد الأفريقي، ونحاول في هذا الجزء من التقرير استعراض دوافع قرار رئيس الوزراء الصومالي على النحو التالي:
– تسريب صوتي:
نجد أن هناك عددًا من التقارير أرجعت القرار الذي تبناه رئيس الوزراء الصومالي إلى وجود تسريب صوتي لرئيس بعثة الاتحاد الأفريقي ينتقد فيه الأوضاع السياسية والأمنية في الصومال، فقد تحدث عن الصراع على السلطة بين النخبة الصومالية، والذي أدى إلى تصاعد الهجمات الإرهابية في البلاد. ووجه مبعوث الاتحاد الأفريقي اتهامًا لرئيس الوزراء الصومالي بشأن تحالفه مع المعارضة الصومالية لمنع إعادة انتخاب الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو.
– تدخل سافر في الشأن الداخلي:
في تقديرنا، نجد أن رئيس الوزراء الصومالي قد استشعر أن هذا التسريب الصوتي ما هو إلا تدخل سافر في الشأن الداخلي الصومالي من جانب رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي؛ إذ إن تسريب المبعوث الأفريقي يوضح حقيقة موقفه بشِأن النخبة الصومالية، ويدعم الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو الذي انتهت ولايته في فبراير 2021، بينما يوجه انتقادات لرئيس الوزراء الصومالي والمعارضة الصومالية. ولذلك نجد أن قرار رئيس الوزراء الصومالي يمكن عدّه خطوة استباقية لمنع التدخلات الخارجية في الانتخابات الرئاسية المُرتقبة في الصومال. ونجد أن مصير رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي وفقًا لقرار رئيس الوزراء الصومالي هو تجريده من الامتيازات الدبلوماسية، وإلغاء تصريح عمله كرئيس لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال.
– ردود الأفعال:
ليس من المُستغرب أن يكون هناك انقسام في ردود الأفعال في الداخل الصومالي حيال قرار رئيس الوزراء ضد رئيس بعثة الاتحاد الأفريقي، فمن المؤكد أن يكون موقف مؤسسة الرئاسة الصومالية مُعارضًا لقرار رئيس الوزراء؛ إذ أصدرت الرئاسة بيانًا وصفت فيه قرار رئيس الوزراء الصومالي بأنه قرار متهور صادر عن طرف لا يتمتع بصلاحيات لاتخاذ مثل هذا القرار بمفرده، وأن مبعوث الاتحاد الأفريقي لم ينتهك سيادة الدولة، بينما دعمت المعارضة السياسية الصومالية قرار رئيس الوزراء، على اعتبار أن المبعوث الأفريقي قد انتهك صلاحيات وظيفته، وتدخل في الشأن الداخلي.
الجدير بالذكر أن، تضارب القرارات بين الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي ليس بجديد؛ إذ إن هناك سلسلة من المواقف تبرز عدم التوافق بين الرجلين، ويُمكن ذكر أبرز هذه المواقف على النحو التالي:
– القرارات المتضاربة فيما يتعلق بإقالة مسؤولين في جهاز المخابرات الصومالي التي قد اتخذها رئيس الوزراء الصومالي روبلى، وقيام فرماجو بإعادتهم إلى مناصبهم.
– التشكيك في نزاهة روبلي، فقد اتخذ فرماجو قرارًا في أواخر عام 2021 يقضى بإحالة رئيس الوزراء إلى التحقيق على ضوء اتهامه بقضايا فساد تتعلق بالاستحواذ على أراضي تابعة للجيش، وتعليق مهامه. وكان هدف فرماجو من وراء اتخاذ هذا القرار هو إبعاد روبلي من المشهد السياسي وإفساح الطريق أمام فرماجو من أجل التدخل في العملية الانتخابية بما يصب في صالحه والفوز بولاية ثانية. ونجد أن هذه المحاولة قد تم إفشالها في ضوء الرفض الدولي لهذا القرار ومساندة رئيس الوزراء لاستكمال مهامه.
تداعيات مُحتملة
لا شك أن القرار الذي اتخذه رئيس الوزراء الصومالي يبعث برسالة لمنظمة الاتحاد الأفريقي مفادها أن الحكومة الصومالية لن تقبل التدخل في الشأن الداخلي، وعلى المنظمة اختيار رئيس لبعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال يتسم بالحيادية، وألا ينخرط في أنشطة تتعارض مع مهامه المكلف بها والتي تتمحور حو ل حفظ السلم والأمن في الصومال. ونجد أنه من المُرجح أن يترتب على قرار رئيس الوزراء الصومالي عدد من التداعيات المُحتملة، ويمكن تناولها على النحو التالي:
– أن عمل البعثة قد يُواجه عددًا من التحديات لتحقيق الأهداف المُشكلة من أجلها، ويتمثل أبرزها في التعاون مع القوات الأمنية الصومالية لمحاربة حركة الشباب المجاهدين الصومالية، والعمل على تطوير قدرات مؤسسات الأمن والعدالة الصومالية بهدف تمكينها من تولي المسؤولية الأمنية في البلاد بحلول عام 2024.
– احتمالية تزايد الهجمات التي تشنها حركة “الشباب” الصومالية الإرهابية على كل من قوات بعثة الاتحاد الأفريقي وقوات الجيش الوطني الصومالي.
لا شك أن قرار رئيس الوزراء الصومالي قد لاقى دعمًا من جانب المعارضة السياسية الصومالية، وهو ما يعنى تزايد شعبية رئيس الوزراء الصومالي، في حين يفتقر الرئيس الصومالي للدعم الشعبي، ولذلك من المُحتمل أن يستغل الرئيس الصومالي فرماجو تأزُّم المشهد السياسي والأمني لتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وهو ما يعنى تزايد التوترات السياسية بين الرئيس الصومالي من جهة ورئيس الوزراء والمعارضة السياسية من جهة أخرى.
وفى الختام، يمكن القول إن بلد مثل الصومال تحتاج إلى دعم بعثة الاتحاد الأفريقي، والتي تلعب دورًا حيويًا في حفظ السلم وكذلك في العملية الانتخابية من خلال تأمين مراكز الاقتراع، وهو ما سيسهم بدوره في إتمام الانتخابات الرئاسية وإنهاء حالة الفراغ الدستوري واستعادة الاستقرار السياسي والأمني.