الأزهر يكشف أزمات الصومال المتتالية مع الجماعات الإرهابية
كشف مرصد الأزهر الشريف باللغات الأفريقية، عن أحدث تقرير له متعلق بما يحدث فى الصومال من أزمات متكررة بسبب الجماعات الإرهابية التى تقود البلاد إلى بؤر الظلام.
وقال المرصد، لمَّا كانت الصومال من أكثر بقاع القارة الإفريقيّة اشتعالًا بالأحداث والمواجهات المسلّحة – إن لم تكن أكثرها – كانت الحاجة ماسة لمحاربة ظاهرة العنف وانتشار السلاح في هذه الدولة.
ومن هنا وضع مرصد الأزهر لمكافحة التطرف على رأس أولوياته تصحيح الفكر المغلوط لدى الشباب، ونشر الفهم الصحيح، والتأكيد على حرمة الدماء، واحترام الآخر وبناء الوطن وتنميته لا هدمه وتخريبه. كما ركَّز المرصد على رصد ومتابعة تحركات التنظيمات المتطرفة داخل المجتمع الصوماليّ، وكذلك على كل من يخرج عن أطر التّعايش السلميّ والإسهام في بناء المجتمعات.
ومنذ أكثر من ربع قرن، يتعرَّض الشعب الصوماليّ لمحنة كبيرة، حيث أصبحت أرضه مستباحة للجماعات الإرهابيّة المسلحة من كل صنف ولون. كما أن تزايد الإرهابيين والجماعات الإرهابيّة داخل المجتمع الصوماليّ أصبح عاملًا أساسيًا في تهديد أمنه وتبديد أحلام الشعب في الاستقرار والأمن والتنمية.
فحركة “الشباب” الإرهابية؛ كانت وما زالت تمثل خطرًا كبيرًا على مستقبل الدولة الصوماليّة، من خلال إجرامٍ ممنهج وعنفٍ لا مبرّر له سوى أنه تنفيذ لمخططات الغرض منها جعل الدولة غارقةً في المشكلات، فكلما تجاوزت الصومال مشكلة تظهر لها أخرى توقفها عن الاستقرار والتنمية.
واستمرارًا لمتابعته لأنشطة الجماعات الإرهابيّة والتنظيمات المتطرّفة، وفي سبيل التعرف على كل مستجدات الأوضاع على الساحة الصوماليّة تحديدًا، يحاول مرصد الأزهر لمكافحة التطرف التعرف على ما آلت إليه الأوضاع في الدولة الصوماليّة؛ التي طالما أرهقها الإرهاب الأسود، وأعاقها عن التنمية ومواكبة التطور الذي يعيشه العالم الآن، بل حرمها من الحصول على أدنى حقوقها وهو العيش في أمنٍ وأمان كغيرها من شعوب العالم.
والمعلوم أن حركة “الشباب” التي تنشّط داخل الأراضي الصوماليّة، خرجت من رحم “تنظيم القاعدة” وأخذت في النمو والتطور حتى صارت التهديدَ الأكبر ليس على الصومال فحسب، بل على أمن شرق إفريقيا بأكمله.
وقد شهدتْ الآونة الأخيرة حالةً من الاستنفار لأنشطة هذه الحركة، فنجدها تكثّف من عملياتها الإرهابيّة خلال شهر أغسطس المنصرم، لتكون الأكثر نشاطًا بتنفيذها نحو 34 عملية إرهابيّة في الصومال وحده، وقد أسفرت تلك العمليات عن سقوط أكثر من 99 ضحية وإصابة 132 آخرين.
ولهذا أصبحت الدولة الصوماليّة في معاناة جراء أولئك المتطرفين، حيث تسبب إرهابهم في تراجع مسيرة التنمية وتوقف عجلة الاقتصاد، فقد أتى الإرهاب وبالًا على كافة مناحي الحياة.
ومن أكثر المناطق الصوماليّة تضرّرًا من هجمات حركة الشباب الصوماليّة، المناطق الواقعة جنوب البلاد بشكل عام مثل منطقة “باي”، و”شبيلي السفلى”، و”جيدو”، ومحافظة “بنادر”، ومدينة “كيسيمايو”، و”جوبا الجنوبية”، بالإضافة كذلك إلى المناطق الواقعة وسط البلاد مثل مدينة “بولوبورد”، وقرية “جالمودوج”، ومنطقة “حيران”، مدينة “بلعد”، و”جوبا الوسطى”، والعاصمة مقديشيو وضواحيها مثل منطقة “ويديو”، وغيرها.
