هل ينجح رئيس الوزراء الجديد في هندسة سياسة بديلة للصومال؟
عزّز الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد السلطة حول مؤسسة الرئاسة قبل الانتخابات المقررة في العام المقبل بالإعلان عن تعيين محمد حسين روبلي رئيسا جديدا للوزراء، في بلد يتوقع أن يتجه نحو مفترق طرق بين العديد من القضايا المحلية والإقليمية العالقة بسبب حرب أهلية مستمرة منذ ثلاثة عقود وحرب أخرى موازية على المتطرفين باءت بالفشل.
ومع هذا التعيين، الذي جاء بعد مصادقة البرلمان الأربعاء الماضي، بات روبلي ثاني شخصية تتقلد هذا المنصب في عهد فورماجو، والـ20 في تاريخ البلاد، بدأت التساؤلات تقفز أمام المراقبين السياسيين حول ما إذا كان رئيس الوزراء الجديد سينتهج سياسة مغايرة لسابقيه بالنظر إلى التقاطعات الكثيرة للبلد الذي تحاول قوى إقليمية التغلغل في مفاصله، ولعل من بينها قطر وتركيا.
ويعتقد محللون في مركز مقديشو للبحوث والدراسات أن روبلي تنتظره مهام وقضايا معقدة للغاية. وقالوا إن السؤال الملح بات يتمحور اليوم حول: هل سيساعد تخصصه في هندسة سياسة جديدة في الصومال تساهم في مواجهة تلك القضايا ومعالجتها حتى ينجح في أداء مسؤولياته بكلّ جدارة واستحقاق؟
ويقول عمر محمد معلم حسن، الباحث والأكاديمي الصومالي، توجد أربع مهام معقدة تنتظر رئيس الوزراء روبلي، أولها معالجة القضايا الأمنية والاجتماعية التي تشهدها البلاد، وتشكيل مجلس وزراء قادر على اجتياز المرحلة الانتقالية، وطرح خطة سياسية تمهّد لتنفيذ بنود الاتفاقية بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية، وأخيرا تحسين العلاقات بين الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية.
وفي خضم ذلك يواجه الصومال تهديدا كبيرا يتمثل في الإرهاب، حيث لا تزال حركة الشباب الصومالية ومجموعات متشددة تمارس أنشطتها رغم الإجراءات المتخذة لمكافحتها منذ سنوات. فقد تمكنت قوة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام التي تشكلت في 2007 من انتزاع السيطرة على أغلب مناطق البلاد من أيدي المتطرفين الإسلاميين مما أتاح الفرصة لظهور مؤسسات سياسية هشة.
ولكن يلاحظ أيضا أن الصوماليين الشبان، الذين تركوا البلاد بدأوا يعودون إليها وتسارعت أعمال البناء في العاصمة. ومع ذلك فمعضلة الفساد المستشري لا تزال قائمة، كما شهدت العلاقات بين الحكومة الاتحادية وسلطات الأقاليم اضطرابات في ظل خلافات على السلطة والموارد. فالنظام الذي جرى تطبيقه في الانتخابات العامة السابقة كان يعتمد على أن تقوم وفود عشائرية وقبلية باختيار أعضاء البرلمان ويختار النواب بدورهم زعيم البلاد.
ويرى معلم حسن أن معالجة القضايا الأمنية والاجتماعية، التي تشهدها البلاد مسألة لا تحتمل التأجيل اليوم، فقد ازداد في الآونة الأخيرة، وخصوصا في ما بعد سحب الثقة من رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، تدهور الأوضاع الأمنية في الصومال وخاصة في مقديشو، حيث ارتفعت وتيرة الهجمات التي تنفذها حركة الشباب.
وفي تقرير أعدته إذاعة “المستقبل” في مقديشو بعنوان “ما أسباب ارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة والتفجيرات المنظمة بعد سحب الثقة عن رئيس الوزراء” جاء فيه سرد لأحداث ووقائع لتفجيرات وهجمات منظمة تنفذها حركة الشباب كان من بينها اقتحام سيارة مفخخة في الثامن من أغسطس الماضي لقاعدة عسكرية تابعة للكتيبة 27 للجيش في العاصمة، تلاه بعد ثلاثة أيام فقط تمردّ في السجن المركزي بمقديشو.
كما أن منسوب الجريمة ارتفع بوتيرة متسارعة، حيث تعاني بعض أحياء العاصمة، مثلا، من انفلات أمني يتمثل في عمليات السطو والنهب المنظم التي تنفذها جماعات مسلحة، فضلا عن الأزمات الاقتصادية الخانقة والأوضاع المأساوية الناجمة عن استمرار إغلاق الطرق.
لكن ذلك ليس التحدي الأكبر، فتشكيل مجلس حكومي يساعده على تخطّي المرحلة الانتقالية يُعدّ من المهام الشاقة التي تنتظر رئيس الوزراء الصومالي الجديد. وهنا يقترح البعض على روبلي أن يتحاشى اختيار وزرائه الجدد من المجلس التّشريعي كما كان الحال في ظل حكومة حسن علي خيري التي كان معظم وزرائها أو جلّهم تقريبا من المجلس التشريعي، مما عرقل أداء مهامها بحرية واستقلالية تامة.
ويعتقد البروفيسور محمد حسن دوب أن الدمج بين المؤسسات التشريعية والتنفيذية واختيار الوزراء من أعضاء البرلمان من الأمور التي تطعن في مدى استقلالية مؤسسات الدولة، لذا فعلى رئيس الوزراء الجديد أن يتطلّع إلى خارج قبة البرلمان بعد حصوله على الثقة ويعين الحقائب الوزارية لمن يستحقها خارج البرلمان الصومالي.
وثمة مشكلة أخرى تعترض روبلي وهي التوفيق بين الحكومة الاتحادية والأقاليم بعدما اتسمت العلاقات بين الطرفين خلال السنوات الماضية بالتوتّر والتصعيد اللذين وصلا أحيانا إلى القطيعة التامة، وخاصة في ما يتعلّق بعلاقة الحكومة الفيدرالية مع ولايتي بونتلاند وجوبالاند اللتين كوّنتا حلفا سياسيا لمجابهة سياسات الحكومة الفيدرالية.
ويبدو رئيس الوزراء أمام فرضية الإبقاء على أقل تقدير على التفاهم المبني على اتفاقية مقديشو والتي جمعت بين قادة الحكومة الفيدرالية والولايات الإقليمية وإدارة إقليم بنادر، وانبثقت عنها بنود الاتفاقية 15 حول الانتخابات، كما تم فيها حلّ الخلافات السياسية الخاصة بين الولايات الإقليمية في ما بينها وبين الحكومة الفيدرالية.