الصومال اليوم

انفراجة في العلاقات الإماراتية – الصومالية بعد جفاء

هيأ اعتذار رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي الأرضية لعودة العلاقات الإماراتية – الصومالية التي توترت في أعقاب حادث احتجاز مساعدات مالية إماراتية كانت متجهة للشعب الصومالي قبل نحو أربع سنوات. ويرى متابعون أن هذه العودة التي تأتي في توقيت استثنائي من شأنها أن تثير قلق بعض القوى الإقليمية التي سعت لاستغلال شبه القطيعة بين البلدين لتعزيز نفوذها على الساحة الصومالية.
رحبت الإمارات العربية المتحدة باعتذار رئيس وزراء الصومال العلني عن حادث حصل في العام 2018 وأسفر عن احتجاز طائرة مدنية إماراتية ومصادرة مساعدات مالية كانت تحملها لدعم الشعب الصومالي. وقد تسبب ذلك الحادث حينها في شبه قطيعة بين البلدين.
وتزامن الموقف الإماراتي المستجد والذي أعلنت عنه وزارة الخارجية والتعاون الدولي مساء الثلاثاء، مع زيارة بدأها رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي على رأس وفد رفيع المستوى الاثنين إلى أبوظبي، والتقى خلالها بولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ويرى متابعون أن ترحيب الإمارات بالاعتذار الذي قدمه روبلي الشهر الماضي يعكس رغبة إماراتية في فتح صفحة جديدة في العلاقات الإماراتية – الصومالية، بعد سنوات من الجفاء. وأن الخطوة لا تخلو من موقف سياسي داعم لرئيس الوزراء الصومالي الذي يبدي حرصا على ترميم ما أفسدته مواقف الرئيس محمد عبدالله فرماجو، والتي كان الشعب الصومالي أكبر المتضررين منها، لاسيما وأن الإمارات تعد من أكثر الدول الإقليمية سخاء في دعم الصومال وشعبه على مدى العقود الأخيرة.
وشكرت وزارة الخارجية الإماراتية رئيس الوزراء روبلي على “مبادرته” لتسوية الأزمة. وقالت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) إن اعتذار الصومال “يعكس عمق العلاقات التاريخية” بين البلدين و”التقدير لدور الإمارات الهادف إلى دعم الشعب الصومالي وحكومته”.
وأكدت الوزارة على مضي دولة الإمارات قدما في تعزيز العلاقات التاريخية مع الشعب الصومالي، وتقديمها كل عون ممكن لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في ربوع هذا البلد.
وكان المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش أكد في وقت سابق أن اعتذار رئيس الوزراء الصومالي يفتح صفحة جديدة بين البلدين.
وقال قرقاش في تغريدة على حسابه على تويتر “تواصل الإمارات خطواتها نحو ترميم الجسور وإعادة التواصل مع مختلف الدول في سعيها لتعزيز الاستقرار الإقليمي ودفع عجلة الازدهار”.
وتابع “إن اعتذار رئيس الوزراء الصومالي يفتح صفحة جديدة، فلطالما كان دعم ومساندة الأشقاء في الصومال موقفا تاريخيا تجسد في أصعب الظروف ويبقى محل اهتمام ورعاية دولة الإمارات”.
وجاء الموقف الإماراتي المنفتح على عودة العلاقات مع الصومال رغم قرار صدر قبل نحو ثلاثة أيام من محكمة صومالية يقضي بعدم إعادة البنك المركزي للأموال الإماراتية المحتجزة والتي تتجاوز سقف التسعة ملايين دولار، وسط شكوك في تدخل من قبل الرئيس فرماجو في القضية للحيلولة دون استرداد الإمارات لتلك الأموال، خاصة وأن هناك من يقول بعدم اختصاص تلك المحكمة في البت في مثل هذه القضايا.
