في وسط كل الفوصى التي تعاني منها البلاد ، وسط كل المخاطر التي تحيط بنا من كل الجهات، هناك خطر واحد لا أحد يتكلم عنه، إنها عقلية الحرب، التى باتت تسيطر على جيل بأكمله . والناجون قلة قليلة، هناك من يقود على الرصيف ، ويتجاوزك في الصفوف، وبينما أنت واقف في الطابور الطويل، وهناك موظف في نهاية الطابور يعمل لصديقه أو أبن عمه، وهو يبتسم، ثم لايرى أحدهم في ذلك مشكلة، هم أنفسهم المستعدون لدفع الرشوة، وأخذها ولامشكلة في ذلك.
ما المشكلة؟ أنت نفسك تمزح، إن كنت ترى مشكلة في ذلك، لا مشكلة في التزوير والكذب والتجاوزات، إذا كانت وسيلة إلى هدف ما، إنها صورة أخرى لمكيافيلية تركتها لنا الحرب ، على حساب القيم . هناك جيل بأكمله تعرفت عليه عند عودتي إلى البلاد، فهم أقربائي وأصدقائي في الجامعة ، ومعظم ممن ولدوا وعاشوا فترة الحرب القاسية، هم أنفسهم شهدوا على فواجع البلاد الكبرى. هم أنفسهم اناس رائعون يمتلكون الصبر والجلادة في وجه المصائب، على الأغلب ليست لديهم رفاهية الشكوى و البكاء على الأطلال، تعلم الواحد فيهم، أن يأخذ حقه بيده، وتلك مشكلة حقيقية، تواجه وسوف تواجه، أي حكومة صومالية، بعدما عاد وطن بأكمله إلى عصر ماقبل القوانين، و أصبحت العودة، من نظام الغابة إلى نظام سيادة القانون أمر مُكلفة للغاية . فكيف تعيدهم إلى عصر عودة القوانين بل وصنعها ، هذا هو السؤال الأهم من بين كل الأسئلة التي خطرت على بالي، أمامك جيل لايريد أن يلتزم بقوانين، بل لايعرف لها أي أهمية ، هو يعرف ثغرات القوانين، و طرق التحايل عليها، إن وجدت اصلا . هم أنفسهم ضحايا الحرب، وتراكماتها النفسية ، ومن المهم وضع ذلك في عين الاعتبار، قد مر على معظمهم ليلة لم يعرف فيها النوم بعد أن كان شاهدا على جريمة قتل ، وهو نفسه رأى القتلة يقتلون، ثم تجاوز الموت ، وجثثاً هامدة على الأرض، هو نفسه شاهد كيف أفلت المجرمون من العقاب، تحدث مع أحدهم، ثم سيخبرك كيف تقدم لعمل أو منحة دراسية، ثم أعطوها إلى قريبهم أو صديقهم، الذي لم يستحقها أبدا ، ثم كيف تفطر قلبه على مستقبله، مسكين هذا الجيل ، إنهم بحاجة إلى أطباء ومعالجين نفسيين، الجميع تحت تأثير الصدمة، الصدمة التي تركتها الحرب لنا .
القوانين في نظر هذا الجيل شيء على ورق، لا أكثر، وفي أحسن الأحوال أغنية يغنيها مرشح رئاسي، بلغة أجنبية، يجب أن نعود معهم إلى البداية إلى الألف والاساسيات التي فُقدت مع الحرب، وتشرح لهم كل شيء من جديد.
ملاحظة ليست من خطأ هذا الجيل أنه ولد في الحرب، الخطأ قبول الأخطاء وتحويلها إلى عادات وتقاليد بامتياز.