الاقتصاد الصوماليالرئيسية

الصومال: ثورة شبابية في «الزراعة المحمية» لمواجهة نقص المحاصيل التقليدية

في جو مغاير تماما للعملية الزراعية التقليدية، يتنقل إبراهيم محمد، وهو شاب صومالي، بين “صُوبات زراعية” حديثة منتشرة في مزرعته الصغيرة بحي دينيلى شمالي العاصمة مقديشو.

هذه المنشآت الزراعية تبدو للناظر عن بعد وكأنها أكواخ متراصة، لكن بداخلها أفكار زراعية حديثة يسعى هذا الشباب من خلالها إلى مواجهة انقطاع بعض المحاصيل عن الأسواق؛ بسبب الاعتماد على “الزراعة الموسمية”، وتقلبات المناخ، وتدابير الوقاية من فيروس “كورونا”، وذلك لتوفير المحصول الزراعي، وخاصة الخضروات، على مدار العام.

فكرة “الزراعة المحمية” دخلت الصومال لأول مرة كتجربة تعليمية عام 2014 من جانب هيئة الإغاثة الإنسانية التركية(IHH) ، بهدف تدريب طلاب كلية الزراعة في جامعة “زمزم” المحلية (أهلية) على أساليب الزراعة الحديثة.

و”الزراعة المحمية” هو أسلوب من الزراعة يتم فيه إنتاج المحاصيل داخل منشأة خاصة، تسمى “الصوبة” أو “الدفيئة”، بحيث يمكن التحكم في جميع العوامل البيئية، كدرجات الحرارة وشدة الإضاءة، بما يوفر ظروف نمو مواتية للمحاصيل، وبالتالي يساعد على إنتاج نباتات في غير مواسمها الطبيعية، وبأعلى إنتاج ممكن للمحصول.

وتتجاوز المساحة الصالحة للزراعة في الصومال 10 ملايين هكتار (الهكتار الواحد يساوي ألف متر مربع)، غير أن المستغل منها لايتعدى 1 بالمئة؛ بسبب أزمات طبيعية وأخرى أمنية، ما ترك سكان البلد العربي في دوامة مجاعة تهددهم كل عام.

** تجارب ناجحة

عشرات الشباب وجدوا فرصة للنهوض بالواقع الزراعي في بلادهم عبر “الزراعة المحمية”، بالتعاون مع شركة “دل بلي” (غير حكومية) المتخصصة في هذا المجال، بعد دراسات حول التربة والتطابق بين البذور والعوامل المناخية في الصومال.

وقال المهندس الزراعي، مدير شركة “دل بلي” المحلية، محمد حسن، إن هذه الزراعة الحديثة لم تكن متاحة في الصومال قبل 2014، بعد تجارب عملية أجرتها هيئة الإغاثة التركية، ومن هنا انبثق الأمل في التوجه نحو هذه الزراعة، لعلها تساهم في رفع قيمة السلة الغذائية في البلاد.

وللإقبال على هذا النوع من الزراعة، بحسب حسن، أسباب عديدة، منها انقطاع بعض المحاصيل؛ جراء اعتماد البلاد على الزراعة الموسمية، بجانب تكرار الأزمات الطبيعية التي تؤثر سلبا على القطاع الزراعي، وغزو منتجات أجنبية للبلاد، لتلبية احتياجات السوق المحلية.

** الأمن الغذائي

أفضت تجارب “البيوت المحمية” إلى نجاحات ملموسة، مع إنتاج محصول وفير بجودة عالية، مما ساهم في إطلاق ثورة تجاه “الزراعة المحمية” من جانب شباب يسعون إلى التغلب على الزراعة المكشوفة الموسمية، والخوض في الحياة الزراعية الحديثة، للمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي، في بلد يتراوح عدد سكانه بين 13 و15 مليون نسمة، وفق تقديرات متباينة في ظل عدم وجود إحصاء رسمي.

وهو يروي تجربته في زراعة “البيوت المحمية”، قال إبراهيم محمد حسين إن الاستثمار في هذا القطاع الحديث لا يكتنفه مخاطر كثيرة، فحظوظ نجاحه أكبر بكثير من خسارته على عكس الزراعة التقليدية، فالمستثمر يتحكم في كل شيء، وخاصة المناخ وجودة المنتج كما ونوعا، ما يشكل فرصة يجب اغتنامها للمساعدة في تلبية احتياجات السوق المحلية.

وأوضح أن مزرعته تتكون من خمسة من “البيوت المحمية”، تحوي خضروات، كالطمام والخيار، وهما أكثر محصولين يحتاجهما السوق.

وحسب طاقة المستثمر الزراعي يختلف حجم “البيوت المحمية”، فمنهم من يعتمد على “دفيئة” بطول 25 مترا وعرض 8 أمتار، وهي بتكلفة 3.500 دولار أمريكي، وهو الحجم الأصغر، بينما تصل تكلفة الحجم الأكبر، وهو بطول 40 مترا وعرض 8 أمتار، نحو 6.500 دولار، وقد يحدد حجم “الدفيئة” ما سيتم زراعته فيها.

