أثارت حملة منظمة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ضد وجود اللاجئين الأفارقة في تونس تساؤلات بشأن خلفياتها، وهل أنها مرتبطة بأحداث معزولة اتهم فيها لاجئون بتجاوز القانون أم أن الأمر أكبر من ذلك في ظل ثقافة لدى شرائح واسعة من المجتمع تسيطر عليها العنصرية في النظر إلى وجود الأفارقة سواء أكانوا لاجئين عابرين أم طلابا في الجامعات.
ويقول غاضبون من وجود اللاجئين الأفارقة إنهم باتوا ينافسون التونسيين على مواطن العمل وعلى السلع المدعومة من الدولة، وإن عددهم في ارتفاع ويهدد بـ”انقلاب ديموغرافي” كما وصفه الباحث السياسي رافع الطبيب.
لكن هذا التقييم لا يستقيم مع حقيقة الأرقام لأن التقديرات تشير إلى أن عدد الأفارقة، الذين لجأوا إلى تونس كمحطة للانتقال إلى أوروبا، يتراوح بين 20 و30 ألف أفريقي في حين أن عدد السكان في تونس يزيد عن 11 مليونا، وهو ما يجعل الحديث عن “انقلاب ديموغرافي” بمثابة تخويف شعبوي يصب الزيت على نار كراهية الأجانب في بلاد لا يكف مواطنوها عن إطلاق أوصاف ساخرة على الزوار من دول الجوار الذين يحمل وجودهم فوائد كثيرة لاقتصاد يقوم على الخدمات والسياحة.
وحذّر الطبيب في تصريحات لإذاعة “شمس أف أم” المحلية مما أسماه بتفاقم استيطان المهاجرين غير الشرعيين في تونس وما يمثله من خطر كبير، وأن ذلك “سيتسبب في انقلاب ديموغرافي”.
وأكد أن تونس غير قادرة على استقبال الكم الهائل من “المستوطنين” القادمين في رحلات هجرة غير شرعية والذين يتم إيقافهم والقبض عليهم قبل مرورهم إلى الجانب الأوروبي.
وقال الطبيب إن تونس أصبحت هدفا للاستيطان “خاصة أن الدول الأوروبية تريد أن تجعل من تونس وليبيا ضمانة للحدود الجنوبية لأوروبا”.
ويعتقد مراقبون محليون أن خطاب التخويف من وجود الأفارقة لا يستند إلى مخاوف جدية، مشيرين إلى أن نزوع البعض منهم إلى تنفيذ أعمال عنف أمر محدود جدا، ويأتي كردة فعل على رفض بعض التونسيين لهم، وليس عملية منظمة يمكن أن تهدد أمن المجتمع وثقافته وأخلاقه كما يروّج الكثيرون على مواقع التواصل.
ويشير المراقبون إلى أن اللاجئين الأفارقة يعملون في قطاعات هامشية يستنكف أغلب التونسيين عن العمل فيها مثل الفلاحة والبناء والمقاهي والمطاعم والمعينات المنزليات، وهي أنشطة مرهقة بأجور زهيدة ودون حماية اجتماعية أو عقود عمل، ما يجعل التخويف منهم بسبب الضغط على سوق الشغل غير مبرر.
كما أن الحديث عن استفادة هؤلاء اللاجئين من سلع غذائية مدعومة مبالغ فيه في بلد يتلقى دعما مستمرا من مانحين غربيين، وهو ما يثير سؤالا أخلاقيا: كيف يسمح التونسيون لأنفسهم بأخذ المساعدات الخارجية فيما يمنعونها عن غيرهم.
وإذا كان أغلب التونسيين، وبينهم سياسيون وإعلاميون ومثقفون، يعتقدون أن الأسلم في حل هذه المشكلة هو طرد اللاجئين وإجبارهم على العودة إلى بلدانهم أو الذهاب إلى أيّ مكان آخر، فهل يقبل هؤلاء أن تقوم دول أوروبية، مثل فرنسا حيث يوجد مئات الآلاف من التونسيين، بطرد العمالة التونسية على الهوية لمجرد أن هذه الدول لا تتحمل وجود لاجئين من لون مختلف أو ثقافة مغايرة أو أن البعض سقط في ملعب الجريمة المنظمة مثل شبكات المخدرات أو الانتماء إلى تيارات إسلامية متشددة تهدد فعليا أمن الدول المعنية.
وفي شهادات نقلتها وسائل إعلام محلية أو أجنبية للاجئين أفارقة، دأب هؤلاء على التأكيد على أن تونس معبر نحو أوروبا، وأنها ليست مستقرا، وعلى العكس فهم يخيّرون أوروبا أو الموت في البحر بسبب ما يعتبرونه استحالة العيش في تونس.
وتروي الشهادات أن البعض من التونسيين يعمدون إلى أطلاق أوصاف تحقيرية وعنصرية ضد الأفارقة في البلاد، ليس فقط تجاه اللاجئين العرضيين الذين يعيش أغلبهم في وضع صعب بعيدا عن أعين الشرطة، ولكن أيضا تجاه الطلاب الذين يدرسون في جامعات تونسية خاصة، أو لاعبي كرة القدم الذين يأتون إلى تونس كبوابة نحو أوروبا.
وتروي إحدى اللاجئات أن “صاحبة المنزل كانت تطلب مني ألا ألمس أبناءها لأنني سوداء البشرة. ولم يكن لي الحق في العلاج عندما أمرض. عندما يفقدون شيئا في البيت كانوا يتهمونني مباشرة بالسرقة”.
وتضيف “في الشارع ينادونني كحلوش (أسود) أو (قرد) ويرجمونني بالحجارة”.
ورغم أن حملات التحريض على وجود هؤلاء اللاجئين باتت علنية، إلا أن الحكومات التونسية المتعاقبة لم تبد اهتماما بالقضية، ولم تصدر موقفا واضحا بشأن رفض خطاب العنصرية والكراهية. وسعت بعض المنظمات الحقوقية للتحرك والتعريف بواقع هؤلاء اللاجئين ومساندتهم، لكن دورها ما يزال هامشيا.
وحمّل الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي في تصريحات سابقة الدولة التونسية “مسؤولية ما يمكن أن ينجرّ عن هذه الحملات من مخاطر تهدد سلامة المهاجرين الأفارقة”، داعيا السلطات إلى “محاسبة كل من يشهّر باللاجئين ويعاملهم معاملة سيئة”.
وقال الطريفي إن “التقارير الرسمية كشفت عن تواطؤ عصابات في المتاجرة بالمهاجرين الأفارقة في تونس وهضم حقوقهم”، داعيا الدولة إلى “تحمل مسؤوليتها في حمايتهم في إطار التزامها بمعاهداتها الدولية، وأن تستعين بمكتب المفوضية السامية لحقوق المهاجرين لجرد وضعياتهم ومتابعة ملفاتهم”.