رغم ارتحال الرجل الأبيض الذي اعتبرته افريقيا أحد الأسباب الرئيسية لانتكاستها عن أفريقيا إلا أنها ما زالت تحت المعانات الإنسانية والأزمات المستمرة مع الاستقلال الشكلي!!.
مما يطرح عدة تساؤلات حول الأسباب الموضوعية للمعانات الأفريقية !.
حاربت أفريقيا وجود الاستعمار على أرضها وناضلت من أجل استقلالها ولكن عقولها هاجرت إلى أوروبا بعد الاستقلال وهو ما أنتج العديد من المشكلات المعقدة على الصعيد الإقتصادي والسياسي بالإضافة إلى صراعات دموية أثرت سلبا على البنية الاجتماعية للمجتمعات الأفريقية!.
ولا أدري لماذا لم يتم إجراء دراسات دقيقة داخل أفريقيا لتحديد مشكلتها؟ أفريقيا تظل أغنى قارة في العالم من حيث الموارد الطبيعية، وتشير جميع دراسات حولها أنها غنية ولكن الأفارقة فقراء؟
كان المناضلون الأفارقة في سجون الاستعمار وفي نفس الوقت المعارضة الأفريقية في سجون الأنظمة الحاكمة ولماذا الأفارقة دائماُ في داخل السجن؟
رغم انفجار الثورة العلمية في العصر العولمة ورغم انتشار الجامعات و المعاهد العليا في أنحاء العالم ما زالت أفريقيا في ذيل الأمم!.
ولماذا لا ترغب أن تنهض لمعالجة أزمتها المزمنة؟ لإيجاد الحلول النهائية بوضعها المتخلف و أسوأ من ذلك كيف تصطاد أفراخها بشراهة بينما تسعى غيرها لتسليح أجيالها لمستقبل قيادة العالم.
ونظراُ للأوضاع الأفريقية وخصوصاً بعد استقلالها المجيد، وما يجري اليوم يدفعنا إلى طرح المقاربة أن استقلال القارة السمراء سابق لأوانه؟!
وفي هذا الصدد قد عجزت أفريقيا في عملية بناء الدولة المثالية ذات المؤسسات القانونية بل أقامت الأنظمة الشمولية الهشة المعتمدة على أركان الجيش مما نتجت عن انتشار صراعات اثنية في مجمل القارة وانقلابات عسكرية وأمراض مؤذية وانعدام للاستقرار الاجتماعي و السياسي بمفهومه الواسع ناهيك عن التقدم المطلوب!.
وقد عرف فوكوياما بناء الدولة على أنه ” تقوية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة فاعلة وقادرة على البقاء و الاكتفاء ذاتي” معتبراً قوة الدولة قوة قدرتها المؤسساتية والادارية على تصميم السياسات وسن الأنظمة و القوانين ووضعها موضع التنفيذ.
ومن المؤسف جداً أن تشتغل أفريقيا في عصر العولمة و صدام الحضارات إلى صغائر الأمور غير أساسية حتى اقترح الكاتب (يستفالي ) إلى تجاوز مبدأ السيادة الوطنية، ويبيح للغرب حق الاستيلاء على حكم افريقيا لأسباب أمنية و انسانية!.
وعليه: يمكن تقديم عدد من التوصيات بشأن معالجة مظاهر الهشاشة في الدول الإفريقية:
1 – ضرورة اعتراف الأفارقة أنفسهم، بمشكلات دولهم ومتطلباتهم الداخلية، وهذا الاعتراف لا يعني مجرد إقرارٍ منهم بواقعٍ افريقي فقط ، وإنما يجب أن تصاحبه رغبة في التلبية الاحتياجات الافريقية.
2 – ضرورة تغيير مبادئ المؤسسات الوطنية والتنظيمات الاجتماعية والسياسية تحت الدولة بشأن اعتقادهم للدولة، عبر تأكيد أنّ الدولة هي الصيغة التنظيمية الملائمة في الوقت الراهن، وفي المدى القريب والمتوسط، لإدارة البلدان الإفريقية، وذلك حال تمكّن تلك الدول بوصفها أجهزة وإدارات وتنظيمات من القيام بوظائفها المنوطة بها؛ حيث إنّ المشكلة في أحد أبعادها – في نظر الباحث – تثور في إفريقيا نتيجة اعتقاد الفرد في التنظيمات تحت الدولة بأنّ وظائف الدولة ليست على المستوى نفسه من الأهمية، كوظائف تنظيماته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحتها، وقد يجد الفرد والمواطن الإفريقي مسوّغه في ذلك في ضوء تردي جهاز الدولة وفساده في معظم البلدان الإفريقية.
3 – ضرورة عمل لجلب انتباهه المؤسسات الدولية والإقليمية على علاج المشكلات الهيكيلة في البلدان الإفريقية، وليس محاولة علاج نتائجها وتداعياتها.
4 – اتاحة الفرص للمشاركة السياسية لكافة شرائح المجتمع في مجال الحكم والإدارة؛ حتى تنمّي قيم الارتباط بين المواطن والدولة.
5 – ضرورة أن يأخذ المجتمع الدولي بمسؤوليته تجاه تجهيل القارة وإفقارها لعقود إبان فترة الاستعمار، وهو التعاطي المستمر مع القارة بوصفها سوقاً للمواد الخام وللمنتجات المصنعة أكثر منها أوطاناً تهدف لحياةٍ أفضل، وذلك بوجود جهود واضحة في الحدّ من تصدير السلاح، وتجفيف الموارد الطبيعية في إفريقيا.
إنّ معالجة مشكلات القارة تتطلب أكثر من مجرد رصدٍ لتلك المشكلات، واعترافٍ بها على المستوى المحليّ أو الدولي، وإنما تتطلب إرادةً مخلصةً في الإصلاح، ورغبةً دوليةً في المساعدة.