بعد فراغ منصب رئيس الحكومة لنحو شهرين، أعلن الرئيس الصومالي، محمد فرماجو، 17 سبتمبر الجاري، تعيين الوافد الجديد إلى عالم السياسة، محمد حسين روبلي، رئيسا للوزراء.
وفي جلسة استثنائية لمجلس الشعب (البرلمان) الأربعاء، حضرها 215 نائبا من أصل 275، صوت النواب بالإجماع لصالح منح “روبلي” الثقة، لتشكيل حكومة خلال ثلاثين يوما، خلفا لحكومة حسن علي خيري.
وحجب البرلمان الثقة عن حكومة خيري، في يوليو/ تموز الماضي، لإخفاقها في تنفيذ وعدها بإعداد خطة لإجراء انتخابات برلمانية وفق نظام التصويت الشعبي المباشر، على قاعدة “صوت واحد لشخص واحد”.
وقبيل أدائه اليمين الدستورية الأربعاء، تعهد “روبلي” بتشكيل حكومة قوية تلبي تطلعات الصوماليين، وتصل إلى انتخابات عامة تلبي طموحاتهم، مع الاهتمام بملفات الأمن والتعاون الدولي، وتحسين الخدمات الاجتماعية، ومحاربة الفساد.
وتعيين “روبلى” رئيسا للحكومة هو، بحسب مراقبين، بمثابة انفراج سياسي نسبي للأزمة السياسية في الصومال، وإن كان ينتظره إرثا ثقيلا من ملفات ساخنة، أبرزها تشكيل حكومة توافقية، وإجراء الانتخابات العامة، بجانب ملفي الأمن والاقتصاد.
وتُجرى الانتخابات في الصومال بطريقة غير مباشرة، حيث تختار كل عشيرة مندوبين عنها لينتخبوا أعضاء البرلمان، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد لدورة رئاسية من أربع سنوات.
** جو سياسي ملائم
قال محمد شيخ عبدي، صحفي ومحلل سياسي، إن “روبلى عليه أن يتبنى سياسية محايدة لإحلال جو سياسي ملائم يسع الفاعلين السياسيين، فالمرحلة المقبلة صعبة، ولا مجال فيها لأية تجاذبات جديدة، نظرا للملفات الساخنة العالقة”.
وأضاف أن “ردود أفعال القوى السياسية بعد تعيين روبلى إيجابية، وسينجز الكثير من الواجبات المنوطة به، وشخصيته المنفتحة ستساهم في لعب دور الوسيط بين الرئاسة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية والمعارضة في المرحلة المقبلة”.
ورأى أن “روبلي يبدو في مأمن من تراشقات المعارضة، التي عارضت بشدة آلية الانتخابات المباشرة، التي كان يسوقها الرئيس فرماجو وفق الدستور المؤقت، والتي تم إلغاؤها نهائيا في المؤتمر التشاوري الأخير حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة”.
ونسف هذا المؤتمر التشاوري، في مقديشو بين 13 و17 الجاري، بين الحكومة ورؤساء الأقاليم الفيدرالية، جهودا دولية ومحلية لإجراء انتخابات مباشرة، لأول مرة في الصومال منذ عقود؛ وذلك بسبب غياب التوافق بين الحكومة والقوى السياسية، وعدم توفر وقت كافٍ لتنظيم انتخابات مباشرة، فضلا عن تحدي الوضع الأمني في البلاد.
ويتوجه الصومال إلى انتخابات برلمانية، في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، تمهيدا لأخرى رئاسية متوقعة في فبراير/ شباط 2021.
** ألغام سياسية
لكن الطريق إلى الانتخابات غير المباشرة، وفق مراقبين، ليس مفروشا بالورود، إذ تتزايد توترات في الساحة السياسية حول صراع انتخابي جديد قد ينتج فصلا جديدا في الممارسة السياسية كما حال السياسية الصومالية، التي تميل إلى التغيير أو قد يستمر النظام الحالي في قصر الرئاسة لولاية ثانية.
لكن ثمة تحديات قد تسبق الاستحقاق الانتخابي، فنتائج المؤتمر التشاوري حددت آلية إجراء الانتخابات، والآن ينتظر الصوماليون من “روبلي” تطبيقها، لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة.
وقال عبد الرحمن معلم باديو، مستشار رئيس الوزراء السابق، إن “آلية الانتخابات التي صيغت حاليا (غير المباشرة) هي نتيجة تعنت ومواقف غير سياسية تبناها الرئيس فرماجو ضد رؤساء الأقاليم الفيدرالية، طيلة السنوات الثلاث الماضية، ما أدى إلى نتائج عكسية ضد مساعيه لإجراء انتخابات (مباشرة.. صوت واحد لشخص واحد)”.