** “كورونا” وتعليق الاستيراد

ألقى قرار السلطات وقف الرحلات الدولية من وإلى الصومال، في ظل جائحة “كورونا”، بظلاله على رحلات الاستيراد برا وبحرا، ما أدى إلى ارتباك بشأن توافر سلع في السوق المحلية، بينها الخضروات.

ووجد المزراعون في هذا الوقف فرصة ثمنية لإثبات قدرتهم على تلبية احتياجات السوق المحلية.

وقال عبد القادر محمد، وهو مزارع، إن “انقطاع المنتجات المستوردة من الخارج شكل ثورة شبابية لاستغلال هذه الفرصة، من خلال إطلاق مشاريع في الزراعة المحمية، لتوفير الخضروات في السوق المحلية”.

وأضاف: رغم الحاجة الكبيرة في السوق، إلا أن نحو 50 بالمئة من احتياجاته من الخضروات، خاصة الطماطم والخيار، يتم توفيرها بفضل الاعتماد على زراعة البيوت المحمية الحديثة، وهي تتميز بوفرة وجودة المحاصيل.

** الطماطم والخيار

الطماطم والخيار، بحسب مزارعين، هما الصنفان الأكثر استيرادا من الخارج، خاصة من كينيا وإثيوبيا المجاورتين، حيث تفضل الفنادق والمطاعم الكبيرة والسفارات الخضروات المستوردة، نظرا لحجمها الكبير وجودتها مقارنة بنظيرتها المحلية.

وقال حسن عبدلي، مزراع، إن غالبية المزارعين ركزوا على زراعة الطماطم والخيار في المرحلة الراهنة، بينما تأتي المحاصيل الأخرى في المرتبة الثانية.

وأضاف أن استمرارية الإنتاج والسعر المنخفض هما السلاح الأكبر بالنسبة للمزارعين الصوماليين أمام المستوردين، الذين غالبا ما يبيعون بأسعار مرتفعة، والمزارعون يتطلعون للمشاركة في إحياء القطاع الزراعي في البلاد.

وتأتي تركيا على رأس قائمة الدول التي يستورد منها الصوماليون البذور، ثم كينيا وإثيوبيا وجنوب إفريقيا، سعيا لإيجاد محصول وفير يتكيف مع تربة البلاد من دون تغيير في جودته، بحسب مزارعين.

** تعويض المحاصيل الموسمية

انقطاع بعض المحاصيل الضرورية بات سمة بارزة في الصومال، بسبب اعتماد القطاع الزراعي على الطرق التقليدية، وهو ما فتح شهية بعض دول الجوار لتسويق منتجاتها في الصومال.

وقال عميد كلية الزراعة في جامعة زمزم، أحمد شري، إن “قطاع الزراعة المكشوفة أو الموسمية في البلاد يبدو أنه عاجز عن تغطية الاحتياجات المحلية لأسباب كثيرة، أهمها غياب الدعم الحكومي والاستثمارات، بجانب الوضع الأمني في البلاد”.

ومنذ سنوات تقاتل القوات الحكومية حركة “الشباب” المتمردة، في بلد يتعافى من حرب أهلية بدأت عام 1991.

وأضاف أن انتشار زراعة “البيوت المحمية” يساهم كثيرا في سد الاحتياجات المحلية، وينعش المنتجات المحلية، كونها تعتمد على وسائل حديثة تمكن المزارعين من إدخال تجارب جديدة في القطاع.

وأشار إلى أن المزارعين الصوماليين كانوا يعتمدون فقط على الأساليب القديمة، لكن هذا النوع من الزراعة يدفع المزارعين والمستثمرين إلى تجارب جديدة، عبر توفير العوامل المناخية المناسبة للمحاصيل.

وتابع “شري” أن زراعة البيوت المحمية تشكل جسر التكامل للزراعة المكشوفة أو الموسمية، لتعويض انقطاع محاصيل في الأسواق المحلية لمدة تترواح بين شهرين وثلاثة شهور؛ بسبب الجفاف أو الفيضانات.

لكنه حذر من أن اهتمام المزارعين بعروض السوق الخارجية وزراعة محاصيل محدودة للتصدير قد يؤثر سلبا على قطاع الزراعة برمته ويربك احتياجات السوق المحلية.

ودعا “شري”، الجهات المعنية إلى تبني سياسية حماية القطاع الزراعي في الصومال، وتحديد احتياجاته المحلية قبل التوجه إلى التصدير.

والزراعة هي القطاع الرائد والمحوري في الاقتصاد الصومالي، إذ تشكل منتجاتها 93 بالمئة من الصادرات، وفي مقدمتها السمسم والليمون والموز.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

إغلاق