ولا شكّ أن الانسحاب التدريجي لقوات بعثة الاتحاد الإفريقيّ في الصومال (أميصوم) بحلول عام 2021، يمثل تحديًّا كبيرًا وشاقًا على الحكومة الصوماليّة، كما أنه يقلق بشدة بعض البلدان المشاركة بقواتها في “أميصوم”؛ خوفًا من استغلال حركة الشباب لذلك الانسحاب وتصعيد تهديداتها وعملياتها الإرهابيّة ليس فقط على المناطق الصوماليّة التي تعاني من ويلاتها، بل على دول الجوار أيضًا، خاصة مع عدم جاهزية الدولة الصوماليّة وجهازها الأمنيّ للقيام منفردًا بكافة المهام الأمنيّة.
وعلى الرغم من تأييد مجلس الأمن والسلم الإفريقيّ لخطة انسحاب قوات “الأميصوم” وتسليم كافة المهام الأمنيّة للجيش وقوات الأمن الصوماليّة، إلا أن الحقائق التي تظهر باستمرار قدرة حركة “الشباب” على القيام بهجمات إرهابيّة جديدة أكثر شراسة من سابقتها، مخلفةً ضحايا من العسكريين والمدنيين على حدٍّ سواء، بالإضافة كذلك إلى وجود عناصر لتنظيم “داعش” الإرهابيّ في “بونتلاند” وجنوب ووسط الصومال، يؤكد للمتابع خطورة الوضع الأمنيّ في الصومال والحاجة إلى تكاتف جميع الجهات المعنية لمواجهة هذه الحركة الإرهابيّة والعمل على استتباب الأمن في البلاد.
الأمر الآخر والذي يزيد من أوجاع الصوماليين، ويمثل أزمة كبيرة لهم؛ مسألة الفيضانات ومأساة النازحين الصوماليين، حيث أثرت الفيضانات سلبًا على حياة نحو نصف مليون صومالي في ظل نقص حاد في المواد الغذائيّة والأدوية جنوب ووسط البلاد، وقد أجبرت الفيضانات الناجمة عن الأمطار الموسميّة آلاف الصوماليين في أقاليم “شبيلي السفلى” و”شبيلي الوسطى” و”جوبا الوسطى” و”جوبا السفلى” (جنوب) و”هيران” (وسط)، على النزوح من منازلهم خوفًا على حياة أطفالهم متجهين إلى قرى وبلدات أكثر أمنًا، وسط ظروف إنسانيّة صعبة. وتعد مدينة (بلدوين)، عاصمة إقليم (هيران)، من أكثر المناطق تضرّرًا من الفيضانات الناجمة عن الأمطار؛ نتيجة ارتفاع منسوب مياه نهر شبيلي الذي يقطع عددًا من مدن وبلدات الإقليم ليسجل رقمًا قياسيًّا منذ عام 2012؛ حيث أغرقت المياه ثلاثة من أصل أربع أحياء تتكون منها المدينة، حسب الإدارة المحليّة في الإقليم.
وقد نشر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف مقالًا في مارس 2018، سلّط الضوء خلاله على الأوضاع الإنسانيّة المتدهورة في الصومال جراء المجاعة الناجمة عن الفقر الذي تتحمل فيه حركة “الشباب” الإرهابية النصيب الأكبر جرّاء عملياتها الإرهابيّة التي قضت على الأخضر واليابس.
وبالنسبة للتعليم، تمثل الصومال أدنى معدلات في التحاق للأطفال بالتعليم الابتدائي في العالم، فـ 30% فقط من الأطفال يلتحقون بالمدارس و40% فقط منهم من الفتيات. علاوة على ذلك، فإن 18% فقط من الأطفال في الأسر الريفية هم من يستطيعون الذهاب من أجل التعليم في المدارس بسبب معدلات الفقر المرتفعة للغاية في المجتمعات المحلية، والتي تجعل من الصعب على الآباء تحمل الرسوم المدرسية حتى بعد إعلان الصومال مجانية التعليم الابتدائي في 2011. وعلى الرغم من أن 70% على الأقل من السكان دون سن الثلاثين، إلا أن بطالة الشباب في الصومال هي من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث تبلغ 67%.
