تزامن انعقاد القمة الأوروبية الإفريقية الأخيرة مع احتدام الصراع الغربي مع روسيا. وهيمنت تداعيات هذا الصراع على أعمال القمة، ذلك أن واحداً من الأسباب القوية لتقارب الدول الأوروبية مع إفريقيا، هو إحساس بالقلق الذي ينتاب أوروبا من التمدد الروسي الذي يمثل منافساً قوياً، ويهدد الوجود الأوروبي التقليدي في هذه المنطقة، كما تمثل الصين منافساً آخر يهدد المصالح الاقتصادية والسياسية الأوروبية في إفريقيا.
ومما لاشك فيه أن أوروبا تحتاج إلى تجديد صيغ التعاون القديمة مع إفريقيا التي تمثل سوقاً كبيراً للمنتجات، وتمتلك مخازن المواد الخام التي يحتاج إليها قطاع الصناعة في أوروبا. وقد استخدم قادتها في المؤتمر تعبير «إعادة بناء الشراكة مع إفريقيا»، بدلاً من تعبير «تعزيز الشراكة»، وهو تعبير يعترف بماضي العلاقة المرتبك وغير المتكافئ ويسعى إلى تحسينه عبر صيغ مبتكرة جديدة تحقق الاحترام والعدالة في اقتسام المنافع.
وفي المقابل، فإن إفريقيا تعاني وطأة التخلف وعدم الاستقرار، وتحتاج إلى إحداث نقلة نوعية في مجالات التقنية الرقمية، والاتصالات والبنى التحتية، وفي مجالات الصناعة والطاقة، وتدفق الاستثمارات الأجنبية. ويمثل التعاون في هذه المجالات الأرضية المناسبة للشراكة المستقبلية، وهي مجالات تنافسية، حيث تقدم روسيا والصين حوافز مختلفة عن تلك التي كانت أوروبا تتعامل بها في المراحل السابقة.
وضمن الخطط الأوروبية المطروحة في قمة بروكسل، تحقيق النجاح في ما تمت الإشارة إليه ب«ثلاثية الازدهار والأمن والتنقل»، وهي عبارة عن مجموعة من المشاريع صممتها مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بالتنسيق الوثيق مع البلدان الإفريقية، وتتعلق خصوصاً بمجالات الاستثمار والإنعاش الاقتصادي، والبنى التحتية والصحة، والتنقل والأمن والتعليم.
وغني عن القول إن تحقيق النجاح في هذه المجالات يتطلب نوعاً من الاستقرار الأمني والسياسي، بينما تشهد العديد من الدول الإفريقية اضطرابات وتقلبات وأوضاعاً ًخارجة عن السيطرة. وتحدث وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، عن عراقيل في طريق الشراكة، قال إنها تتمثل في هشاشة الاستقرار، وانعدام الأمن وتعدد الانقلابات العسكرية والنزاعات الأهلية، وتحديات الإرهاب والاتجار بالبشر والقرصنة البحرية. ورأى بوريل أن زعزعة الاستقرار في القارة الإفريقية تغذيها «الجهات الفاعلة الجديدة» الصينية والروسية «التي تختلف أساليبها وأجنداتها اختلافاً كبيراً عن أساليبنا».
لكن أوروبا ستكون شريكاً في التعاطي مع مثل هذه التحديات في سياق خطط ثلاثية: الازدهار والأمن والتنقل. وستكون معنية بشكل مباشر بالمساعدة في إحلال السلام والاستقرار عبر دعم الجهود الإفريقية في مكافحة الإرهاب، ودعم إجراءات المؤسسات الإفريقية من أجل إرساء الاستقرار، علاوة على تقديم الدعم والمساندة لجهود مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتعزيز التنقل والهجرة الشرعية.
وحول الأهداف الكلية للشراكة كشف الرئيس السنغالي، الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي، ماكي سال، عن «طموح إفريقي أوروبي مشترك في قمة بروكسل، يتمثل في تحقيق شراكة متجددة وحديثة وأكثر توجهاً نحو العمل». وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أكثر وضوحاً، عندما أعلن أن أوروبا تحاول إرساء تحالف جديد مع إفريقيا، ومساعدتها على تحقيق النجاح.