وكان فرماجو أبدى تحفظا على الاعتذار وعلى استعادة الإمارات لأموالها في ظل هواجس لديه من تعاظم حضور روبلي داخليا وخارجيا وقدرته على نسج علاقات إقليمية تتعارض ومصالحه وشبكة علاقاته الخارجية المثيرة للجدل.
وتعود حادثة احتجاز الأموال الإماراتية إلى التاسع من أبريل 2018، حينما استقل عملاء صوماليون طائرة إماراتية في مطار مقديشو، واحتجزوا إماراتيين تحت تهديد السلاح وسرقوا أكياسا نقدية ادعت الأجهزة الأمنية في البلاد أنها كانت دولارات أميركية غير مصرح بها. وقد نددت حينها الإمارات بشدة بالحادثة وأكدت أن تلك الأموال تم نقلها جوا لدفع رواتب الجنود الصوماليين وتقديم مساعدات أخرى.
وفي خطوة لكسر الجفاء، أعلن رئيس الوزراء الصومالي الشهر الماضي عن اعتذاره من الإمارات، وصرح في بيان نشره على صفحته على فيسبوك خلال استلامه لمساعدات إنسانية إماراتية “نعبر عن أسفنا عن تلك الحادثة وما سبّبته في توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين”، مشيرا إلى استعداد بلاده للإفراج عن الأموال الإماراتية التي تم ضبطها.
وأضاف روبل حينها “فجر جديد لتطبيع العلاقات”، متابعا “بعد فترة من العلاقات الباردة، الصومال والإمارات الآن على طريق تقدمي لحل الخلافات واستئناف العلاقات الأخوية”.
ويرى المتابعون أن قبول الإمارات اعتذار رئيس الوزراء الصومالي وإعلانها عن رغبة في فتح صفحة جديدة في العلاقات مع هذا البلد، من شأنه أن يثير قلق بعض القوى الإقليمية وفي مقدمتها قطر وتركيا اللتان استغلتا التراجع الإماراتي على هذه الساحة لتعزيز نفوذهما.
ويشير المتابعون إلى أن توقيت العودة الإماراتية الذي يتزامن مع استعدادات صومالية لاستكمال الانتخابات التشريعية التي قد تعقبها بعد أشهر قليلة انتخابات رئاسية، من شأنه أن يضاعف حجم القلق لدى الدوحة وأنقرة، اللتان تدفعان بقوة لاختيار قيادة موالية لها في الصومال.
وكان رئيس الوزراء الصومالي ورؤساء الولايات الفدرالية الخمس توصلوا خلال مؤتمر تشاوري عقد بين الثالث والتاسع من يناير الماضي على الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان – 275 نائبا) خلال أربعين يوما بين الخامس عشر من يناير والخامس والعشرين من فبراير الجاري.
وتعثر تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية في الصومال مرارا جراء خلافات حول إجراءاتها، ونشبت أزمة سياسية بين روبلي وفرماجو، وتبادل الطرفان اتهامات بالمسؤولية عن فشل العملية الانتخابية.
وزادت تلك الأزمة من مخاوف شركاء الصومال الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن، من احتمال الانزلاق إلى الفوضى، إذ يرون أن الانتخابات هي المخرج الوحيد من الأزمة في بلد هش يتعافى من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار حكومته المركزية في العام 1991.
وكانت الولايات المتحدة لوحت في وقت سابق بفرض عقوبات على كل من يعرقل الاتفاق الجديد بشأن المسار الانتخابي. وقد علق روبلي حينها على التهديدات الأميركية قائلا “ندرك الرسائل الصادرة من قبل شركائنا لتنفيذ جدول الانتخابات، وعلينا الالتزام بالسقف الزمني للانتخابات وتحقيق تطلعات الشعب الصومالي من أجل انتهاء الأزمة السياسية”.
ويرى المراقبون أن التهديد الأميركي يشكل تحديا كبيرا أمام بعض قادة الصومال ولاسيما فرماجو، الذي قد يجد نفسه معرضا لعقوبات في حال سعى لتأجيل الانتخابات أو التأثير عليها.

Exit mobile version