وحذر من أن “تنفيذ بنود سياسية لم يكن يعلم بها روبلى سيعني السير في حقل ألغام سياسية قد تنفجر في أية لحظة”، في إشارة إلى نتائج المؤتمر التشاروي.
وأضاف أن “روبلي سيبدأ مارثون إعداد أرضية الانتخابات دون إرث مسبق، بدءا من تشكيل اللجان الانتخابية على مستوى الفيدرالية والأقاليم، بجانب المسارات المتقاطعة بين رؤساء الأقاليم والحكومة، وهو ما سيشكل تحديا صارما لإيصال البلاد إلى انتخابات عامة”.
ورأى أن “ضيق الوقت المتبقي، وفق الدستور، لا يسعف روبلي للقيام بمهامه، وخاصة إجراء الانتخابات، وحتى وإن أمكن إجراؤها عبر طرق ملتوية، فستحوم حولها شبهات فساد لا مثيل لها”.
** ميزانية الانتخابات
اعتبر علي ياسين، وهو دكتور وباحث في جامعة “سيمد” بالصومال، أن “تحقيق (توفير) ميزانية للانتخابات هو التحدي الأبرز أمام روبلي، فالمجتمع الدولي مستاء من القرارات الأخيرة، التي تقضي على مظاهر الديمقراطية، مثل حل لجنة الانتخابات المستقلة، المدعومة دوليا على مدار السنوات الأربع الماضية، واختيار آلية انتخابات (غير مباشرة)، بدلا عن نموذج الانتخابات (صوت واحد لشخص واحد)”.
وتابع أن “المجتمع الدولي هو الداعم الأساسي لعملية الانتخابات، ورغم أنه رحب بمخرجات المؤتمر التشاوري، إلا أنه غير مطمئن.. على رئيس الوزراء تسويق أجندته لكسب دعم المجتمع الدولي لإنجاح مسيرته”.
ورجح أن “المجتمع الدولي سيوفر دعما معنويا لرئيس الوزراء المكلف، حفاظا على استقرار البلاد وعملية التداول السلمي للسلطة، ما سيمنح الحكومة المقبلة فرصة لتعزيز جهودها وإيصال البلاد إلى انتخابات غير مباشرة”.
** ملفا الأمن والاقتصاد
من التحديات البارزة أيضا أمام “روبلي” هما ملفا الأمن والأقتصاد، فالوضع الأمني مازال مفتوحا على كل الاحتمالات، خاصة في فترة انتقالية صعّدت فيها حركة “الشباب” المتمردة هجماتها.
ومنذ سنوات، يخوض الصومال حربا ضد هذه الحركة المسلحة، التي تأسست مطلع 2004، وتتبع تنظيم “القاعدة” فكريا، وتبنت عمليات انتحارية أسقطت مئات القتلى.
كما أن “روبلي” مطالب ببذل جهود مكثفة لإنعاش الوضع الاقتصادي في الصومال، عبر استكمال مساعي إعفاء البلاد من ديونها الخارجية، ومواصلة جهود محاربة الفساد في مفاصل الدولة.
وتُقدر ديون الصومال، الواقع في منطقة القرن الإفريقي، بـ5.3 مليار دولار، وهو بلد عربي هش يتعافى من حرب أهلية اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991.
وقال عبد القادر عثمان، رئيس حزب هلدور، إن “تأمين العملية الانتخابية يمثل تحديا أمنيا أمام روبلي”.
وتابع أن تأمين الانتخابات يتطلب تنسيقا أمنيا بين القوات الحكومية وقوات الأقاليم الفيدرالية، بالتعاون مع قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، إضافة إلى تحديد الدوائر الانتخابية لتثبيت أمنها قبل موعد الانتخابات.
ورأى أن “تحديد مدينتين في كل ولاية فيدرالية كمنطقتين انتخابيتين لا يتطلب جهدا أمنيا كبيرا، نظرا لاقتصار نفوذ حركة الشباب على إقليم جوبا الوسطى، ما يجعل تأمين الانتخابات ممكنا”.
وأعلنت “أميصوم” عزمها المشاركة في تأمين مراكز الاقتراع. وهو ما يعكس مخاوف من احتمال استهداف الاقتراع، الذي يحق لقرابة نصف مليون ناخب) من أصل نحو 13-15 مليون نسمة) المشاركة فيه.
وتابع عثمان أن الأنظار متجهة حاليا نحو الانتخابات المقبلة، أما عملية الإعفاء من الديون الخارجية فمتوقفة؛ بسبب انتشار وباء “كورونا” في العالم.
وختم بأن “محاربة الفساد في المؤسسات الحكومية هو ضمن أجندة حكومة روبلي، فهذا الملف بالذات يحظى باهتمام الهيئات المالية الدولية عند إعفاء دولة من ديونها”.