كما تواجه الصومال مشكلة أخرى، وهي مشكلة اللّاجئين، فعلى سبيل المثال تمثل قضية اللّاجئين الصوماليّين في كينيا أزمة كبيرة بالنسبة للحكومة الصوماليّة، وذلك بعدما أصدرت الحكومة الكينية في الآونة الأخيرة قرارًا بإغلاق مخيّم “داداب” للّاجئين الصوماليّين، إلا أن هذا القرار رفضته المحكمة العليا الكينية، والتي قضت بعدم أحقية إغلاق المخيم، وأن قرار الحكومة مخالفٌ للدستور؛ لأن اللّاجئين ليسوا مسؤولين من الحكومة بشكلٍ كامل. تجدر الإشارة إلى أنّ المفوضيّة السامية لشؤون اللّاجئين بالأمم المتحدة، قامت بإعادة (4753) لاجئًا صوماليًّا إلى بلادهم خلال الفترة من 16 إلى 31 يناير من العام الماضي، قبل تعطيل المحكمة العليا الكينيّة قرار الحكومة بإغلاق المخيّم. وذكرت المفوضيّة أنّه منذ 8 ديسمبر من عام 2014، وحتى 31 يناير من عام 2017، تمّ إعادة (44,365) لاجئًا صوماليًّا إلى بلادهم.
وفي محاولة لتخفيف تلك الأزمة، دشَّنت الصومال والأمم المتحدة في فبراير 2018، حملة جديدة للتعرف على آراء وتوصيات الشباب الصوماليّ في تطوير وتحسين الحالة المعيشية للّاجئين الصومالين. وتعتبر تلك الحملة جزءا من مشروع “اكتشاف الصومال” الذي يشرف عليه برنامج الأمم المتحدة الإنمائيّ بالتشارك مع الحكومة الصوماليّة؛ لمواجهة التحديات المعاصرة في قطاعات الإنتاج لتسيير عجلة التنمية.
وفي هذا الصدد أيضًا، أكد فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب – شيخ الأزهر الشريف – خلال استقباله يوم 10/9/2020م الشيخ محمود شيخ حسن فارح، رئيس المجلس الأعلى لكبار علماء أهل السنة والجماعة بالصومال، أن الأزهر لا يتوانى عن دعم ومساندة الصومال الشقيق، وتسخير كافة الإمكانات من أجل تصحيح الأفكار المغلوطة ومكافحة الأفكار المتطرفة، والعمل على إرساء الأمن والسلام في المجتمع الصوماليّ.
مرصد الأزهر كانت له متابعات ومشاركات على أرض الواقع في الصومال، كان من بينها المشاركة في أعمال مؤتمر «الأمن الفكري ومكافحة التطرف» الذي نظمته الحكومة الفيدرالية في العاصمة «مقديشو» بالتعاون مع منظمة التعاون الإسلامي، خلال شهر أبريل 2019. وقد شدّد المرصد خلال مشاركته على أن تأخذ مكافحة الانحراف الفكري طابع الشمول، موضحًا أن ذلك لن يتم إلا من خلال إستراتيجية تبحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الوباء، موضحًا أن العمل على تلك المجابهة يستلزم عدم التغافل عن الجانب الفكري.
ويرى مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أنه على الرغم من جهود الحكومة الصوماليّة وقوات الاتحاد الإفريقيّ في مواجهة حركة “الشباب”، إلا أن الحركة لا تزال تستغل بعض الثغرات الأمنيّة، خاصة في المناطق الحدودية لتنفيذ عملياتها الإرهابيّة ونقل مقاتليها بين كينيا والصومال، الأمر الذي يتطلب تكاتفًا من المجتمع الدوليّ مع الحكومة الصوماليّة للتغلب على إجرام هذه الحركة. كما يؤكد المرصد على ضرورة مضاعفة جهود توعية الشباب بحقيقة هذه الجماعات الإرهابيّة والأفكار الخبيثة التي تُروج لها، لحمايتهم من هذا الفكر وحماية مجتمعاتهم من أن يتحولوا إلى قنابل موقوتة تُفجرها هذه الحركةُ وقتما تشاء.
كما يرى مرصد الأزهر أنّ أزمة اللاجئين الصوماليين تحتاج إلى تدابير خاصة تراعي الوضع الإنسانيّ لهم دون تعريضهم لخطر الوقوع كضحايا لعمليات حركة “الشباب” الإرهابيّة أو كفريسة يسهل تجنيد الحركة لها واستمالة عقولهم تحت وطأة ظروف إنسانيّة صعبة تعاني منها الصومال.